بعد نحو سنتين من النزاع المسلحة في أثيوبيا بين قوات المعارضة والسلطة في أثيوبيا، أعلنت “جبهة تحرير إقليم تيغراي” استعداداها للشروع في محادثات سلام مع الحكومة.
يعود النزاع المسلح في إثيوبيا إلى نحو سنتين من الآن. اندلع صراع في إقليم تيغراي يوم 4 نوفمبر 2020، على خلفية قيام رئيس الوزراء أحمد آبيي بعمليات عسكرية ضد عناصر “جبهة تحرير تيغراي”، عقب وصوله إلى السلطة في أفريل 2018. وقال حينها إنها رد على هجمات نفذتها الجبهة ضد معسكرات للجيش الإثيوبي.
خلفيات النزاع
يعود أصل النزاع في إثيوبيا، مثل الكثير من الدول الأفريقية، إلى صراعات إثنية. وسبب ذلك هو صعوبة تطبيق نموذج الدولة الوطنية أو الدولة القومية ذات المنشأ الأوروبي، بسبب اختلاف دواعي النشأة وبيئتها.
وعلى العموم، وبهدف الحد من الصراعات الإثنية في إثيوبيا، التي عادة ما تتحول إلى نزاع مسلح هناك، اقترحت “جبهة تحرير إقليم تيغراي” عند وصولها إلى السلطة العام 1991، مشروع الدول الفدرالية الإثنية. ويكون تقسيم الأقاليم فيها على أساس الحدود الجغرافية لكل إثنية.
لكن المشروع لم يجد طريقا إلى التطبيق. وزاد الأمر صعوبة مع وصول أحمد آبيي إلى السلطة واقتراح مشروع إصلاحي. يقوم المشروع على أساس نظام فدرالي يكون فيه التقسيم على أساس الأقاليم الجغرافية لا الإثنية. بمعنى أن كل إقليم قد يضم إثنيات مختلفة. وهو تصور يتعارض تماما ومشروع ” جبهة تحرير تغراي”.
وردا على حملة التطهير، التي شنها آبيي على عناصر تيغراي منذ 2018. ظهرت الخلافات في شكل حرب باردة بين مشروعين متضادين أحدهما للحكومة المركزية والثاني لحكومة إقليم تيغراي، الذي يتمتع بحكم ذاتي وفق دستور 1995.
تداعيات إقليمية
لم يقتصر النزاع على الأطراف الداخلية وحسب، بل امتد إلى دول الجوار إريتريا والسودان، لأسباب تاريخية. حيث تتنازع السودان وأثيوبيا منطقة “الفشقة” الحدودية.
ففي الوقت الذي كانت السودان مستعمرة بريطانية، وقعت بريطانيا وإثيوبيا – التي لم تتعرض للاستعمار الغربي- سنة 1902 اتفاقية تنص على امتداد أراضي السودان إلى منطقة الفشقة شرقا. لكن في بداية تسعينات القرن الماضي استولى إثيوبيون على الأراضي وطردوا منها المزارعين السودانيين باستعمال السلاح، وبقي المر كذلك إلى غاية نوفمبر 2020. حيث عادت السودان ونشرت قواتها في المنطقة. وتزامن ذلك والنزاع الدائر بين حكومتي أديس أبابا و”حكومة إقليم تيغراي” (الإقليم يتمتع بالحكم الذاتي). وأعلنت السيطرة على الإقليم منتصف 2021.
وتجدد النزاع بين البلدين على طول الحدود المتوترة. حيث نشرت القوات الإثيوبية نهاية جوان 2022 قواتها هناك، في خطوة لاستعادة الإقليم. فيما تطالب السودان برسم الحدود بين البلدين على أساس اتفاقية 1902.
وفي هذا الصدد، تعهد رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان خلال زيارته للمنطقة في نوفمبر 2021 بأن السودان لن يتنازل عن “شبر واحد” من أراضيه.
تجدد النزاع مع إريتريا
اتهمت “جبهة تحرير تيغراي” الجيش الإريتري بالمشاركة ضدها في نزاعها مع الحكومة. وقالت اللجنة الدولية لخبراء حقوق الإنسان المعنية بالوضع في إثيوبيا، في تقريرها يوم 7 سبتمبر الجاري إن القوات الإريترية تشارك في الأعمال العدائية بين حكومة إثيوبيا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وفي هذا الصدد دعت الخارجية الأمريكية مطلع جويلية 2022، إريتريا إلى سحب قواتها من إثيوبيا. وفرضت واشنطن عقوبات على شخصيات وكيانات في إريتريا، ردًّا على تدخلها في الحرب بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تيغراي. إلى جانب عقوبات على قائد هيئة أركان قوات الدفاع الإريترية، فيليبوس وولدييوهانيس. واتهمته بالضلوع في انتهاكات لحقوق الإنسان بإقليم تيغراي.
لماذا؟
بعد تمكنها من هزيمة الجيش الإيطالي عام 1942، قررت الأمم المتحدة سنة 1952 منح إريتريا التي كانت تحت حكم الإدارة البريطانية، حكم نفسها بنفسها داخليا ببرلمان محلي، مع إلحاقها بإثيوبيا في مجال الدفاع والشؤون الخارجية، مدة 10 سنوات.
لكن مع حلول عام 1962، ألغت حكومة إثيوبيا البرلمان الإريتري وضمت إريتريا رسمياً. وخاضت إريتريا رفقة جبهة تحرير تيغراي حربا ضروسا ضد نظام “منغيستو هيلا مريام”، وتمكنت من نيل استقلالها عن إثيوبيا سنة 1991، تزامنا مع وصول جبهة تيغراي إلى السلطة.
وكان منح الاستقلال هذا مشروطا بالالتزام بالتعاون والدفاع المشترك، والسماح لإثيوبيا باستخدام بعض موانئ إريتريا، إلى جانب الإبقاء على استخدام العملة الإثيوبية في السوق الإريترية.
لكن سرعان ما تخلت إريتريا عن هذه الالتزامات وطالب بترسيم الحدود بين الدولتين. وغيرت العملة وتبنت من جديد عملتها القديمة، وطالبت إثيوبيا بدفع رسوم ومستحقات استخدام الموانئ.
وتسبب تحول الموقف الإريتري في انفجار نزاعين في ماي 1998 وأخر في جوان 2000. وانتهى بتوقيع اتفاق الجزائر، بعد وساطة ناجحة العام 2000.