دخل الجسر الجوي لإجلاء الأجانب والأفغان الراغبين في الفرار من نظام طالبان الجديد مراحله النهائية، اليوم السبت، قبل أيام قليلة من الموعد النهائي المحدد في 31 أوت لانسحاب الجنود الأميركيين من أفغانستان.
أنهت غالبية الدول الكبرى عملياتها في مطار حامد كرزاي الدولي بكابول. وسمح الجسر الجوي العملاق بإجلاء 112 ألف أجنبي وأفغاني منذ 14 أوت الماضي، أي عشية استيلاء طالبان على العاصمة الأفغانية، ونحو 117 ألف منذ نهاية جويلية الماضي، استنادا إلى أرقام الإدارة الأمريكية.
وأنهت فرنسا مساء الجمعة جسرها الجوي. وأعلنت وزيرة الجيوش فلورانس بارلي أن “نحو ثلاثة الاف شخص، بينهم أكثر من 2600 أفغاني” نقلوا إلى بر الأمان.
وأعلنت سويسرا وإيطاليا وإسبانيا والسويد الجمعة استكمالها رحلات الإجلاء، الأمر الذي سبقتها إليه ألمانيا وهولندا وكندا واستراليا.
وأكدت إيطاليا أنها أجلت أفغانا أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي يبلغ عددهم 4900 شخصا.
وأجلت ألمانيا نحو 5300 شخص من جنسيات مختلفة، وأستراليا 4100 أشخاص، وكندا أكثر من 3700 شخص، وإسبانيا أكثر من 2200 شخص، والنرويج 1100 أشخاص، وكذلك السويد، إلا أن المساهمة الأكبر تقوم بها الولايات المتحدة التي تواصل عملياتها.
وأعلن الجيش البريطاني أن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة المتحدة في أفغانستان ستنتهي اليوم السبت وأن اخر طائرة مخصصة لإخراج مدنيين من البلد أقلعت من كابول.
تحذير من هجوم..
بدأت القوات الأمريكية المرحلة الأخيرة من عملية الإجلاء من مطار كابل، على وقع تحذير من هجوم محتمل خلال الساعات القادمة، في حين تتهيأ حركة طالبان لاستلام المطار.
وأصدرت السفارة الأمريكية في كابل تحذيرا جديدا فجر اليوم الأحد، دعت فيه رعاياها إلى مغادرة محيط مطار كابل فورا بسبب تهديد محدد وموثوق.
وقال السفارة الأميركية في بيان إن على المواطنين الأميركيين تجنب التوجه لمطار كابل وتفادي جميع بواباته حاليا.
ونقل موقع بوليتيكو (POLITICO) عن مسؤول في البنتاغون أن تحذير السفارة الأميركية في كابل بالابتعاد عن المطار، جاء بسبب تهديد تفجير بحزام ناسف.
تسليم مطار كابل
وقال مسؤول في حركة طالبان، اليوم الأحد، إن الحركة التي تولت السلطة في أفغانستان والقوات الأمريكية المنسحبة من البلاد، تهدفان إلى تسليم مطار كابل على وجه السرعة.
وقال المسؤول “نحن بانتظار الإشارة الأخيرة من الأميركيين لنتولى بعدها السيطرة الكاملة على مطار كابل”.
وأضاف أن الحركة التي سيطرت على العاصمة كابل يوم 15 أوت بعد تقدم خاطف، لديها فريق مستعد لإدارة المطار يضم خبراء فنيين ومهندسين مؤهلين.
تداعيات التفجير
من جهة أخرى، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن لدى لقائه فريقه للأمن القومي إنّ الغارة الأميركية التي استهدفت تنظيم الدولة في أفغانستان يوم الجمعة لن تكون الأخيرة.
وقال بايدن إنّ الوضع على الأرض في كابل لا يزال خطيرا للغاية، كما لا يزال خطر الهجمات الإرهابية على مطار العاصمة الأفغانية مرتفعا.
وشدد على أنّ الولايات المتحدة ستواصل إجلاء المدنيين رغم الوضع الخطير في كابل.
كما أعلم القادة العسكريون بايدن بأنّ هجوما يرجح وقوعه في أفغانستان خلال الساعات الـ36 المقبلة.
مشاورات لتشكيل الحكومة ومساعي لإقامة “منطقة آمنة”
تكثّف حركة طالبان المشاورات بشأن تشكيل حكومة جديدة في أفغانستان، في وقت تستعد فرنسا وبريطانيا لعرض مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى إقامة منطقة آمنة في كابل.
وقالت مصادر إعلامية إن رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر، وصل مدينة قندهار وبصحبته عدد من قادة الحركة.
وقالت المصادر إن زيارة هذا الوفد تهدف إلى إجراء مشاورات مع قادة في الحركة وفاعلين محليين بشأن جهود تشكيل الحكومة المقبلة في أفغانستان، وأضافت المصادر أن مسؤولين في طالبان سيأتون من مدينة كويتا الباكستانية للغرض نفسه.
وتابعت أن رئيس لجنة الدعوة والإرشاد في الحركة أمير خان متقي وصل بدوره إلى هلمند (جنوبي أفغانستان) لإجراء مشاورات مماثلة.
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان توجه قبل نحو 10 أيام إلى كابل قادما من قندهار، وعقد سلسلة من المشاورات سعيا لتشكيل حكومة جديدة وعدت طالبان بأن تكون حكومة شاملة.
من جهته، نفى المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد تحديد موعد لتشكيل الحكومة أو التحدث بهذا الشأن مع أحد، مؤكدا أن الحركة ستقوم بجولة مشاورات مع جهات مختلفة لمزيد من التنسيق بشأن تسيير عمل الحكومة.
