بعد أشهر من الهدوء، طفا إلى السطح مجددا ملف الغاز شرق المتوسط. وازداد الموضوع أهمية بعد أزمة الطاقة العالمية التي زادتها الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا حدة.
أثار الاتفاق الموقع بين ليبيا وتركيا حول استكشاف الغاز والنفط في المياه الليبية استنكار عدد من دول المتوسط. واعتُبرت حكومة الوحدة الوطنية الليبية المعترف بها دوليا غير مؤهلة لإبرام هكذا اتفاق. ووقعت الدولتان اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بينهما في 27 نوفمبر 2019 خلال فترة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج آنذاك.
وتسبب اتفاق ترسيم الحدود حينها في ردود فعل دول شرق المتوسط المشتركة في المياه الإقليمية، التي اكتشفت فيها احتياطات كبيرة من الغاز. من شأنها أن تغني هذه الدول الفقيرة في معظمها على مصادر الطاقة عن حاجة الاستيراد.
وقدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، العام 2010، أن حوض بلاد الشام يتوفر على حوالي 122 ترليون قدم مكعب من الغاز، و223 ترليون قدم مكعب في حوض الدلتا.
وتقع هذه الحقول داخل جغرافية منطقة شرق المتوسط، حيث يمكن تحديد موقعها قبالة سواحل قبرص وفلسطين المحتلة وغزة ولبنان ومصر.
مواقف
قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو إن “توقيع الاتفاق يعد بمثابة ضمان لاستقرار وأمن ليبيا”. وأوضحت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش أن توقيع الاتفاق “يصب في مصلحة البلدين وستساهم في حل أزمة النفط والغاز في العالم”.
وردت وزارة الخارجية التركية، في بيان على رفض عدد من دول شرق المتوسط الاتفاق بالقول إن “الاعتراض على الاتفاق المبرم بين ليبيا وتركيا ذواتا السيادة بشأن التعاون يتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الأساسية للأمم المتحدة”. واعتبرت أن “التصريحات التي أدلى بها كل من المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي واليونان، بشأن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية ليس لها أهمية أو قيمة”.
ويرفض برلمان طبرق كل اتفق تبرمه حكومة الوحدة الوطنية ومبرره في ذلك فقدانها الصلاحيات بسبب انتهاء ولايتها التي كانت مرتبطة بتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية في ديسمبر 2020. لكن حالت ظروف داخلية تتعلق بالاتفاق على القاعدة الدستورية وأخرى خارجية تتعلق بتوافقات قوى دولية دون حصول الاستحقاق.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية أن وزيري الخارجية المصري واليوناني أجريا اتصالا هاتفيا أمس. وعبرت مصر واليونان عن رفضهما الاتفاق. وقالا إن” حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم”.
واعتبر الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق يقوض الأمن والاستقرار الإقليميين. ودعا في بيان له إلى تقديم المزيد من الإيضاحات حول الاتفاقية التي قال إنها لم تنشر بعد. ولم يتغير موقف الاتحاد الأوروبي من ملف الاتفاقات بين الحكومة التركية وليبيا، حيث أعلن في وقت سابق أن “مذكرة التفاهم التركية الليبية لعام 2019 تنتهك الحقوق السيادية للدول الأخرى، ولا تمتثل لقانون البحار”.
على الطرف الآخر
وعلى عكس الجدل الدائر حول مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا، فإن دفعا يحدث في أقصى شرق المتوسط لتوقيع اتفاق بين لبنان والكيان الإسرائيلي المحتل حول ترسيم الحدود البحرية. ويدعي الكيان الإسرائيلي أن أجزاء من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية تابعة له. وهو ما يرفضه لبنان ويطالب بحقه كاملا.
وأعلن رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إحراز تقدم في ملف ترسيم الحدود البحرية، لكن لبنان قدم ملاحظات إلى المفاوض الأمريكي، آموس هوكستاين. وأوضحا ان الأمور تتوقف على رده للمضي قدما في توقيع الاتفاق.
ووقع كيان الاحتلال ثلاث عقود مع شركات دولية للتنقيب على الغاز وهي: “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية، في الرقعتين المتنازع عليهما في المياه الإقليمية اللبنانية.
وهدد حزب الله اللبناني في وقت سابق الكيان الإسرائيلي بالهجوم على بنيته التحتية للنفط والغاز في حال اعترض الاستكشاف اللبناني.
علام تنص مذكرة التفاهم؟
تهدف مذكرة التفاهم الخاصة الطاقة الهيدروكربونية إلى”تعزيز التعاون بين البلدين في الجوانب: العملي، الفني، التقني، القانوني، التجاري في مجال الهيدروكربونات. حسب ما صرح به الناطق باسم الحكومة الليبية محمد حمودة يوم أمس.
وتنص أيضا على تعاون الطرفين “بناء على قوانينهما المحلية”، لتحقيق أهداف المذكرة عن طريق تبادل المعلومات والخبرات وعقد المؤتمرات والندوات المشتركة والمعارض وزيادة التعاون بين القطاع العام والخاص.
وكذلك، تنص على تطوير المشاريع المتعلقة بالاستكشاف والانتاج والنقل والتنقيب والتجارة للنفط والغاز والهيدروكربون وفق الاجراءات والقوانين المتبعة في ليبيا. إلى جانب “تبادل الخبرات والتدريب وضرورة ضمان المصالح المشتركة والجدوى من عمليات الاستكشاف والتطوير وزيادة الانتاج للبلدين”. علاوة على تأسيس شركات مشتركة بين المؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة التركية ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص في البلدين.