سبعة أشهر من الحرب الروسية الغربية على الأراضي الأوكرانية كانت كفيلة ببدء تغيير خارطة أوروبا. الجمعة وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوم انضمام أربع مقاطعات أوكرانية إلى الاتحاد الروسي بعد استفتاء الأسبوع الماضي.
التفجير الذي طال خط أنابيب الشمال “نوردستريم” كان أحدث فصول نتائج الحرب الروسية-الغربية على الأراضي الاوكرانية.
ارتفاع الروبل
على الصعيد الداخلي الروسي، سجل الروبل الروسي انتعاشا ملحوظا، حيث ارتفع نهاية الأسبوع مقابل الأورو لأول مرة منذ 2014. وأشارت التقارير إلى تراجع الأورو إلى مستوى 52 روبل والدولار إلى مستوى 56 روبل لأول مرة منذ جويلية 2022.
وعقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سجل الروبل الروسي تراجعا كبيرا بلغ 29 بالمائة من قيمته أمام الدولار. وأشارت توقعات أن ينهار الاقتصاد الروسي بسبب هذه العقوبات. لكن الرد الروسي كان غير متوقع حيث رد بعقوبات اقتصادية مضادة تمثلت في فرض على الدول الغربية دفع مستحقات صادرات الغاز بالروبل. وهو ما مكن العملة الروسية من الصمود. الخطوة التالية كانت الخروج من نظام سويفت الغربي واستخدام العملات المحلية في التعاملات البينية بين روسيا وعدد من الدول والبداية كانت مع الصين. وعبرت دول أخرى عن نيتها في استعمال عملاتها المحلية للتبادل الخارجي على رأسها السعودية.
ارتفاع شعبية الرئيس فلاديمير بوتين
جاءت نتائج الحملة الدعائية الغربية ضد الرئيس الروسي بوتين مخيبة للآمال. راهنت الدول الغربية على انتفاضة الشعب الروسي ضد رئيسه وضد خيار الحرب الذي تسبب في بداياتها بخسائر مالية كبيرة للأفراد قبل الحكومة بلغت تريليون دولار، حسب تقارير إعلامية.
ونشرت صحيفة “لوفيقارو” الفرنسية نتائج استطلاع أجراه معهد “ليفادا”الروسي، شهر أفريل، أسفرت عن تأييد مالا يقل عن 83 بالمائة من الروسي لخيار الرئيس الروسي. رغم الصعوبات الاقتصادية التي سببها الحصار الغربي لروسيا.
وكان لهذا التأييد الشعبي تأثير على مضي الرئيس الروسي في تنفيذ استراتيجية استرجاع أراض روسية لصنع حاجز بين الحدود الروسية والمد الأطلسي نحو مناطق شرق أوروبا.
أوكرانيا تدفع ثمن المواجهة
بالنسبة لأوكرانيا، كانت الخاسر الأكبر من هذه الحرب بالوكالة. حيث تغيرت الخارطة السياسية التي بقيت على حالها منذ 1922، ولم تتغير حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي. وخسرت أوكرانيا نحو ربع مساحتها في الاستفتاء، الذي أجرى بين 23 و27 سبتمبر 2022. وقررت فيه أربع مقاطعات شرق أوكرانية الانضمام إلى الاتحاد الروسي. ووقع الرئيس الروسي قرار الضم الجمعة 30 سبتمبر 2022.
ناهيك عن فرارا ما لا يقل عن 11 مليون أوكراني في ستة أشهر إلى خارج البلاد بسبب الحرب، عاد منهم نحو 5 ملايين. ونزوح 6 ملايين داخل البلاد. وقضاء 13 ألفا و500 مدني في الحرب، حسب الأمم المتحدة. فضلا عن خسائر مادية كبيرة نجم عنها بطالة نحو 5 ملايين أوكراني حسب منظمة العمل الدولية.
انكماش اقتصادي وصعود اليمين
على الصعيد الأوروبي، يعيش الاقتصاد الأوروبي انكماشا غير مسبوق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، نتيجة وقف استيراد الغاز النفط الروسيين. وتعتمد أوروبا بنسبة تصل 48 في المائة في بعض بلدان الاتحاد على الغاز الروسي. في حين بلغ التضخم في 19 دولة أوروبية حدود 10 بالمائة حسب نتائج “يوروستات”، يوم الجمعة.
