بعد غياب منطقة الشرق الأوسط عن السياسة الخارجية الأمريكية فترة، ها هي أمريكا تعود لبناء تحالفات جديدة كي تنافس الصين وروسيا.
تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية من وراء هذه التحالفات ربط المسرح الأوروبي لحلف شمال الأطلسي بالمسرح الهندو-باسيفيكي. وتفويض مهمة مواجهة روسيا والصين في الشرق الأوسط إلى “تحالف شرق أوسطي”.
بروز قوى متوسطة
تريد قوى متوسطة أن تأخذ دورا يتناغم وطموحاتها في عالم يتغير من أحادي القطبية إلى ثلاثي أو متعدد الأقطاب. ويمكن التفريق بين صنفين من القوى المتوسطة، التقليدية على غرار استراليا نيوزيلاندا، كندا وهولاندا، وهي تتميز باتنمائها لمجتمعات “ديمقراطية ودول غنية، مستقرة ومتحضرة”. وقوى متوسطة تقليدية على غرار دول البريكس: روسيا الصين، الهند وجنوب أفريقيا والبرازيا، وهي دول “حديثة العهد” بالديمقراطية، تسعى إلى التأثير والنفوذ في أقاليمها.
وفي هذا السياق أشار مقال لآرتا مُعيني وكوليمان هوبكينز، بعنوان “تحتاج أمريكا تعاطفا إستراتيجيا في عالمٍ متعدّد الأقطاب”، نُشر في مجلة المصلحة الوطنية، شهر ماي 2022، الى نتيجة مفادها أنه من الصعب إكراه القوى المتوسّطة أو إخضاعها داخل مركّباتها الاقليمية. لأنّها تسعى بإصرار لمتابعة مصالحها الملموسة داخل مجالاتها الحيوية. كما أنّ لها من القوة ما يُمكّنها من المساعدة في دعم النظام الدولي القائم، إذا ما وجدت فيه امتيازاتٍ تخدمها. أو تحدي هذا النظام وأداء دور القوى التعديلية إذا لم تجد فيه امتيازات.
وأضاف المقال أن الحرب الأوكرانية كشفت حرص القوى المتوسّطة على تحقيق أهدافها الإستراتيجية الجوهرية في مركبّاتها الأمنية الإقليمية يتفوّق على علاقاتها بواشطن. ويقصد القوى المتوسطة الجديدة، على اعتبار ان معظمها لا تسير في فلك السياسة الخارجية الأمريكية. أما القوى التي من الممكن أن تسير في فلك الولايات المتحدة الأمريكية فهي إضافة إلى القوى المتوسطة التقليدية المذكورة أنفا، نجد كوريا الجنوبية واليابان.
استقلالية
تتميز القوى المتوسطة الحديثة بالسعي إلى بناء تحالفات مع غيرها من القوى المتوسطة. وتهدف إلى تغيير النظام الدولي من أحادي القطبية إلى متعدد الأقطاب.
ويلاحظ ذلك في التناغم بين مساعي دول “البريكس” من جهة ودول توصف بالقوى المتوسطة في محيطها الإقليمي من جهة أخرى، على غرار السعودية وتركيا وإيران. إذ تميل إلى التحالف مع الصين وروسيا أكثر من التحالف مع حليفها التقليدي أمريكا، خاصة فيما تعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.
وعلى العكس من ذلك، تسعى القوى المتوسطة التقليدية إلى الحفاظ على النظام القائم. وتدعم القوى الكبرى والعظمى من أجل الحفاظ على المكتسبات.
وبفعل تناغم السياستين الخارجيتين للصين وروسيا حول قضايا متعددة -أهمها إعادة النظر في النظام الدولي القائم على الهيمنة الأمريكية- راحت أمريكا ترسم خطا جديدا لتحالف مع دول في أقصى شرق آسيا، مع اليابان وكوريا الجنوبية. ويتضح ذلك من خلال اجتماع قمة حلف الناتو في إسبانيا شهر جوان 2022. حيث استدعي الطرفان لحضور محادثات الاجتماع.
تحالفات جديدة
خلال قمة الناتو الأخيرة، استُدعيت كوريا الجنوبية لأول مرة في تاريخ قمم الحلف. وعلى هامش القمة عقدت قمة مصغرة جمعتها بالولايات المتحدة الأمريكية واليابان. وبالنظر إلى إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو في التواجد شرقا في المحيطين الهادي والهندي، يمكن القول إن الأمور تسير نحو إنشاء أحلاف جديدة لمحاصرة الصعود الصيني والروسي.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في تصريح خلال القمة، رؤيته لربط السياسات الأمنية والخارجية لكوريا الجنوبية بموقف الناتو القوي ضد روسيا في المسرح الأوروبي. وهو يسعى إلى دور عالمي لكوريا الجنوبية من خلال تطوير مفاهيم استراتيجية جديدة.
ويتعلق الأمر بإنشاء شبكة أمنية شاملة مع حلف شمال الأطلسي. على أن تساهم كوريا الجنوبية، باعتبارها “ديمقراطية ليبرالية راسخة” وقوة اقتصادية صاعدة، في إدارة القضايا الأمنية الناشئة من خلال التواصل مع الدول ذات التفكير المماثل.
وتنشيط التفاعلات الاقتصادية بشأن الطاقة النووية، والمواصلات، والطاقة المتجددة، والصناعات الدفاعية”. حسب ما نقلته مجلة “the deplomat” مؤخرا. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، يتم الحديث مؤخرا عن “ناتو” شرق أوسطي. بدأت الفكرة العام 2017، عندما شارك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في قمة خليجية أمريكية. وطالب خلالها الدول العربية والإسلامية بضرورة العمل على مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة والتهديدات الإيرانية.
وجدد ملك الأردن عبد الله الثاني الدعوة منتصف جوان. واستند في ذلك إلى التهديدات التي تعيشها المنطقة بفعل انسحاب أمريكا وانشغال روسيا بالحرب مع أوكرانيا.
إيران تندد
ونددت إيران اليوم الثلاثاء، بتصريحا الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي نشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، قبل أيام، حول عزم أمريكا مواصلة الضغط على إيران “حتى تمتثل للاتفاق النووري لعام 2015.
وقالت الخارجية الإيرانية “إن الولايات المتحدة تكرر خطأها في أوكرانيا من خلال سعيها لتشكيل تحالف إقليمي ضدها في الشرق الأوسط، وتناقض رغبتها المعلنة في إحياء الاتفاق النووي.