بدأت الدبلوماسية الجزائرية تسترجع مكانتها تدريجيا على السّاحة الدولية. وتتحول من سياسة رد فعل إلى سياسة هجوم دفاعا عن مصالحها في عالم يشهد تغيّرا في موازين القوى وبداية أفول قوى وظهور أخرى، عزّزها وباء كورونا.
حافظت الدبلوماسية الجزائرية على مواقفها الثابتة من قضايا التحرر وانهاء الاحتلال. خاصة القضية الفلسطينية وثبات موقفها من الصحراء الغربية الرافض لسيادة المغرب عليها رغم الاعتراف الأمريكي المزعوم والمشروط بالتطبيع مع الكيان الصهيوني. ودخلت على خط الوساطة في قضايا مستجدة أهمها أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا وهذه الأخيرة والسودان.
استرجاع مكانة
عرفت الدّبلوماسية الجزائرية في السّنتين الأخيرتين نشاطا لافتا من خلال خرجات وزير الخارجية السابق والحالي إلى دول في العالم، وتعزيز علاقاتها مع المحور الجديد (الصين – روسيا) الذي برز بعد انتشار وباء كورونا.
واتسمت الدبلوماسية الجزائرية بتنويع التّعاون مع قوى دولية، خاصة مع القوّتين الصّاعدتين الصين وروسيا، بالتزامن مع الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الغربية.
رغم ظرف الصحة العالمي بظهور وباء كورونا، لكن نشاط الدبلوماسية الجزائرية ظل في تصاعد. بعد خلخلة دامت نحو عشرية، كادت تفقد فيها الجزائر ملفات تعتبر من صميم اختصاصها بحكم القرب الجغرافي. أو بحكم توافقها ومبادي سياستها الخارجية، المبنية على ترقية الحلول السلمية للنزاعات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها ووحدتها وحق الشعوب في تقرير مصيرها والتصرف في ثرواتها.
ومن اجل ذلك صادق البرلمان على مخطط الحكومة الرامي إلى ترقية السياسة الخارجية. وذلك من خلال الدفاع عن مصالح الأمة والمساهمة في استتباب الأمن والاستقرار الإقليميين, وتعزيز الروابط مع إفريقيا والوطن العربي, وتنمية الشراكة والسلم في العالم, وإعادة نشر الدبلوماسية الاقتصادية في خدمة التنمية.
على الصعيد الدولي، ستقوم الجزائر بـ”نشاط استباقي ومتعدد الأشكال, من أجل تمكين بلادنا من تعزيز مكانتها كفاعل نشيط, بحيث تساهم, كما كانت كذلك في الماضي, في تسوية الأزمات والتوترات على المستوى الدولي وتؤثر على مجرى الأحداث الهامة في تاريخ المجتمع الدولي وفي حياة البشرية”.
الأزمة الليبية
استرجعت الجزائر زمام الملف الليبي، الذي كادت أطراف خارجية تسيطر عليه. وشكلت الأزمة الليبية أولوية للقيادة الجزائرية، من خلال استضافة حوار ليبي- ليبي يضم كل الأطراف تحت رعاية الأمم المتحدة يفضي إلى بناء مؤسسات شرعية عبر انتخابات نزيهة وشفافة تقود ليبيا إلى بر الأمان.
وقد اجتهدت الجزائر في تفعيل مبادرتها التي اقترحتها العام 2014، وبقيت حبرا على ورق بسبب الظروف الداخلية التي ألمت بها. وكانت مؤتمرات برلين 1 و2 فرصة لبعثها من جديد، ولاقت المبادرة اجماعا من كل المشاركين هناك.
الوساطة في أزمة سد النهضة
دخلت الجزائر على خط الوساطة في أزمة سد النهضة، بطلب من إثيوبيا. وأسفرت زيارة وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى إثيوبيا شهر جويلية الماضي، عن فتح الطّرف الإثيوبي ملف سد النهضة، وطلبَ وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء ديميكي ميكونين الأثيوبي، من الجزائر أن تبلغ وجهة النظر الاثيوبية المتمثلة في احترام نصيب دولتي المصب السودان ومصر.
وطلب من الجزائر أيضا أن تساهم بدور بناء في “تصحيح التّصوّرات الخاطئة حول سد النهضة”. إلى جانب التّوسّط لها مع السودان لحل مشاكلهما الحدودية بالطرق السّلمية. وأثمرت الزّيارة الاتفاق على إقامة تعاون متعدّد، وتعزيز الشّراكة على المستوى الإقليمي.
