تركت العمليات الاستشهادية للتنظيمات الفلسطينية بخاصة التي استهدفت الافراد الاسرائيليين غير العسكريين في فلسطين المحتلة أثرا عميقا على المجمع الاسرائيلي، تجلى في تزايد الهجرة اليهودية المعاكسة وتناقص الاستثمارات الاجنبية وتراجع معدلات السياحة، ناهيك عن تجنيد آلاف اليهود لحماية الحافلات والكازينوهات والمطاعم والمدارس والجامعات ودور السينما والشوراع الكبرى ومدرجات الملاعب الرياضية، الى جانب إرباك الحياة اليومية الاسرائيلية.
ومبرر تلك العمليات الفلسطينية هو الخلل الهائل في موازين القوى بين الطرف الفلسطيني والطرف الاسرائيلي من ناحية، ونتيجة طبيعة الوجود الصهيوني في فلسطين والقائم اساسا على الاغتصاب للأرض، وكل اشكال العقار الفلسطيني، الى جانب نفي الكينونة السياسية الفلسطينية نفيا تاما، والعمل على تغييب التراث الثقافي بل والانثروبولجي للمجتمع الفلسطيني…
وعليه كانت العمليات الاستشهادية الفلسطينية هي نتيجة لكل هذا.
فلو بقي المستوطن الاسرائيلي في بلاده او عاد الآن لها.. هل يكون هدفا للعمليات الاستشهادية.. ان الوزير بينيت ونيتنياهو ليسوا مدنيين بالمعنى القانوني.. هم مستوطنون لصوص يرتدون زيا مدنيا فقط.
اما العمليات التي تبنتها تنظيمات مثل داعش أو أمثالها فإنها كثيرا ما تم توجيهها الى نفس المجتمع الذي تنتمي له المجموعة المتطرفة (لا مدني مستوطن اغتصب ارض غيره كما في الحال الاسرائيلي) او لأفراد لا علاقة لهم بالصراع (بينما المدني الاسرائيلي هو جزء من الصراع)، فالسائح الأوروبي في دولة اسلامية لا علاقة له بأي صراع، لكن الاسرائيلي بحكم وجوده في فلسطين المحتلة هو احتلال مادي ومعنوي، فلا فرق بين المستوطن أكان بزي عسكري اوزي مدني.
لكن المشكلة ان تزايد عمليات الارهاب خارج نطاق حالات الاحتلال والاستيطان، اصبح هو الصورة الاكثر انتشارا، وهو ما ادى الى خلط صورة عمليات العنف ضد المستوطن الغاصب والعمليات ضد الفرد العادي او حتى ابن نفس المجتمع الذي ينتمي له التنظيم الارهابي..
وعليه فقد نجح الاعلام الصهيوني في توظيف هذه المسألة من خلال الخلط بين:
أ- الارهاب والمقاومة.
ب- اعتبار المدنيين سواء في كل مكان مع أن هناك فرق كامل بين المدني المستوطن وبين المدني العابر.
هذا الخلط وتشويه الصورة لم يتم دون استغلال، وأصبح من مصلحة اسرائيل اتساع قاعدة العمليات ضد المدنيين الأبرياء، وقد بدأ هذا يترك اثرا على التنظيمات الفلسطينية، فلو جرت حاليا عملية فلسطينية في احد المناطق في فلسطين المحتلة، فان العالم تأقلم مع الصورة العامة على حساب الصورة الخاصة، وأصبح مهيئا لإدراج الصورة الخاصة (العنف ضد المدني المستوطن) مع الصورة العامة العنف ضد المدني البريء الذي لا علاقة له بالصراع السياسي..
وهو ما يجعلني أُقدر أن اكثر الدول سعادة بنموذج داعش ومثيلاتها هي إسرائيل، لأنه أعفى إسرائيل من عبء ثقيل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا على المجتمع الاسرائيلي.
ولنوضح الصورة نعطي مثالا: عندما تطلق الشرطة في أي بلد النار على مجموعة من عصابات المخدرات (وهم مدنيون بالتعريف الاجرائي)، فهل توصف عملية إطلاق النار إرهابا؟ لا إنها عمل مشروع ضد الخروج على القانون من قبل مدنيين… والفلسطيني حين يطلق النار على الاسرائيلي المدني هو يمارس نفس عمل الشرطة لأن عصابة المخدرات “تخالف للقانون المدني” في الدولة والمستوطن مخالف للقانون الدولي في العالم…
ان تشويه الصورة وتكثيفها يخدم الدعاية الصهيونية ضد التنظيمات الفلسطينية، وابرز ما في هذا التشوية هو تغييب حقيقة المدني في الحالة الارهابية وحقيقة المدني المستوطن الذي هو عسكري محتل، باستثناء ان زيه زي مدني.. وكل رجال المخابرات في العالم يرتدون زيا مدنيا، فهل المهم زيهم أم حقيقة مهمتهم..فالمستوطن هو عسكري بزي مدني، بل ان الكثير منهم في اسرائيل يحمل سلاحا ويرتدي زيا مدنيا قد يكون من بيير كاردان…ربما.