تتسارع الأحداث في أفغانستان بشكل يثير تساؤلات و مخاوف في آن واحد، وتحرز حركة طالبان تقدما ميدانيا لافتا، وباتت على وشك السيطرة على العاصمة كابول، ما يعني سيطرتها على السلطة في هذا البلد الذي لم يعرف الاستقرار في تاريخه.
تقدم قوات طالبان وتقهقر قوات الحكومة
مع تسارع وتيرة انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان، تغيرت المعطيات فجأة في هذا البلد، ودخلت حركة طالبان والقوات الحكومية منذ ماي الماضي في معارك واقتتال من أجل السيطرة على البلد.
وبدأت الولايات والمدن الأفغانية تسقط تباعا في أيدي قوات طالبان، وسط تقهقر القوات الحكومية التي فقدت الدعم الأميركي ودعم الحلفاء، و بسطت الحركة سلطتها على مساحات واسعة في الداخل وعلى معابر حدودية مع إيران وتركمانستان وطاجيكستان.
واستولت قوات طالبان على ولايات كبرى، هرات (غرب) و قندهار (جنوب)، وهي معقل الحركة، و”بولي علم” عاصمة ولاية لوغار ، وكانت آخر مدينة تسقط، ما يجعل قوات طالبان في موقع قريب من كابول.
وتشير تقديرات المخابرات الأمريكية، إلى أن التفكك السريع لقوات الأمن الأفغانية يعني أن استيلاء طالبان المحتمل على كابول نفسها قد يستغرق ثلاثة أشهر، وربما أسابيع.
ويتمركز مقاتلو طالبان الآن على بعد خمسين كيلومترا فقط عن كابول، ما جعل الولايات المتحدة ودولا أخرى تهرع لإجلاء رعاياها جوا.
وتلقى موظفو السفارة الأمريكية أوامر بإتلاف أو إحراق المواد الحساسة مع بدء إعادة انتشار ثلاثة آلاف جندي أميركي لتأمين مطار كابول والإشراف على عمليات الإجلاء.
تحذيرات بعدم الاعتراف بطالبان
شكل حجم وسرعة تقدم طالبان صدمة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي ضخ مليارات في البلاد بعد الإطاحة بحركة طالبان بعد هجمات 11سبتمبر 2001.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جون كيربي للصحفيين في مؤتمر صحفي “نحن قلقون بالتأكيد من السرعة التي تتحرك بها طالبان. إنه أمر مقلق للغاية.”
وأضاف أن الحركة تحاول عزل كابول، لكنه أشار إلى أن القوات الأفغانية، التي ستواصل الولايات المتحدة دعمها، قادرة على إحداث فارق على الأرض.
وبخلاف تصريحات المسؤوليين ، تتحدث صحف ووسائل إعلام أمريكية عن فشل وانهيار أمريكي في أفغالنستان، وكتبت صحيفة “واشنطن بوست” تقول “إن الانهيار السريع في أفغانستان هو جزء من هزيمة واضحة للولايات المتحدة في البلاد منذ عقود..”
وأضافت الصحيفة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كانت تخفي الحقيقة، وهي أن الولايات المتحدة تخسر الحرب وأن القادة في البيت الأبيض والجيش يحاولون “دفن الأخطاء”.
ومن جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مقاتلي طالبان إلى الوقف الفوري لهجومهم ضد القوات الحكومية والعودة إلى طاولة المفاوضات بحسن نية، من أجل مصلحة أفغانستان وشعبها.
وكشف أن “ما لا يقل عن 241 ألف شخص أجبروا على الفرار من منازلهم… والمستشفيات مكتظة. والإمدادات الغذائية والطبية تتناقص. والطرق والجسور والمدارس والعيادات وغيرها من البنى التحتية الحيوية تتعرض للدمار..”
وحذر الاتحاد الأوروبي حركة طالبان أنها ستواجه عزلة دولية إذا استولت على السلطة من خلال العنف، في حين هددت ألمانيا بوقف المساعدات عن أفغانستان إذا ما استولت طالبان على السلطة في البلاد وطبقت الشريعة الإسلامية.
