تشهد الساحة الفلسطينية حالة غليان، وسط دعوات لإسقاط النظام ورحيل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، المتهم بالمسؤولية عن مقتل الناشط نزار بنات.
تظاهر آلاف الفلسطينيين خلال الأيام الماضية في مدن الضفة الغربية، تنديدا بما اعتبروها جريمة قتل نزار بنات، الناشط الذي كان يعرف بمعارضته للسلطة الفلسطينية.
ينحدر الناشط الراحل من بلدة دورا بمحافظة الخليل بالضفة الغربية، وكان مرشحا للمجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التي كان مقررا إجراؤها في ماي الماضي.
روايتان
تؤكد الرواية الرسمية التي عرضها مؤخرا محافظ الخليل جبرين البكري، أن قوة أمنية فلسطينية اعتقلت الناشط الفلسطيني فجر 24 جوان 2021 في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، بناء على مذكرة توقيف من النيابة العامة.
ويقول البكري، في بيان مقتضب، إن حالة نزار بنات تدهورت بعد احتجازه، الأمر الذي استدعى نقله إلى مستشفى الخليل الحكومي، حيث أعلن وفاته.
أما رواية عائلة الناشط، فتقول”إن قوة أمنية من جهازي الأمن الوقائي والاستخبارات العامة، اقتحمت منزل بنات بعد تفجير مدخله، وانهارت عليه بالضرب بواسطة هراوات حديدية وخشبية..”
السلطة تشكل لجنة تحقيق
ووسط ردود الفعل الغاضبة المطالبة بكشف حقيقة ما حصل، ومحاسبة المتورطين، شكلت السلطة الوطنية الفلسطينية لجنة تحقيق.
وقال رئيس الوزراء، محمد أشتيه، إن اللجنة تقوم بعملها بـ”مهنية وشفافية”، من أجل “إظهار الحقيقة، ووضع الأمور في نصابها ضمن القانون الفلسطيني..”
وتعهد رئيس الوزراء في مستهل اجتماع حكومته الأسبوعي بمدينة رام الله، بأن” من تثبت علاقته بالحادثة سيتم إحالته إلى الجهات القضائية المختصة بما يعطي لكل ذي حق حقه..”
ويرأس اللجنة وزير العدل الفلسطيني، محمد الشلالدة، وكان يفترض أن يمثل عائلة بنات الدكتور حازم الأشهب، لكنه انسحب منها بطلب من العائلة لوجود” تحفظ وتخوف وعدم رضا عن سير التحقيق بدون مشاركة جهات حقوقية من خارج الحكومة..”
وفي سياق ردود الفعل على مقتل نزار بنات، اعتبر رئيس المكتب السياسي لـ “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، إسماعيل هنية، أن “جريمة قتل بنات هي قضية رأي عام وطني.”
وأعلن حزب الشعب الفلسطيني استقالته من الحكومة على خلفية ما اعتبره تراجع الحريات، في ضوء الاشتباكات التي وقعت بين محتجين وقوات الأمن في الضفة الغربية.
“هاشتاغ: أنا فلسطيني..”
غير أن أقوى الردود الفلسطينية تبلورت في شوارع رام الله وبيت لحم من خلال احتجاجات شعبية رفعت شعارات حملت السلطة الفلسطينية ورئيسها المسؤولية عن مقتل نزار بنات. وطالبت صراحة بـ “باسقاط النظام” ، و”برحيل” رئيس السلطة.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر، فيسبوك.. بمواقف وبتعليقات منددة بمقتل الناشط الفلسطيني، و محملة رئيس السلطة المسؤولية.
ونشر هاشتاغ على موقع تويتر :” أنا فلسطيني.. محمود عباس لا يمثلني..”
وكتب حمود الأهنومي، الذي وصف نفسه بالكاتب والباحث في صفحته على تويتر: ” أخبروني ما هي إنجازات هذه السلطة منذ نشوئها وإلى اليوم غير التنسيق الأمني سيء الصيت مع الكيان الصهيوني؟”
ومن جهته، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في رام الله كتب على صفحته على تويتر “العدالة والمساءلة الدولية عن مقتل الناشط نزار بنات ستكون إجراء حاسما لردع استمرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة..”