وتتمتع الجزائر بالسّمعة الطيبة لدى إثيوبيا، منذ استطاعت دبلوماسيتها إنهاء حرب طويلة الأمد بينها وبين أريتيريا، وتعتبر أبرز النجاحات نظرا لظروف تلك لفترة.
مواقف وقضايا
فلسطين أم القضايا: رغم موجهة التطبيع و”هرولة” دول عربية لترسيم علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، لكن الجزائر بقيت وفية لقضيتها.
وفي هذا السياق أكد الرئيس عبد المجيد تبون وبوضوح، أن الجزائر ترفض التطبيع، وما دام الكيان الصّهيوني لا يلتزم بحل الدولتين وقيام دولة فلسطين على حدود 67 وعاصمتها القدس الشّريف، فلا فائدة من التّطبيع، ولا داعي للهرولة. وأبعد من ذلك بقيت الجزائر البلد العربي الوحيد الملتزم بدفع المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية.
ورفضت الجزائر صراحة منح الكيان الصهيوني صفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي. وعملت رفقة جنوب إفريقيا على منع حصول ذلك، من خلال مبادرة جزائرية جنوب إفريقية لحشد الصف الإفريقي للفظ هذا الدخيل الغاصب خارج مبنى الاتحاد الإفريقي.
القضية الصحراوية
لم تغب هذه الأخيرة عن نشاط الدبلوماسية الجزائرية. خاصة منذ خرق المغرب وقف إطلاق النار ذات نوفمبر 2020. ونجحت الدبلوماسية الجزائرية في حشد الدعم لها في أروقة الاتحاد الإفريقي لوضع حد للتطورات الخطيرة فيها.
وشكّل قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بتعميم مقترحات الاتحاد الإفريقي لمعالجة الوضع المتردي في الصحراء الغربية، الصادر شهر جانفي 2021، تطورا ايجابيا ولافتا في مسار القضية الصحراوية وانتصارا للدبلوماسية الجزائرية والدول الرافضة للاحتلال.
الأزمة المالية
لم يفتر عزم الجزائر على المضي قدما في تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع بالجزائر العام 2015، بين مختلف الفصائل في الزمة المالية، وأنهاء الأزمة. ففي العام 2020 زار وزير الخارجية السابق، صبري بوقادوم مالي مرتين. بينما التقى وزير الخارجية الحالي رمطان لعمامرة، نظيره المالي نهاية نوفمبر، على هامش أشغال منتدى التعاون الصيني الأفريقي. وناقشا ضرورة الدفع لمسار المصالحة من اجل الاستحقاقات الرئاسية القادمة في مالي.
إنزال دبلوماسي
شهدت الجزائر في السنتين الماضيتين انزالا دبلوماسيا دوليا. حيث زار العديد من قادة ورؤساء حكومات ووزراء خارجية عديد الدول الجزائر، من اجل مناقصة هذه القضية او تلك. وكانت هذه الزيارات بمثابة مؤشر على العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية في قضاياها الإقليمية والدولية.
وشهدت بداية 2020 نزول وفود دبلوماسية عربية وأفريقية، من أجل تباحث حلول للأزمة الليبية، التي ما فتئت تتفاقم. وزار الجزائر كل من السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية آنذاك، ووزير خارجية مصر سامح شكري، ووزير خارجية تركيا شاويش أوغلو، ووزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو.
..وتعاون عسكري
احتضنت الجزائر مناورات عسكرية مع روسيا في البحر الأبيض المتوسط بين 12 و20 نوفمبر الماضي. حيث رست مفرزة من سفن أسطول البحر الأسود مؤلفة من الفرقاطة “الأدميرال جريجوروفيتش” وسفينة الدورية “ديمتري روجاتشيف” وزورق الإنقاذ “SB-742” من التجمع الدائم للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، إلى ميناء الجزائر للمشاركة في التمرين الدولي “مناورات بحرية مشتركة – 2021” مع سفن البحرية الجزائرية.
وقبلها زار مسؤولان عسكريان امريكيان الجزائر هما: وزيرة القوات الجوية الأمريكية باربارا باريت، والفريق الأول جيفرى ل. هاريجيان قائد القوات الجوية الأمريكية بإفريقيا وأوروبا وقائد القيادة الجوية للحلفاء. حالة التعاون العسكري الثنائي، وسبل تنويعه إلى مجالات اهتمام تخدم المصالح المشتركة للبلدين. وتبادل الطرفان وجهات النظر حول مختلف القضايا الراهنة سبل التعاون العسكري.
وقريبا قمة عربية في الجزائر، تحضر لها الدبلوماسية من الآن.