تبذل الجزائر تحت قيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، جهودا حثيثة للم الشمل وتوحيد الصف العربي من خلال تفعيل آليتها الدبلوماسية.
تشكل القمة العربية القادمة، التي تستضيفها في الذكرى الـ 68 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، بأبعادها التاريخية ودلالتها القومية، استحقاقا هاما لاستعادة اللحمة العربية، بما يخدم مصالح الأمة العربية في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم.
وتعتمد الجزائر في مساعيها على مجموعة أسس ومبادئ، أهمها الحياد، علاقاتها المتوازنة مع الدول العربية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، حل النزعات بالطرق السلمية ودعم حق الشعوب المستضعفة في تقرير مصيرها.
مصداقية ونزاهة..
وتعتمد الجزائر في ذلك على مصداقية ونزاهة دبلوماسيتها، التي تخول لها لأن تلعب دور الوسيط في حل مختلف الأزمات وتسوية النزاعات الشائكة بفضل الوسطية والحياد، مثلما أكده رئيس الجمهورية أكثر من مرة.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس تبون في أحد لقاءاته الدورية مع ممثلي الصحافة الوطنية أن “كل الاشقاء العرب ينتظرون القمة نظرا لسياسة الجزائر القائمة على البقاء على مسافة واحدة بين الفرقاء وعدم تسببها في سكب الزيت على النار لإثارة الفتن بين الدول, بل تحاول لم الشمل بين الدول قدر المستطاع”.
ولعل الترحيب العربي الواسع بالدعوات التي وجهها رئيس الجمهورية الى القادة العرب عبر مبعوثيه الى مختلف العواصم العربية لحضور القمة, دليل على الثقة الكبيرة في قدرة القيادة الجزائرية على حلحلة الخلافات وتسوية النزاعات وارجاع المجموعة العربية الى مكانتها على الساحة الدولية.
مكانة وعلاقات متوازنة مع الدول العربية
وتنظر الدول العربية الى الجزائر كدولة مصدرة لقيم السلم والمصالحة والاستقرار، كما تؤمن بقدرتها على لم شمل الفرقاء، وهو ما أكده نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية والسياسية والأمن القومي في البرلمان العربي، عبد الكريم قريشي، الذي قال إن “مكانة الجزائر بين الدول العربية وعلاقاتها المتوازنة معها ستساعدها على تحقيق لم الشمل العربي خلال القمة العربية المقبلة”.
ونوه المسؤول في البرلمان العربي “بجهود الجزائر الحثيثة للم الشمل العربي المتشرذم (…) وجعل من قمة الفاتح نوفمبر قمة لم الشمل وانطلاقة عربية لحل قضايا كل العرب وعلى رأسها القضية الأم, القضية الفلسطينية”.
ورصدت عدة تقارير إعلامية دولية “النفس الجديد للدبلوماسية الجزائرية مع عهدة الرئيس تبون الذي أبدى حرصا شديدا خلال عامه الأول من الحكم على إعادة إحياء صورة الجزائر على الساحة الدولية, من خلال تفعيل دبلوماسيتها, ضمن منظور خارجي دينامي واستباقي”.
وكان الرئيس تبون قد أبرز في حوار مع قناة “روسيا اليوم” في 2020 أن عودة الدبلوماسية الجزائرية “مطلب شعبي نابع من إيمان متأصل من أجل لم شمل الفرقاء والأشقاء بالأخص”. مضيفا: “من الصعب علينا أن نرى شعبا عربيا يتألم ونحن موجودون ونفس الشأن بالنسبة للشعوب غير العربية”, لافتا الى أن الجزائر “تحوز في هذا المجال رصيدا تحسد عليه, لاسيما ما تعلق بالوساطة بين الفرقاء وذلك منذ الاستقلال”.
سجل حافل في لم الشمل والدفاع عن المصالح العربية
وسجلت الجزائر بثقلها الدبلوماسي وارثها التاريخي، اسمها بأحرف من ذهب في التاريخ العربي المعاصر، بعد أن كسبت رهان اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية سنة 1974، ثم احتضانها إعلان دولة فلسطين في 15 نوفمبر 1988، ناهيك عن دورها الرئيسي في حل النزاع الحدودي بين العراق وإيران سنة 1975. ثم وساطتها مرة ثانية بين البلدين الجارين، في حالة حرب آنذاك. ما أدى الى استشهاد وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى ومجموعة من الدبلوماسيين، في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلهم إلى طهران في 3 ماي 1982.
ومنذ اندلاع الأزمة في ليبيا عام 2011، ترافع الجزائر لتسوية النزاع بالطرق السلمية، كما تشدد على ضرورة الحفاظ على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، وترفض جملة وتفصيلا التدخل الأجنبي في هذا البلد.
وسجلت الجزائر حضورها في مساعي تسوية الازمة اليمنية، حيث دعت إلى الحوار بين الأطراف المتنازعة مع التذكير بمبادئ سياستها الخارجية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التدخل الاجنبي.
ووفاء لعقيدتها وثباتا لمواقفها في نصرة فلسطين، تواصل الجزائر دفاعها المستميت عن حقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وفي هذا الاطار, جاءت مبادرة رئيس الجمهورية بجمع على أرض الجزائر، كلا من رئيس دولة فلسطين محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية،
اسماعيل هنية في لقاء تاريخي بعد فتور دام لسنوات، وذلك في الخامس من جويلية الماضي، على هامش مشاركتهما في الاحتفالات المخلدة للذكرى الـ 60 لاستقلال الجزائر.
وهي الجهود التي كللت بعقد مؤتمر “لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية” احتضنته الجزائر من 11 الى 13 أكتوبر الجاري, وتوج بالتوقيع على “إعلان الجزائر” الذي سيكون بمثابة أرضية صلبة لتحقيق الوحدة بين مختلف الفصائل الفلسطينية.
وأبرز السفير الفلسطيني لدى الجزائر، فايز أبو عيطة، “الدور المميز للجزائر في اتجاه إعادة التوازن للمنطقة، من خلال الدور الدبلوماسي الكبير جدا الذي تلعبه على المستويين الإقليمي والدولي”.
في الوقت الذي أشاد فيه المؤتمر القومي العربي بالدور الطليعي الذي تضطلع به الجزائر على صعيد لم الشمل العربي، مؤيدا مساعيها في بناء موقف عربي جامع خلال القمة العربية المقبلة.