عرفت الأزمة الليبية في السنوات الأخيرة بداية انفراج، حيث تدفع مختلف القوى الفاعلة إلى حل دائم ينهي النزاع متعدد الأبعاد والأطراف.
منذ 2020 تكاثف الجهود بين القوى الإقليمية وفوق الإقليمية، بعقد مؤتمري برلين الأول والثاني الذين أسفرا عن اتفاق بضرورة وضع خارطة طريقة تنهي أزمة دامت عقدا كاملا.
مبادرة الجزائر
كانت الجزائر سباقة لطرح مبادرة حل سياسي للأزمة الليبية، في وقت تنافست الفواعل المعنية من أجل فرض تدخلات عسكرية.
في العام 2014، عند انزلاق النزاع السياسي في ليبيا إلى الحرب الأهلية الأولى، طرحت الجزائر “مبادرة الجزائر” لفتح حوار بين جميع الفصائل السياسية والعسكرية بما فيها بقايا النظام السابق.
واستثنت من ذلك الجماعات المسلحة الإرهابية، وفق مبدئها القائم على عدم التفاوض مع الجماعات الإرهابية. وهدفت المبادرة إلى تقريب وجهات النظر بين المتنازعين، تمهيدا لإيجاد حل شامل للأزمة.
في وقت كانت مصر وفرنسا تدفعان إلى تدخل عسكري ثان، كان سيزيد من تعفين الوضع الأمني وتهديد الأمن الوطني الجزائري على الحدود الجنوبية ذات الطبيعة الصحراوية.
وعليه قامت مبادرة الجزائر الأولى على:
1- جمع أكبر عدد من الأطراف الليبية المتنازعة إلى طاولة الحوار، لوقف القتال وبدء حوار جاد يفضي إلى حل سياسي للأزمة بأقل التكاليف المادية والبشرية، إبطال حجج القوات الأجنبية للتدخل العسكري.
2- بناء مؤسسات الدولة منعا لانتشار الفكر المتطرف، خاصة بعد انتقال نشاط تنظيم “داعش” إلى ليبيا وسيطرته على مناطق نفط.
3- إقامة سلطة مركزية قوية تحتكر حيازة السلاح منعا لاستعماله على نطاق واسع، وبالتالي تقليص مساحة العنف الداخلي ومنه ضمان عدم انتشاره إلى دول الجوار.
4- فتح الحدود في المناطق الجنوبية بين الجزائر وليبيا لتخفيف الضغط على السكان هناك.
خطوات عملية
تفعيلا للمبادرة، استقبلت الجزائر عددا من الفاعلين في الأزمة الليبية منهم عقيلة صالح رئيس مجلس نواب برلمان طبرق وخليفة حفتر وعبد الحكيم بلحاج العام 2016.
ونظمت عددا من اللقاءات بين دول الجوار الليبي مصر وتونس، توجت بتشكيل حكومة وفاق وطني معترف بها دوليا تولت السلطة في منطقة الغرب الليبي إلى غاية 2020.
وفي هذه السنة، اقتنعت الأطراف الداخلية والقوى الأجنبية المعنية بالملف الليبي، بموقف الجزائر والحل السياس للأزمة.
وتضمن اتفاق جنيف في أكتوبر 2020، بنود المبادرة بنزع سلاح الميليشيات لإنشاء جيش موحد، وتعجيل العملية السياسية لانتخاب رئيس للبلاد.
مسارات موازية
لكن اعترضت المبادرة الجزائرية عدد من الصعوبات حالت دون تنفيذها على أرض الواقع، منها تعدد الوساطات خاصة من الطرف المغربي، البعيد عن تداعياتها.
ورغم ذلك جنى ثمار المساعي الحثيثة للجزائر لرأب الصدع الليبي، بتوقيع اتفاق الصخيرات العام 2015، الذي فشل بسبب عدم تمثيله لكل الأطراف.
واحتضن عددا من اللقاءات بين مسؤولين ليبيين على مدار السنوات السابقة دون التمكن من التوصل إلى حل يذكر.
واستقبل بداية جوان الماضي رئيس البرلمان الليبي في طبرق عقيلة صالح، ورئيس الحكومة المؤقتة، لإجراء مباحثات حول قضايا تعتبر من صميم الشأن الداخلي السيادي الليبي.
وتباحث الطرفان تولي المناصب السيادية على رأس المؤسسات الاستراتيجية السبعة، وهي: البنك المركزي الليبي، ورؤساء ديوان المحاسبة رئيس جهاز الرقابة الإدارية، والمفوضية العليا للانتخابات، وهيئة مكافحة الفساد والمحكمة العليا، وكذا النائب العام.
تنافس دولي
تدفع الولايات المتحدة الأمريكية حاليا إلى الحل السياسي، بالضغط على أطراف الأزمة الداخلية وإبعاد الأطراف الخارجية.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي الأمريكي بعد تنامي الدور الروسي في الأزمة الليبية، بحثا علن موطئ قدم ثان في المياه الدافئة.
أما تركيا التي تسبر في الخط المعاكس لروسيا في ليبيا، فقد اجتمع رئيسها طيب رجب أردوغان بنظيره الأمريكي جو بايدن، على هامش قمة حلف الناتو ببروكسل في 16 جوان 2021، وفُسّر انه دعم أمريكي لها فيما لمواجهة التمدد الروسي هناك.
صعاب
إضافة إلى التنافس الدولي في ليبيا، هناك صعاب داخلية تحول دون حل الأزمة وإعادة بناء الدولة، نذكر منها:
عوامل ظرفية مثل الميليشيات المؤدلجة والمناطقية والجهوية، تفكيك السلاح، وإعادة بناء الجيش والشرطة والمؤسسات الهشة والمتهالكة.
وعوامل دائمة هي: الإثني أي الأمازيغ والتوارق والتبو، الذين قاطعوا مسار إعادة الدستور وبعض الانتخابات.
والعامل الجهوي، ممثلا في أقاليم ليبيا الثلاثة برقة وفزان وطرابلس، المتنافسة بينها تاريخيا، خاصة إقليما برقة وطرابلس، فإقليم برقة ينتج ثلثي النفط الليبي، بينما تسيطر طرابلس على مقاليد الحكم في الدولة.
وترى برقة أن من حقها أن تشارك في الحكم وفي مناصب الدولة والموارد المالية والعدالة التوزيعية. بحكم الثقل السكاني والتاريخي والسياسي والاقتصادي.
رغم تعدد مسارات الأزمة الليبية، من مبادرة الجزائر إلى اتفاق الصخيرات مرورا بمسار نواكشط وصولا إلى مؤتمري برلين وباريس المقرر شهر نوفمبر، ورغم الصعوبات المذكورة، تُجمع كل الأطراف على أن الحل في ليبيا لا يمكن إلا أن يكون سياسيا.