وكان للانعكاسات الاقتصادية تداعيات سياسية، حيث شهدت الكثير من الدول الأوروبية صعودا غير مسبوق لليمين المتطرف. كان آخرها فوز اليمين المتطرف في تشريعيات إيطاليا التي أجرت في آخر أسبوع من شهر سبتمبر 2022، في سابقة أولى مند نهاية الحرب العالمية الثانية وانهزام الفاشية.
وقبل هذا حصد اليمين المتطرف الفرنسي بقيادة مارين لوبان نتائج قوية في انتخابات الرئاسة، قبل أن ترجح الكفة للرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.
وتتخوف أوروبا من صعود اليمين المتطرف بسبب الأيديولوجيا القومية المعادية للأجانب والسياسات الحمائية. وهو ما قد يتسبب في انهيار الاتحاد الأوروبي الذي يعيش أزمة متعددة الوجه. حالت القوة الاقتصادية التي مازال يتمتع بها دون انهياره.
وفي فرنسا دعت نقابات عمالية، الخميس، للإضراب يوما واحدا، مطالبة برفع الأجور، لمواجهة غلاء المعيشة. وبلغت نسبة التضخم فيها أكثر من 6 في المائة وهو أعلى مستوى لها منذ نحو أربعة عقود.
وفي ألمانيا بلغت نسبة التضخم 10 في المائة، حسب معهد الإحصاء الاتحادي في ألمانيا. وفي بريطانيا حذر صندوق النقد الدولي في بيان له من الوضع الاقتصادي في بريطانيا بسبب إجراءات اتخذتها لمواجهة التذبذب الناجم عن الأزمة السياسية مع روسيا. وأبدى الصندوق رفضه معتبرا إياها أكثر ملاءمة للدول النامية منها لدولة في مجموعة السبع.
وخسر الجنية الإسترليني 20 بالمائة أمام الدولار الأمريكي. وقال اقتصاديون بريطانيون إن استمرار الوضع على حاله سيؤدي إلى فقدان المستثمرين الثقة في البلاد، بسبب تراجع قيمة العملة وارتفاع فوائد السندات، وشبه الوضع بحالة أزمات الديون السيادية.
هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الفوق-قومي فلم تكن مواقف قادة الاتحاد الأوروبي متوافقة تماما حول العقوبات الاقتصادية على روسيا حيث استمرت بعضها في التعامل مع روسيا، وأخرى خضعت لضغوط روسيا حول التعامل بالروبل. وآخرها رفض النمسا المشاركة في الخطة الأوروبية لتسقيف أسعار الغاز لاعتمادها على الغاز الروسي.
تحالفات جديدة
على الصعيد العالمي، مثلت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بداية حرب دامت أشهرا بدل أيام، فشلا لكل الخطط الغربية والضغوطات في ضرب روسيا من الداخل. أو تأليب الرأي العام العالمي ضدها. عكس ذلك، مال الكثير من حلفاء أمريكا إلى الشرق.
وإن لم يرق الأمر إلى تحالف فإن عددا من الدول الفاعلة في الطاقة لم تشجب الفعل الروسي في أوكرانيا، ولم تشارك في فرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ورفضت تعويض حصة روسيا من الطاقة الموجهة إلى الغرب، بالرغم من أن ذلك كان سيصب في مصلحتها. وبالتالي يبدو أن هناك اختلالا في ميزان القوة لصالح روسيا، والقطب المتكون في الشرق في مواجهة ليبيرالية غربية انفردت بحكم العالم عقدين من الزمن.
من المستفيد الأكبر؟
وسط الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي، يشهد قطاع صناعة الأسلحة في أمريكا انتعاشا. حيث أشارت تقارير أمريكية إلى تكثيف مصانع الأسلحة هناك عمليات انتاج الأسلحة لتزويد أوكرانيا بها لمواجهة روسيا. ما ينبئ برغبة أمريكية بإطالة عمر النزاع.
وأشارت صحف أمريكية إلى رغبة أمريكية في وضع آليات لتدريب وتجهيز الجيش الأوكراني. وترمي أمريكا بذلك إلى استنزاف قدرات روسيا. على غرار ما حدث في حرب النجوم، التي تسببت في انهيار اقتصادي للاتحاد السوفييتي، قبل أن يؤدي ذلك إلى سقوطه ثم تفككه بداية من 1991.