ودعا من جهتهم، ممثلو الدول المشاركة في اجتماع حول أفغانستان عقد بالعاصمة القطرية الدوحة قبل أيام، الأطراف الأفغانية إلى تسريع عملية السلام والتوصل لتسوية سياسية ووقف شامل لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن، مؤكدين رفضهم لأي حكومة مفروضة بالقوة.
وذكر البيان الصادر الخميس الماضي في ختام جلسات اجتماع دعت له قطر وشاركت فيه الترويكا الموسعة حول أفغانستان ودول من المنطقة وخارجها، أن المشاركين في الاجتماع جددوا التأكيد أنهم لن يعترفوا بأية حكومة في أفغانستان يتم فرضها من خلال استخدام القوة العسكرية.
ووقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان في 29 فبراير 2020 في الدوحة اتفاقا نص على انسحاب القوات الأجنبية، مقابل ضمانات أمنية وفتح مفاوضات بين المسلحين والحكومة الأفغانية. لكن هذه المناقشات متوقفة حاليا.
والانسحاب النهائي للقوات الأجنبية من أفغانستان مقرر بحلول 31 أوث الجاري. وقد بدأ حوالي 2500 جندي أمريكي وسبعة آلاف عسكري من دول أخرى موجودين في أفغانستان انسحابهم في مطلع ماي الماضي.
موقف دول إقليمية
من جهة أخرى، تتخوف دول إقليمية من أن يؤدي قرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى فوضى تهدد أمنها ومصالحها في المنطقة.
وتؤكد باكستان أنها ترفض التورط في الأزمة الأفغانية، وكان رئيس الوزراء عمران خان صرح في وقت سابق أنه رفض طلبا للرئيس الأفغاني بتنفيذ عمل عسكري من جانب جيش باكستان ضد حركة طالبان.
وكانت الصين ـ التي تكره وجود فراغ في السلطة على حدودها ـ استقبلت في 28 جويلية الماضي وفدا رفيعا عن حركة طالبان، الذي طمأنها أن الحركة لن تسمح باستخدام أفغانستان كقاعدة لشنّ هجمات تستهدف أمن دول أخرى.
وسبق لبكين التي دعمت الغزو الأمريكي لأفغانستان أن استضافت وفدا من طالبان عام 2019، لكن جذور علاقتهما تمتد لفترة أبعد من ذلك.
أما روسيا التي انهزمت في السابق في أفغانستان، فيبدو أنها تنظر بإيجابية للتطورات الحاصلة، وكان مبعوثها الخاص إلى هناك، زامير كابولوف وصف سيطرة حركة طالبان على مناطق في شمالي أفغانستان بالعامل الإيجابي الذي يوفر أمن شركاء روسيا في آسيا الوسطى.
وقال كابولوف إن طالبان تشكل “عامل كبح للجماعات المتطرفة التي هدفها ليس أفغانستان، بل آسيا الوسطى وباكستان وإيران..”
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صرح بأن بلاده لن تتدخل في أفغانستان تدخلا مباشرا، طالما بقيت الصراعات داخل الحدود الأفغانية.
ومن جهتها، استقبلت روسيا وفدا عن حركة طالبان في جويلية الماضي، وذكرت المصادر الإخبارية حينها أن الحركة طلبت من موسكو أن تدعمها في مجلس الأمن الدولي من أجل رفع اسمها من قائمة العقوبات.
وترى إيران بدورها في التطورات الأفغانية فرصة لزيادة نفوذها في المنطقة وتسجيل نقاط ضد الولايات المتحدة. واستقبلت في جويلية الماضي وفدين، الأول عن الحكومة الأفغانية والثاني عن حركة طالبان.
أما تركيا وعلى لسان رئيسها، رجب طيب أردوغان فرجحت استقبال زعيم حركة طالبان في الفترة القادمة.
وسبق أن أعلن أردوغان أن بلاده ستتولى تأمين المطار الدولي بالعاصمة الأفغانية كابل بعد الانسحاب الأميركي، وقال حينها إن أنقرة وواشنطن اتفقتا على “ترتيبات” ذلك.