يستمر القتال بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ منذ أكثر من قرن. حيث كانت أولى المواجهات العام 1918. لكن تجدد المواجهات اليوم يهدد أنابيب الطاقة، مما يزيد من تفاقم الأزمة مع اقتراب الشتاء، نظرا لنوعية الأطراف المنخرطة فيه.
كان إقليم ناغورنو كاراباخ خاضعا تاريخيا لسلطة أذربيجان في الفترة السوفييتية. وكانت كل من أرمينيا وأذربيجان تحت الحكم السوفييتي.
استقلال مؤقت
نالت أرمينيا استقلالها مرتين، الأول في العام 1918، عن الإمبراطورية الروسية، بعد أن أطاحت بها الثورة البلشفية العام 1917. والثاني سنة 1991 عن الاتحاد السوفييتي سابقا.
وفي العام نفسه استقلت أذربيجان عن الإمبراطورية الروسية المنهارة. وهذا أدى إلى نزاع بين الدولتين الجديدتين حول المناطق الحدودية.
لكن لم تهنأ أذربيجان باستقلالها طويلا، بسبب اضطرابات داخلية وحدودية. ورضخت لأمر السوفييت بالاستسلام 1920 الذين كانوا يتقدمون نحو الأراضي التابعة للإمبراطورية الروسية سابقا.
وأعلن السوفييت تأسيس الجمهورية الذرية السوفييتية الاشتراكية في 28 أفريل 1921. وتأخر الإعلان بسبب مقاومة بعض القادة الأذريين للجيش الأحمر قرابة السنة بعد إعلان الاستسلام.
واستغلت أرمينيا ظروف أذربيجان الصعبة للسيطرة على الأراضي الأذرية غربا. إلا أنها لم تهنأ هي الأخرى بهذا التوسع حتى اجتاحها الجيش الأحمر. واستسلمت في 4 ديسمبر 1920. وأعلن عن تأسيس الجمهورية الأرمينية الاشتراكية يوم 18 فيفري 1921.
ويخوض البلدان صراعاً منذ عقود حول منطقة ناغورني كاراباخ التي كانت تضم تاريخيا أغلبية من السكان الأرمن لكنها كانت جزءا قانونيا من أذربيجان في ظل حكم السوفييت.
وفي عام 1923 وضع الاتحاد السوفييتي إقليم ناغورنو كاراباخ، تحت السيطرة الأذرية. لضمان انشغال الطرفين بالصراع البيني بدل الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي.
الاستقلال الثاني وتجدد النزاع
عندما لاحت بوادر انهيار الاتحاد السوفييتي في الأفق العام قررت الدولتان استرجاع استقلالهما. ونالت الدولتان استقلالهما في السنة نفسها التي انهار فيها الاتحاد السوفييتي أي سنة 1991.
لكن النزاع على الإقليم لم يخمد. واندلعت شرارته مجددا في العام نفسه. وأعلنت المجموعة العرقية الأرمينية، على اعتبار انها تمثل غالبية سكان الإقليم الانفصال عن أذربيجان. لكن الجيش الذري أرسل قواته لمنع ذلك.
وردت أرمينيا بالمثل، بإرسال قواتها إلى الإقليم. واستمر القتال ثلاث سنوات، تمكنت فيه القوات الأرمينية من السيطرة على الإقليم وضم 20 بالمائة من الأراضي الأذرية الأخرى.
ورغم قرار مجلس الأمن بانسحاب القوات الأرمينية من أذربيجان، إلا أنها لم تمتثل للقرار. وانتهى القتال بوقف إطلاق النار وقع سنة 1994، دون الاتفاق على السلام. من جهته أعلن إقليم ناغورنو استقلاله عن الدولتين لكنه لم يحظ بأي اعتراف دولي حتى من أرمينيا نفسها.
بقيت ناغورنو تحت الحكم الأرميني أكثر من ربع قرن رغم عدم شرعيته، وغياب اعتراف دولي بسيادتها عليه. لكن ودون سابق إنذار شنت أذربيجان حملة عسكرية في 2020، استرجعت إثرها الإقليم المتنازع عليه.
أطراف النزاع
طرفا النزاع المباشرين هما أذربيجان وأرمينيا، تتنازعان إقليما تدعي كل منهما أحقيتها به. أما الأطراف الأخرى الأقرب فهي روسيا وأيران اللتين تدعمان أرمينيا من جهة، وتركيا التي تدعم أذربيجان. لكن ما المصلحة من دعم هذا الطرف أو ذاك؟
تعتبر تركيا ان أذربيجان امتداد ديمغرافي للأتراك، حيث تعيش هناك غالبية مسلمة من أصل تركي في أذربيجان. ناهيك عن العداء التاريخي بين أرمينيا وتركيا فيما يعرف بمذبحة الأرمن.
وتدعي أرمينيا أن تركيا خلال العهد العثماني، ارتكبت إبادة جماعية في حق الأرمن. وتنفي تركيا أن تكون الدولة العثمانية فعلت ذلك. وان ما حدث هو دفاع الأتراك عن أنفسهم لمواجهة عدوان الأرمن الذين ارتكبوا مجازر في حق الأتراك في المنطقة، حسب وثائق تاريخية. يضاف إلى ذلك تخوف تركيا من استقلال الأرمن الأتراك والتحاقهم بأرمينيا.
وفي الجانب الاقتصادي، تعتبر تركيا أذربيجان بوابتها للشرق للتماس مع روسيا، كما تعتمد على الغاز والنفط الأذريين.
وتساند إيران وروسيا أرمينيا في حربها ضد أذربيجان. فإيران تخشى من أي تحرك للقومية الأذرية المتمركزة في الشمال على حدود البلدين. وهو ما يدفعها لمساندة أرمينيا ضد أذربيجان الشيعية.
بينما تجد روسيا في استمرار النزاع ورقة رابحة تضغط بها على هذا الطرف أو ذاك لتحقيق توازن في المنطقة. خاصة فيما تعلق بالضغط على تركيا التي تتواجه معها على الحلبة السورية. وتربتط روسيا وأرمينيا باتفاقات عسكرية ودفاع مشترك. واقتصاديا فضلت أرمينيا الانضمام إلى الى الاتحاد الأوروبي الآسيوي الذي تسيطر عليه روسيا الى جانب بيلاروسيا وكازاخستان، بدل الاتحاد الأوروبي.
أنابيب الطاقة
تقع كل من أرمينيا وأذربيجان في منطقة القوقاز. وتعتبر المنطقة خزانا وممرا مهما لمصادر الطاقة نحو أوروبا، حيث تمر عبرها انابيب الطاقة. وتجدُّد الصراع على إقليم ناغورنو كارابخ قد يهدد هذه المسارات. خاصة مع استعمال النفط ولاغاز كسلاح استراتيجي في صراع روسيا مع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وهذا قد يزيد من تفاقم أزمة الطاقة التي تعصف بالاتحاد الاوروبي. ومنه إلى باقي القطاعات والمنتجات التي تعتمد على الغاز والنفط.