أزمة الطاقة في أوروبا ليست وليدة الحرب الروسية الأوكرانية، ولا العقوبات الغربية على روسيا. بل بدأت قبل أشهر من ذلك عندما ارتفعت أسعار النفط والغاز في خريف 2021، بسبب تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا أسرع من المتوقع.
أدت زيادة الطلب على موارد الطاقة لاستئناف النشاط الاقتصادي وعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها بعد غلق دام نحو سنة، إلى ارتفاع الطلب على موارد الطاقة. لكن الحرب الروسية-الأوكرانية والعقوبات الغربية زادتها حدة لتصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم.
تباين أوروبي
انصرفت دول الاتحاد الأوروبي إلى انتهاج سياسات خارجية منفردة بعيدا عن السياسة الأوروبية المشتركة. ففي المجر قررت الحكومة الانصياع لشروط روسيا بدفع مستحقات الغاز والنفط بالروبل. وأعلن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان شهر أفريل المنصرم أن بلاده ستدفع ثمن الغاز بالروبل.
وكان بوتين أعلن انه يتعين على الدول “غير الصديقة” (أي تلك التي شاركت في العقوبات ضد روسيا) أن تدفع المستحقات بالروبل. وأنه لن يقوم بأعمال خيرية. يعني ذلك انه على الدول المعنية فتح حساب بنكي لدى “غازبروم بنك” الروسي وتحويل اليورو أو الدولار إليه.
وكان الهدف من هذه الخطوة هو إعادة رفع الروبل الروسي، الذي تضرر بشكل كبير من العقوبات الاقتصادية. وقد تحقق ذلك بالفعل حيث تراجع سعر اليورو إلى 52 روبل بحر الأسبوع الماضي.
وخصصت ألمانيا ما قيمته 200 مليار يورو لدعم المستهلكين والشركات لمواجهة ارتفاع الأسعار ومستوى التضخم. وقد أبدت دول في الاتحاد امتعاضها من هذا السلوك المنفرد. في إشارة إلى انه يتعين على ألمانيا ان تساعد الشركات في دول الاتحاد تحت غطاء الشراكة الأوروبية ومبادئ الاتحاد الأوروبي.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن ” الشتاء المقبل، سيكون الأصعب في إمدادات الغاز. ودعا إلى وضع آلية تمويل بشأن أسعار الطاقة، وتخفيف الضغط على الدول محدودة القدرات بالاتحاد الأوروبي. وطالب بتضامن أوروبي فعلي بشأن الطاقة، وتوفير قروض للدول الصغيرة بالاتحاد لتفادي زيادة الأسعار الحالية”.
احتجاجات
يبدو أن وحدة المواقف التي أبدتها الدول الأوروبية حول روسيا وفرض عقوبات ضدها، بدأت تتصدع بفعل التداعيات الداخلية لأزمة الطاقة. ويتوقع أن تزداد حدة الاضطرابات الاجتماعية في أوروبا، بسبب ندرة الوقود، وارتفاع جنوني في أسعار الطاقة، بدأت بوادره من فرنسا التي تشهد إضرابات في الوقود منذ عشرة أيام، وأدى ذلك إلى غلق 4 محطات من أصل 8. ما دفعها إلى الاستعانة بالمخزون الاستراتيجي.
وشهدت ألمانيا في الفترة الأخيرة احتجاجات على ارتفاع الفواتير، وحمل المحتجون المسؤولية للمستشار الألماني أولاف شولتز. ويعيش في ألمانيا نحو 13 مليون فقير أو على أعتاب الفقر.
ولعل ما يعزز فرضية التباعد الأوروبي هو صعود اليمين في المتطرف في عدد من الدول آخرها إيطاليا وذلك للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بفعل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية، واستغلال هذا التيار الظرف لتقديم برامجه القومية
أمريكا و”أوبك بلس”.. من المستفيد؟
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية التي دفعت بشدة نحو تبني سياسات معينة، لن تتضرر بأزمة الطاقة بالقدر الذي تضررت به أوروبا. لديها احتياطي من النفط والغاز يغنيها عن الاستيراد. وأبعد من ذلك قررت بيع الغاز لأوروبا بأربعة أضعاف الغاز الروسي، وهو ما علق عليه الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون بالقول”أقول لأصدقائنا الأمريكيين بروح الصداقة أنتم رائعون تزودوننا بالغاز لكن لا يمكن أن ندفع 4 أضعاف سعره لكم. أرجوكم بحق الصداقة لا تفعلوا”.
قد تُدر هذه المبيعات على الولايات المتحدة الأمريكية أرباحا، باعتبارها بديلا عن روسيا، لكن خبراء أمريكان يحذرون من أن تقع بلادهم في مأزق إهمال الطلب الداخلي، خاصة مع اقتراب الشتاء، حيث أشار تقرير إلى أن مرافق التخزين امتلأت خلال شهر أوت نسبة أقل من نظيرتها للسنة الماضي بـ10 بالمائة.
وقررت دول “أوبك بلس” الأربعاء الماضي خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميا في نوفمبر المقبل، مع استثناء ليبيا وإيران من القرار. قد يكون للقرار في نظر البعض آثار إيجابية على الدول المصدرة والمنتجة الأعضاء، وباقي دول العالم، لكن، حسب خبراء، تداعياته مستقبلا قد تؤدي إلى ركود الاقتصاد العالمي بسبب تباطؤ الإنتاج.