أما الصحفي الفلسطيني، عبد الباري عطوان، فكتب مقالة نشرها على صفحته في موقع فيسبوك، يتساءل فيها: هل سيرحل الرئيس عباس..؟
كتب عطوان أن وسائل التواصل الاجتماعي تزدحم هذه الأيام بأشرطة تهاجم السلطة الفلسطينية، وقال إن من أبرز الأشرطة المتداولة، شريط بالصوت والصورة، يتعهد فيه الرئيس عباس بالاستقالة إذا تظاهر ضده خمسة أشخاص..
تعني المطالبة باستقالة رئيس السلطة التنفيذية لنظام ديمقراطي تقديم موعد الانتخابات واحتمال التأثير في هويه من يعقبه، اما مطلب استقالة رأس نظام غير ديمقراطي من دون حراك يدعو لتغيير النظام وسياساته او على الاقل وجود تيار داخل النظام يطرح سياسة بديلة ويشكل بديلا فليس واضحا ماذا تعني
— عزمي بشارة (@AzmiBishara) June 25, 2021
وانضم كتاب ومثقفون بالمطالبين باستقالة رئيس السلطة، ونشر مثقفون وأكاديمون فلسطينيون على تويتر: “نداء لنزع الشرعية عن رئيس السلطة الفلسطينية : إما الاستقالة أوالإقالة..”
“أسباب الضجة”
يتطرق المحلل السياسي الفلسطيني، هاني المصري في مقالة له بعنوان: ” لماذا سببت جريمة قتل نزار بنات كل هذه الضجة؟” إلى أسباب الانتقادات الموجهة لرئيس السلطة عباس.
ويركز المصري في إجابته على السؤال المطروح في مقالته، على مسألة “تأجيل عباس للانتخابات إلى أجل غير مسمى، أي إلغاؤها، بشكل انفرادي، بحجة رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس..”
ويشير إلى مرحلة ما بعد إلغاء الانتخابات، ويقول إنه “في معركة القدس وسيف القدس، وما بعدهما، لم تكن السلطة والقيادة بمستوى التحديات..”
ويؤكد المصري في مقاله أن “ما جرى هو تعميق الانقسام، من خلال طرح ضرورة إشراف السلطة غير الموجودة في غزة على عملية إعادة الإعمار، بدلا من تقديم مبادرة لإنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية..”
ويربط الكاتب السياسي الفلسطيني استياء الفلسطينيين من السلطة ورئيسها بما اعتبرها فضيحة لقاح فايزر، وانتشار الفساد، لدرجة أن 84% من الفلسطينيين يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة، وفق استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية الذي صدر منتصف هذا الشهر.
وينتقد المصري عدم تحويل قتلة الناشط نزار بنات إلى التحقيق، ومسألة تشكيل لجنة تحقيق حكومية دون تحقيق جنائي.
“معالجة عادلة وغير مسيسة”
بخلاف ما سبق، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور وليد عبد الحي أن حادثة مقتل نزار بنات “تتفاعل بكيفية قد تصبح عصية على السيطرة عليها..”
ويقترح المحلل في تغريدة له عبر صفحته على فيسبوك أن تتم معالجة القضية “معالجة عادلة وغير مسيسية”، وذلك”منعا من أن تكون هذه القضية مدخلا تتسلل منه جهات مختلفة لإشعال نار فتنة..”
ويطرح مجموعة من الخطوات، أولها: أن يتم تشكيل لجنتان أحدهما للتحقيق في الواقعة، والأخرى تكون لجنة من رجال قانون للحكم في القضية، على أن تكون هاتان اللجنتان منفصلتين تماما عن أجهزة السلطة الفلسطينية.
ويقترح الدكتور الفلسطيني، أن تتألف اللجنتان من ممثلين في كل لجنة عن: حركات، حركة فتح (أو السلطة)، حماس، الجهاد الاسلامي، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إضافة إلى مراقب قانوني.
ويقترح أيضا أن لا تتجاوز مدة التحقيق في الواقعة 45 يوما، وأن يتم نشر وقائع التحقيق وقرار المحكمة وتكييفاته القانونية في وسائل الإعلام الفلسطينية بشكل خاص.
ويرى وليد عبد الحي أن أي تذرع من الجهات الرسمية بالرفض لهذا الاقتراح سيكون تعبيرا عن رغبة في عدم كشف الحقيقة.