على النقيض من أوروبا التي شهدت موجة صعود اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة، تعيش أمريكيا اللاتينية على وقع عودة قوية وصعود اليسار إلى السلطة منذ 2021.
أبرز هذه الأحداث عودة لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي السابق، ذي الشعبية الكبيرة إلى المنافسة في انتخابات يوم الأحد.
بين أوروبا وأمريكا اللاتينية
إذا كانت عودة اليمين في أوروبا تبرر بالقومية والتدابير الحمائية للاقتصادات الوطنية. والعداء للأجانب بسبب ظاهرة الهجرة غير الشرعية من بلدان جنوب وجنوب شرق المتوسط (رغم أن هذه الأخيرة مرتبطة ارتباطا وثيقا بتدخلات الدول الأوروبية للإطاحة بالأنظمة هناك). إلى جانب انعكاسات الأزمة الوبائية لفيروس كورونا. فإن عودة اليسار في أمريكا اللاتينية يرتبط بفشل الحكومات اليمينية في مواجهة الوباء وتداعياته الاقتصادية. وما نجم عنها من عدم مساواة اتضحت في تفاوت الحصول على الرعاية الصحية على وجه الخصوص.
لكن القاسم المشترك الأهم بين شعوب أمريكا اللاتينية وحكوماتها اليسارية هو العداء المتبادل للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر القارة باحة خلفية، وفق مبدأ مونرو “أمريكيا للأمريكيين”. رغم أن المبدأ جاء في سياق منع القوى الغربية الأوروبية من السيطرة على مزيد من أراضي الأمريكيتين.
وتحتفط دول أمريكا اللاتينية بأرشيف ثقيل من التدخلات الأمريكية للإطاحة برؤساء يساريين منتخبين ديمقراطيا، لكنهم في نظرها “دكتاتوريين” تجب الإطاحة بهم عن طريق انقلابات داخلية، إما شعبية أو عسكرية.
انقلابات ضد اليسار
في 2003 أطاح انقلاب عسكري برئيس الهندوراس مانويل زيلايا، إثر محاولته تعديل الدستور قيل حينها إنها تستهدف تمديد فترته الرئاسية. وبعد 13 عاما من قرار المحكمة العليا بتأييد قرار منع عودة زيلايا إلى السلطة، فازت زوجته، وهي زعيمة حزب “ليبري” اليساري، في انتخابات الرئاسة العام 2021.
وفشلت محاولات عديدة للإطاحة برئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، الذي ينتهج سياسة معادية للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال تبني النهج الاشتراكي. وتعاني فنزويلا من حصار وعقوبات أمريكية منذ 2014.
وأرجع الرئيس مادورو سبب العقوبات إلى نزاع تاريخي بدأ منذ فترة طويلة بسبب الهيمنة الامبريالية الأمريكية. ومواقف فنزويلا من القضية الفلسطينية وقضايا التحرر ورفع راية المحرر الكبير سيمون بوليفار. وذلك في حوار خص به قناة الجزيرة نهاية سبتمبر الماضي.
لكن تغير المعطيات الجيوسياسية يطرح سؤالا: هل تغير أزمة الطاقة في العالم وحاجة الولايات المتحدة الأمريكية إليها موقفها من فنزويلا أملا في الحصول على ذهبها الأسود؟
سابقة في تاريخ المكسيك
انتخب المكسيكيون لوبيز أوبرادور رئيسا للبلاد في جويلية 2021. ويعد تولي رئيس من اليسار الرئاسة في البرازيل سابقة في تاريخ البلاد.
وفي تشيلي وصل غابرييل بوريك، الرئيس الحالي، إلى الحكم في انتخابات أعادت اليسار إلى السلطة، بعد خمسة عقود من سيطرة اليمين. وأطيح بسلفادور ألياندي، آخر رئيس يساري في سبعينات القرن الماضي.
وفي بوليفيا وصل اليسار إلى السلطة بفوز الرئيس الحالي لويس آرسي في أكتوبر 2020.
لولا داسيلفا من السجن إلى الرئاسة
أبرز ما في موجة المد اليساري الأخيرة هو عودة الرئيس السابق لولا دا سيلفا إلى المنافسة على كرسي رئاسة البرازيل. وتقدم على منافسه اليميني جايير بولسونارو الرئيس الحالي، في انتخابات أجريت، الأحد، لم يحز فيها أحدهما على نسبة 50 في المائة الحاسمة. وحصل كل منهما على 48.9 و44.7 بالمائة على التوالي. وعليه تقرر إجراء جولة ثانية من الانتخابات لحسم الأمر بين اكبر متنافسين.
وشهدت البرازيل في عهد دا سيلفا ( 2003/ 2011) قفزة اقتصادية. واحتلت المرتبة الثامنة كأكبر اقتصاد عالمي، وخرج أكثر من 20 مليون برازيلي من عتبة الفقر.
وحققت البلاد في فترة رئاسته فائضا ماليا بـ200 مليار دولار وعمل على تحديث الجيش ليصبح اكبر جيوش أمريكا اللاتينية.
لكنه تعرض لتهم بالفساد ودخل السجن 18 شهرا قبل أن تقر المحكمة العليا في البلاد براءته في 2018. ليواصل نضالا قد يقوده مجددا إلى رئاسة البلاد.