تعرف بوركينافاسو منذ الخميس الماضي مظاهرات مطالبة بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في البلاد.
يرفض البوركينابيون “إعادة الاستعمار الفرنسي لإفريقيا”، ويحملون باريس مسؤولية تأزم الأوضاع الأمنية واستنزاف موارد البلد الطبيعية.
وتظاهر آلاف الأشخاص في بوركينا فاسو احتجاجا على مرور قافلة كبيرة تابعة للجيش الفرنسي إلى النيجر المجاورة.
وعبر المحتجون في بوركينا فاسو، عن رفض “إعادة الاستعمار الفرنسي لإفريقيا” وحملوا لافتات كتب عليها “الجيش الفرنسي ارحل” و“حرروا الساحل” و“لا مزيد من القوافل العسكرية للغزو وإعادة الاستعمار الفرنسي”.
وجاءت هذه المظاهرات تلبية لدعوة من تحالف الوطنيين الأفارقة في بوركينافاسو، بعد تمكن المتظاهرين في منع القافلة الآتية من ساحل العاج والمتجهة إلى النيجر من التقدم يومي الأربعاء والخميس الماضيين.
استياء شعبي كبير في مالي
وتظاهر أواخر اكتوبر المنصرم آلاف الاشخاص بالعاصمة المالية باماكو ضد الوجود العسكري الفرنسي، وطالبوا بانسحاب القوات الفرنسية الموجودة في منطقة الساحل منذ 2013.
وتواجه فرنسا استياء شعبيا كبيرا في مالي منذ أشهر، ويطالب الأهالي برحيل قواتها المنضوية تحت لواء عملية “برخان”.
وتزايد الاستهجان الشعبي على خلفية قصف القوات الفرنسية حفل زفاف في قرية “باونتي” بمدينة “دوينتزا”، في الثالث جانفي الماضي، راح ضحيته ما لا يقل عن 20 مدنيا، وفق تقارير غير رسمية، فندها الجيش الفرنسي.
وعبرت الحكومة الانتقالية في مالي مؤخرا عن رغبتها في تعزيز التعاون مع روسيا في الدفاع والأمن، حسب ما أعلنه وزير خارجية مالي عبد اللاي ديوب، في لقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في وقت سابق.
.. ولكن
وأعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في شهر جوان، عن “تغيير عميق” في الوجود العسكري الفرنسي بمنطقة الساحل، حيث سيتم إنهاء مهام عملية “برخان” العسكرية، ليصير الوجود الفرنسي جزء من القوة الدولية “تاكوبا”.
وذكر أن عملية “برخان” الحالية “عملية خارجية” ستنتهي، وسيتم التأسيس لتحالف دولي لـ”مكافحة الإرهاب” بمشاركة دول المنطقة. وأوضح أن الانسحاب سيعني إغلاق القواعد الفرنسية والاقتصار على قوات خاصة ستركز على “مكافحة الإرهاب” في إطار قوة “تاكوبا”.
لكن ورغم تشكيل قوة عسكرية إقليمية وانتشار آلاف الجنود من قوة “برخان”، تتكرر هجمات المسلحين في منطقة الساحل خصوصا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
ويرى محللون أن الوضع في منطقة الساحل هش جدا، في غياب إرساء الاستقرار في مالي وضرورة بحث كيفية دعم جهود دول الساحل الخمس لضمان أمنها.
وتبحث حكومة مالي عن شركاء جدد بدلا من فرنسا التي أعلنت عن سحب قواتها المشاركة ضمن قوة “برخان”.
وفي السياق يطرح سؤال مهم عن مدى اهتمام الغرب بدول الساحل، حيث إن منطقة الساحل تعد نموذجا لمدى قدرة الإرهابيين على استغلال كل أشكال الهشاشة، ويجدوا لأنفسهم مرتكزات وجود وتكاثر، كما لو أن الأمر أشبه ما يكون بطفيليات تتكاثر على كل جسم استسلم لعوامل المرض والضعف.
وتشير دراسة نشرها مركز “فاروس” للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، الى أن التنظيمات الإرهابية استطاعت أن تستغل الهشاشة الجغرافية للمنطقة، التي تتأرجح بين المناطق الصحراوية الشاسعة، وبين المناطق الاستوائية التي يغلب عليها الطابع الغابي، وهو ما سمح لها بأن تجد بسهولة مهربا ومخبأ استراتيجيا، وهو ما يصعب مهمة ضبط التنظيمات ومحاربتها.
فضلا عن أن المنطقة من أفقر بقاع العالم، وهي منطقة تهريب مفتوحة لا يحسب فيها شأن للحدود المحلية، ما يجعل جزءًا كبيرًا من التبادلات يتم في إطار غير رسمي.
وتوفر هذه الفوضى مناخا مناسبًا للفساد المالي، وهو وضع يزيد في تعقيد مهام محاربة الإرهاب.
تشير مصادر إعلامية الى وجود تعاون لوجيستيا بين الولايات المتحدة وفرنسا، في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل الإفريقي.
ويتمثل هذا الدعم في تقديم معلومات استخباراتية عن العناصر الإرهابية من تنظيمي القاعدة وداعش والمتمركزة في هذه المنطقة.
من مكافحة الإرهاب إلى الثروات
يذهب بعض المحللين الى الحديث عن اهتمام الغرب بمنطقة الساحل الإفريقي، نظرا لما تزخر به هذه المنطقة من ثروات معدنية مثل الذهب واليورانيوم والفوسفات.
من جهة أخرى، باتت الثروة النفطية عامل جذب كبير، حيث تصدر تشاد النفط ما يقارب 200 ألف برميل يوميا.
وتعتبر مالي ثالث منتج إفريقي للذهب، بعد جنوب إفريقيا وغانا.
وتتميز النيجر بأنها ثالث دولة مصدرة لليورانيوم في العالم بعد أستراليا وكندا.
أما نيجيريا، فهي أكبر دولة مصدرة للنفط بحجم إنتاج يومي يصل 27 مليون برميل واحتياطي يبلغ 36 مليار برميل.
وتحتل النيجر المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم بـ8.7 في المئة من الإنتاج العالمي، وتغطي 12 في المئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي.
وتشير الدراسات إلى أن تشاد وموريتانيا والنيجر، من جانب آخر، تشكل ثروة بترولية مهمة.
منطقة عبور استراتيجية
وعلى هذا الساحل منطقة عبور استراتيجية لمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء ويمتد على مسافة 4128 كم، بإمكانيات سنوية تصل 30 مليار متر مكعب، ينطلق من واري في نيجيريا ويصل حاسي الرمل بالجزائر مرورا بالنيجر.
ويتيح المشروع لأوروبا التزود بالغاز الطبيعي، رغم ما قد يعترض تحقيقه من مخاطر جيوسياسية ترتبط بالوضع الأمني في المنطقة.
مصادر الطاقة التي تتوفر عليها دول الساحل الإفريقي يجعل دول الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى، مثل الصين والولايات المتحدة تتسابق عليها من أجل تنفيذ برامجها.
في النهاية، استقرار منطقة الساحل والصحراء يعني استقرار المصالح الغربية والأوروبية والمتمثلة في مصادر الطاقة واليورانيوم، حيث تمثل موريتانيا مخزونا هاما من الحديد المهم لصناعة الصلب في أوروبا.