تواصل الدبلوماسية المغربية بقراراتها المتلاحقة تخبطها في التعاطي مع ملفات حساسة ومصيرية، ومع دول تربطها بها مصالح سياسية واقتصادية. وبات يلاحظ أن ما يطبع قراراتها هو التسرع والتهور وفقدان الرؤية الاستراتيجية.
تميز الأداء الدبلوماسي للخارجية المغربية بزعامة، ناصر بوريطة في المدة الأخيرة بتكثيف النشاط من أجل تعزيز موقف المغرب على الساحة الدولية، إلا أن هذا الأداء لم يجلب سوى أزمات وتوترات مع دول فاعلة في العالم.
يظهر أحدث تهور صادر عن الدبلوماسية المغربية في إعلان دعم المغرب الأخير لما تزعم بأنه ‘حق تقرير المصير للشعب القبائلي’، وذلك من خلال وثيقة وزعها السفير المغربي في الأمم المتحدة على أعضاء حركة عدم الانحياز.
واعتبرت وزارة الخارجية أن الخطوة المغربية هي”انحراف خطير، يتعارض بصفة مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية، فضلا عن كونه يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي.”
ووصف بيان وزارة الخارجية التصريح الدبلوماسي المغربي بأنه “مجازف وغير مسؤول ومناور، يعد جزءا من محاولة قصيرة النظر واختزالية وغير مجدية تهدف إلى خلق خلط مشين بين مسألة تصفية استعمار معترف بها على هذا النحو من قبل المجتمع الدولي وبين ما هو مؤامرة تحاك ضد وحدة الأمة الجزائرية..”
ويقول البروفيسور ، إدريس عطية، أستاذ العلاقات الدولية لـ “الشعب أونلاين” أن عودة رمطان لعمامرة إلى تزعم الدبلوماسية الجزائرية” أزعج المغرب كثيرا خاصة في الملفات الإفريقية..”
وأضاف أن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة “أصيب بالشلل بعد عودة لعمامرة..”
تطبيع وصفقة
بحسب مراقبين، نهجت الدبلوماسية المغربية على إصدار قرارت بسوء تقدير، مثل التسرع في عملية التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي برعاية رئيس أمريكي منتهية ولايته، مقابل اعتراف على سيادة مغربية مزعومة على الصحراء الغربية.
أكثر من 35 حزب وهيئة في المغرب: ندين التطبيع مع الكيان الصهيوني ومحاولات زج بلادنا في مستنقع حيانة القضية الفلسطينية ودماء شهداء شعبنا، وندعو كافة الهيئات المغربية والمواطنين والمواطنات الأحرار من أجل مزيد من النضال الوحدوي لمواجهة وإسقاط قرار التطبيع المخزني مع الكيان الصهيوني. pic.twitter.com/zkgaJLRJdy
— حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) (@BDS_Arabic) December 12, 2020
وجلب قرار التطبيع مع إسرائيل ـ الذي وقع في ديسمبر 2020 ـ الضغوط والمتاعب الداخلية للنظام المغربي، من المواطنين ومن الهيئات والمنظمات الرافضة لأي علاقة مع محتل يقتل ويرتكب جرائم يومية في حق الفلسطينيين.
وأضر القرار بصورة المغرب، البلد الذي يترأس لجنة القدس، إذ اعتبر الفلسطينيون أن المغرب خذلهم وخذل قضيتهم.
ووجهت أسوأ الانتقادات للدبلوماسية المغربية بسبب مقايضة التطبيع باعتراف إدارة ترامب، بالسيطرة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية.
ورأى مراقبون أن ما فعله الملك محمد السادس ووزير خارجيته، ناصر بوريطة، ورئيس حكومته، سعد الدين العثماني، إنما ينم عن تخبط وسوء تقدير للقضية الصحراوية ولأبعادها.
فقضية الصحراء الغربية مطروحة على أروقة الأمم المتحدة، وهي التي تقرر من يحسم النزاع، وليس ترامب أو غيره.
وكان ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، عبر عن موقف المنظمة الأممية بالقول: :موقفنا من الإعلانات المتعلقة بالصحراء الغربية لم يتغير… وما زلنا نعتقد أنه يمكن إيجاد حل من خلال الحوار على أساس قرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وأثبتت الأيام أن ترامب ورط الدبلوماسية المغربية ووضعها في مأزق حقيقي، لأن إدارة الرئيس جو بايدن لم تعترف حتى الآن بقرار ترامب وما تزال تتعامل مع قضية الصحراء الغربية بنفس السياسة الأمريكية التقليدية.
والدول الأوروبية أيضا لم تنجر لموقف ترامب، وبقيت على موقفها بشأن القضية الصحراوية، وحتى فرنسا الحليفة للمغرب، ظلت متمسكة بقرارات الشرعية الدولية في هذا الشأن.
تورط في أزمات مع الأوروبيين
لم يكتف النظام المغربي بتوريط بلاده في تطبيع مع محتل، وبتجاوز قرارات الشرعية الدولية بشأن القضية الصحراوية، وإنما أدخل نفسه أيضا في دوامة من الأزمات الدبلوماسية مع دول أوروبية لها وزنها على الساحة الدولية على غرار ألمانيا.
لم تقدر الدبلوماسية المغربية موقف ألمانيا المبدئي من القضية الصحراوية، وقامت في ماي 2021 باستدعاء السفيرة المغربية لدى برلين ووقف جميع اتصالاتها مع السفارة الألمانية.
وجاء القرار المغربي ردت عليه ألمانيا بتجميد مساعدات تفوق مليار أورو، كانت موجة في شكل مشاريع لدعم التنمية في المغرب.
ويوضح الناشط السياسي المغربي علي آيت الشهبي، أن ألمانيا هي قاطرة الاتحاد الأوروبي، وهي من تصنع سياساته الخارجية.
ويضيف ـ في لقاء خاص سابق مع إذاعة الجزائر الدوليةـ أن بلاده هي من تدفع الضريبة، بسبب ملف حقوق الانسان في المغرب وفي الصحراء الغربية المحتلة وقضايا تهريب المخدرات.
ومن جهة أخرى، أدخل المغرب نفسه في أزمة دبلوماسية مع جارته وشريكته الاقتصادية إسبانيا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، ودون أن يحسب عواقب سياسته، قام بفتح حدوده في 17 ماي الماضي لتدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين باتجاه مدينة سبتة المحتلة من طرف الإسبان.
ولم ترضخ إسبانيا للابتزازت وللضغوط المغربية الرامية إلى دفعها للاعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، و استقبلت رئيس الجمهورية الصحراوية، إبراهيم غالي للعلاج في أحد مستشفياتها من فيروس كورونا.
وعاد الرجل إلى الجزائر بداية جوان الماضي دون إدانة من القضاء الإسباني، كما كان يرغب المغرب.
وجددت وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، أرانشا جونزاليس في أكثر من تصريح أن بلادها تدعم حلا لمشكلة الصحراء الغربية بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وتسببت السياسة التي انتهجها المغرب مع إسبانيا في دخول الاتحاد الأوروبي على الخط من خلال تضامنه مع مدريد.
وأصدر البرلمان الأوروبي في العاشر من جوان 2021 قرارا أدان فيه المغرب لاستخدامه المهاجرين القصر أداة للضغط السياسي.
ويقول مراقبون إن قرار البرلمان الأوروبي الذي اعتمد بأغلبية 397 صوتا، زاد من عزلة المغرب على الصعيد الأوروبي.