قررت أربع مقاطعات أوكرانية تنظيم استفتاء حول العودة إلى روسيا الفدرالية، بسبب الحرب التي تجري أطوارها بينها وبين أوكرانيا. حيث تتهم هذه المقاطعات ذات الغالبية الروسية أوكرانيا بانتهاكات في حق القومية الروسية هناك.
من المنتظر أن تنظّم جمهوريتا لوغانسك ودونيتسك، التي اعترفت روسيا باستقلالهما عن أوكرانيا، إلى جانب مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا، استفتاء يومي 27 و28 سبتمبر الجاري. وعلق وزير الخارجية الروسي ديميرتي ميدفيديف على الحدث بالقول ” إن روسيا تستعيد العدالة التاريخية”.
وكان استفتاء أجري في جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية يوم 16 مارس 2014، حول انضمام الجمهورية الأوكرانية ذات الحكم الذاتي على الفدرالية الروسية. وأسفر الاستفتاء عن تأييد أكثر من 95 بالمائة من السكان لخيار الانضمام.
أهمية أوكرانيا
تولي روسيا أهمية بالغة لأوكرانيا نظرا لتشابك تاريخ الدولتين، ولما تمثله من عمق استراتيجي لروسيا. وأبعد من ذلك اعتبر الرئيس الروسي فكرة جمهورية أوكرانيا برمتها مجرد وهم. في وقت لا يتردد حلف الناتو في التوسع شرقا عكس تعهداته عقب انهيار الاتحاد السوفييتي.
فعندما قامت الثورة البلشفية وأنهت الحكم القيصري العام 1971. ظهرت جمهورية سميت ” جمهورية أوكرانيا الشعبية المستقلة، وجمهورية غرب أوكرانيا الشعبية. اندمجت الجمهوريتان في كيان واحد يوم 2 جانفي 1919. لكن ما لبثت ان قامت حرب أهلية بينهما بسبب عدم توافق القيادات السياسية على السلطة.
وانقسمت مجددا إلى قسمين، سيطرت بولندا على الجزء الكبر في الغرب، بينما استرجع الجيش الحمر الجزء الشرقي ممثلا بكييف ودونيتسك وخاركيف وأوديسا. وفي 30 ديسمبر 1922 منح فلاديمير لينين أوكرانيا حكما ذاتيا. وقامت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفييتية، تحت حكم الاتحاد السوفييتي. وظل الحال كذلك إلى غاية انهيار الاتحاد السوفييتي يوم 12 ديسمبر 1991. وأعلان ميلاد روسيا الفدرالية وريثة له.
كان التفكك اكبر حدث جيوبوليتيكي على الإطلاق. وحدثا ” كارثيا” حسب تعبير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لم تتقبل روسيا الواقع الذي فرض عليها، والأراضي التي اقتطعت منها خاصة في أوكرانيا.
تعتبر روسيا أوكرانيا عمقها الاستراتيجي، بالنظر إلى التجارب التاريخية التي مرت بها. فكانت أوكرانيا الطريق الأسهل للغزاة الذي دخلوا روسيا. على عكس الجهة الجنوبية المحمية بجبال القوقاز الوعرة.
ويتنهج الناتو نهج نابليون وهتلر في محاصرة روسيا من الجهة الغربية، ومنعها من بلوغ المياه الدافئة. واتضح ذلك من خلال الدفع بأوكرانيا إلى الانضمام إليه. وهو فعل رفضته روسيا ودخلت بسببه حربا مع أوكرانيا منذ فيفري 2022.
عين روسيا على ألاسكا
أعن حلف الناتو يوم 17 سبتمبر 2022 تخطيطه منذ سنوات للتوسع شرقا نحو الحدود الروسية. وقال في تصريح عقب جتماع رؤساء أركان الناتو حلو انضمام السويد وفنلندا إن الحلف يقوم بتنفيذ ما كان يخطط له.
وقبيل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، رددت روسيا كثيرا أن الناتو يريد التوسع شرقا ضاربا التزاماته بعدم التوسع عرض الحائط. لكن حلف الناتو كان ينفي ذلك، ويعتبر أن روسيا تبرر حربها في أوكرانيا.
لكن روسيا لم تنس ألاسكا التي تنازلت عنها لأمريكا في القون 19، تجنبا لسيطرة بريطااينا عليها وان تقوم بينهما حرب. ودفعت الولايات المتحدة الأمريكية 7.9 مليون دولار ما يعادل 138 مليون دولار بسعر اليوم.
وقال رئيس مجلس “الدوما” الروسي، فياتشيسلاف فولودين، مطلع جويلية 2022، “على الولايات المتحدة أن تتذكر أنه يمكننا استعادة ولاية ألاسكا التي كانت تتبع لروسيا القيصرية حتى القرن الـ19.”
العقل المدبر
يعتبر المفكر الروسي الكسندر دوغين العقل المدبر للإستراتيجية الروسية الحديثة. من خلال كتاب ” أسس الجيوبوليتيكا: مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي”، الصادر عام 1999. ويتزامن مع تولي الرئيس بوتين الرئاسة بالنيابة، قبل ان ينتخب ويصبح رئيسا لروسيا العام 2000.
أيد بل اقترح دوغين في كتابه ان تضم روسيا أراض جديدة لضمان أمنها القومي. وحث في لقاء تلفزيوني قبيل العملية العسكرية في أوكرانيا على ضرورة ضمها أو على الأقل جزء منها. وأشار إلى أنه “يجب تقسيمها إلى قسمين، أوكرانيا الشرقية ونسميها “نوفوروسيا” أي روسيا الجديدة، وأوكرانيا الغربية ليست في الدول التي تتمناها روسيا وتتمنى أن تكون فيها”.
وأضاف “لذلك يجب أن تكون روسيا الجديدة على الأقل خالية من النفوذ الغربي وهذا ما سيحدث”.
ويتوقع أن تعمل روسيا على تنفيذ ما نظّر له الكسندر دوغين، ويتضح ذلك جليا من خلال محاولة استرجاع المناطق الشرقية في أوكرانيا والاعتراف باستقلال جمهوريتي دونتيسك ولوغانسك في إقليم دونباس. والوصول إلى العاصمة كييف وكذلك منطقة ماريوبول المطلة على البحر التي شهدت مواجهات عنيفة. ومؤخرا السيطرة على زابوريجيا وخيرسون.