تنعقد قمة المناخ هذا العام في ظرف مغاير، يتسم بشح الطاقة في الدول الأوربية التي طالما دعت وناضلت من أجل اقتصاد اخضر، وطاقة نظيفة. لكن من المفارقات دولا اشتهرت بالدفاع عن البيئة هي نفسها التي عادت إلى استخدام أكبر مصادر ملوث للبيئة.
اضطرت بعض الدول الأوروبية تحت وطأة أزمة الطاقة التي تضرب أوروبا إلى الإعلان عن العودة إلى استغلال مصادر الطاقة التقليدية. والتي تعتبر الأكثر تلويثا وخطرا على البيئة. وتسببت على مدار 200 سنة من التصنيع المكثف في كوارث على التغير المناخي والاحتباس الحراري بسبب انبعاث الغازات الدفيئة.
تراجع
في 29 أوت الماضي أعلنت شركة “يونيبر” الألمانية”، الشروع في إنتاج الكهرباء من محطة “هايدن 4″ التي تشتغل بالفحم الحجري. وتعد الشركة أكبر مستورد للغاز الروسي في ألمانيا بـ 7.7 بالمائة. وجاء القرار بعد ثلاثة أيام فقط من توقف امدادت الغاز الروسي إلى ألمانيا. على أن يستمر استغلال المحطة مجددا إلى غاية أفريل 2023. وكانت ألمانيا أقرت، سنة 2020، خطة لوقف تشغيل محطات توليد الطاقة من الفحم الحجري في البلاد بحلول 2038. كجزء من الجهود المبذولة للحد من التغيّر المناخي. وخصصت لذلك غلافا ماليا قدر بـ 4.35 مليار يورو، لتعويض الشركات التي تولد الطاقة الكهربائية من الفحم.
وتصنف ألمانيا كأكبر اقتصاد في أوروبا وثالث أكبر مصدر عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.وهو ما يعني حاجتها الكبيرة جدا إلى موارد الطاقة. وتعتمد ألمانيا على الغاز الروسي في توفير أكثر من 66% من احتياجاتها السنوية. فهل ستستطيع الالتزام بخطتها في وقت يعيش الغرب كله شحا في الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية.
الدنمارك تراجعت هي الأخرى عن قرار التخلي عن الطاقة التقليدية. وأعلنت العودة إلى استخدام الوقود الأحفوري، بإعادة تشغيل ثلاث محطات، كانت أغلقت اثنتين منها، على أن تغلق الثالثة بنهاية مارس 2023. ففي مطلع أكتوبر الماضي طلبت الحكومة الدنماركية من شركة ” أورستيد” للطاقة متابعة توليد الكهرباء من الوحدات الثلاث. بهدف ضمان “أمن إمدادات الكهرباء في البلاد. وعليه شرعت الشركة في صيانة وإعداد الوحدات التي خرجت من الخدمة، كما ستقوم بتعيين وتدريب عمال متخصصين لتشغيل الوحدات مرة أخرى.
ولا يختلف الأمر عن ألمانيا والدنمارك في كل من النمسا التي أعلنت أن واردات الفحم س تكون خيارا. فيما تتريث بولندا في تقليل اعتمادها على الفحم لتوليد الكهرباء، بل وقررت توسيع استخدام محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم على المديين المتوسط والبعيد.
مكيالان
وتطرح قرارات الدول الأوروبية العودة إلى استخدام أكثر مصادر الطاقة تلويثا للبيئة وتسببا في الاحتباس الحراري، مدى جدية هذه الدول التي طالما دعت ورافعت لأجل طاقات نظيفة، وحماية البيئة، ودفعت العديد من الدول إلى تقليص انبعاث غاز الكربون عبر توقيع اتفاقيات. رغم أن معظم دول العالم لم يكن لها يد في التلوث البيئي والاحتباس الحراري، ولا حتى نصيب من النمو الذي يضمن لها التنمية.
وحرّمت هذه الاتفاقيات المتعلقة بالبيئة الكثير من الدول الضعيفة من تحقيق النمو، الذي يتطلب حتما استخدام طاقات رخيصة ومتوفرة، حيث أن الطاقات البديلة تتطلب تكنولوجيا لا تتوفر عليها إلا الدول المصنعة، وهي تدر عليها أموالا طائلة تستخدمها في تطوير اقتصاداتها. لكن يبدو أن أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الأوكرانية وضعت حاجات الدول كلها على قدم المساواة، واتضح أن الضرورة الاقتصادية جعلت الدول الداعية لاقتصاد اخضر، وطاقات نظيفة تعدل عن مساعيها وتعود إلى مصادر الطاقة الملوثة.