وكانت تقارير نسبت إلى المتحدث باسم طالبان قوله إن الحكومة ستشكل خلال أسبوع.
على صعيد آخر، ومع قرب حلول موعد انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان في 31 أوت الجاري، تعتزم فرنسا وبريطانيا تقديم مشروع قرار في جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي بشأن أفغانستان يوم غد الاثنين، يقترح إقامة منطقة آمنة في كابل للراغبين في مغادرة البلاد.
وفي مقابلة مع صحيفة “لو جورنال دو ديمانش” تنشر اليوم الأحد، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن مشروع القانون الذي يقترحه يهدف إلى تحديد منطقة آمنة في كابل تحت سلطة الأمم المتحدة، تتيح استمرار العمليات الإنسانية.
وأضاف أن ضمان خروج المدنيين بعد انتهاء عمليات الإجلاء الحالية يعد أحد الشروط المسبقة لأي علاقة بين فرنسا وحركة طالبان.
وفي السياق، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن الدفعة الأخيرة من قوات بلاده غادرت كابل بعد 20 عاما من الوجود العسكري هناك، وتعهد أن تحافظ بريطانيا بكل ما لديها من أدوات دبلوماسية وإنسانية على ما أُنجز في أفغانستان منذ 2001.
وكان جونسون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتفقا على ضرورة تقديم مساعدات دولية وتبني مجموعة السبع نهجا مشتركا إزاء الحكومة التي ستتولى الأمور في أفغانستان مستقبلا.
الوجه الآخر للإجلاء..
ومن المتوقع أن يؤثر هرب الكوادر والمتخصصين سلبا في أداء المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وسيُعدّ الفراغ الذي خلفوه من أبرز التحديات أمام الحكومة القادمة التي فقدت أهم ركائزها البشرية.
وفي جامعة كابُل بالعاصمة الأفغانية، اضطرت كلية اللغات إلى إغلاق قسم اللغة الفرنسية، بعد أن نُقل أعضاء هيئته التدريسية والعاملين فيه إلى فرنسا، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها الولايات المتحدة ودول أجنبية للمتعاونين معها والمواطنين الأفغان منذ سيطرة طالبان على أفغانستان منتصف الشهر الجاري.
وحسب أحد أساتذة كلية اللغات في جامعة كابل، فإن نقصا كبيرا تواجهه الجامعة والمؤسسات الأكاديمية عامة في أعضاء هيئات التدريس إثر مغادرة أعداد كبيرة منهم.
ووفقا لتقارير وأخبار وسائل الإعلام الأفغانية وشبكات التواصل الاجتماعي، وبناء على المشاهدات العينية، فإن أغلب الذين غادروا أفغانستان، في إطار ما سميت بـ”عملية الإجلاء”، هم من المتخصصين وذوي الخبرة في مجالات مهمة مثل الإدارة والاقتصاد والهندسة والطيران والإعلام والدبلوماسية والقضاء والحقوق والآداب واللغات والشرطة والأمن وغيرها.
ويُعد الإعلام أكثر القطاعات المتضررة من فقدان الكوادر، إذ خسر نسبة كبيرة من العاملين فيه. ففي قناة مثل “طلوع نيوز” الإخبارية الشهيرة بأفغانستان، غادر المخرجون ومقدمو البرامج ومذيعو نشرات الأخبار وفريق المراسلين، بمن فيهم رئيس القناة، إلى دول مثل فرنسا وتركيا وأوزبكستان.
وتؤكد مصادر وشهود عيان أن مصير العاملين في قنوات ومؤسسات إعلامية أخرى كالتلفزيون الحكومي والصحف اليومية لا يختلف كثيرا، إذ غادر البلاد عدد كبير من العاملين فيها، مع أسرهم.
ولعل مغادرة الإعلاميين تأتي استغلالا للفرصة المتاحة للوصول إلى الغرب، والبحث عن مستوى حياة أفضل، فضلا عن خوفهم على مستقبلهم الوظيفي في ظل التحديات الأمنية الجديدة، على الرغم من طمأنة حركة طالبان وتأكيد مسؤوليها أنها لن تتعرض لعمل وسائل الإعلام ولا تخطط لفرض قيود على حرية التعبير.
وكان قطاع المال والأعمال من أبرز الخاسرين لكوادره أيضا، حيث ترك كثير من المسؤولين والموظفين في وزارتي المالية والاقتصاد والبنوك وظائفهم وغادروا البلاد إلى أميركا و أوروبا.
تحديات أمام الحكومة
لعل أخطر تبعات هروب الأدمغة هو تفريغ أفغانستان من كوادرها البشرية الذين درسوا وتدربوا واكتسبوا الخبرة خلال السنوات الـ20 الماضية، ومن المتوقع أن يؤثر غيابهم سلبا في أداء المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وسيكون هذا من أبرز التحديات أمام الحكومة القادمة التي فقدت أهم ركائزها البشرية.
ويؤكد مراقبون أفغان أن النتائج السلبية لفقدان الكوادر المؤهلة على مستقبل أفغانستان ستكون أخطر وأشد إذا ما أخذ بالاعتبار الهرب الجماعي والمفاجئ لعشرات الآلاف من موظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص، لأن ملء الفراغ الذي تركوه سيحتاج إلى وقت طويل.
ويرى مراقبون أن تأهيل آلاف الأفغان في مختلف التخصصات العلمية والمهنية وتدريبهم، وتحديث نظام العمل في الوزارات والمرافق الحكومية والمؤسسات كان إنجازا كبيرا للحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من أميركا والمجتمع الدولي، رغم فساد تلك الحكومة وضعفها.