بيان قمة الأمن والتنمية بين الولايات المتحدة ودول الخليج الست والعراق والأردن ومصر يحتاج قراءة تقوم على تفكيك النص لا على قراءته المباشرة، فصياغة البيان تمت بكيفية تبرز ما يُظن أنه خير ولكنها تواري سوءاته… ولنلاحظ، ذلك يجب التمعن في الملاحظات التالية:
أولا: في البند الأول تأكيد لشراكة “تاريخية” مع الولايات المتحدة وتعميق تعاونهم المشترك في جميع المجالات، وهنا أسأل رئيس الوزراء العراقي هل جميع المجالات تشمل التعاون العسكري، ومن هو الخصم المركزي الذي ستتعاون العراق مع الولايات المتحدة ضده: هل هو اسرائيل أم إيران؟ لاسيما أن البند الثاني يحدد طبيعة هذه الشراكة بأنها “إستراتيجية”.. أي أن الشراكة ليست مرحلية زمنا، بل طويلة الأجل، وليست تكتيكا ظرفيا بل تنسيق الأهداف المشتركة والعمل معا على تحقيقها.
ثانيا: يتضمن البند الثالث عبارة “أمن المنطقة واستقرارها” فهل هناك تحديد لحدود المنطقة؟ هل المغرب العربي جزء من المنطقة، هل باكستان جزء من المنطقة؟ ولكن الأهم هو أن النص يشير إلى التعاون والتكامل بين دول المنطقة فهل إسرائيل تقع ضمن هذا التعاون والتكامل؟ من المنطقي أن يكون التعاون والتكامل يشمل إسرائيل طبقا للنص الوارد والسياق العام للبيان، أليس هذا يتضمن العمل على توسيع دائرة التطبيع؟ فهل العراق الذي اتخذ برلمانه قرارا بمنع التطبيع مع إسرائيل موافق على التعاون والتكامل مع “دول المنطقة” بالمفهوم الجغرافي الذي يشتمل عليه البيان، والملاحظ ان المسؤولين العراقيين عندما يريدون دمج إسرائيل في تصريحاتهم يتوارون وراء عبارة “دول المنطقة”، وهو تعبير يتكرر كثيرا في تصريحات رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.
ثالثا: في البند الخاص بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي لا يوجد أي خطوة إجرائية محددة تجاه إسرائيل، ولكن صياغة الفقرة تحتاج إلى قراءة دقيقة، ولنلاحظ:
أ- تبدأ الفقرة بالقول “جدد الرئيس بايدن التزام العمل من اجل السلام..الخ”، أما السطر الثاني فيقول وأكد القادة على حل الدولتين… والمبادرة العربية… واحترام الوضع التاريخي للقدس…الخ… والسؤال هنا لماذا بدأت الفقرة بالقول “تأكيد بايدن على الالتزام بالسلام ” ولم تبدأ الفقرة بتأكيد القادة على غرار ما نصت عليه كل الفقرة بعد سطرها الأول.. ذلك يعني أن بايدن ملتزم بالسلام (بالمعنى الفضفاض)، أما التزام القادة فيعني القادة العرب (التسعة)، فالفصل بين أكد بايدن وبين أكد القادة واضح انه يعني أن ما التزم به القادة ليس هو ما يلتزم به بايدن وإلا لماذا لم ينص البيان على بايدن في فقرة عامة غامضة بينما القادة في فقرة محددة أخرى.
إن صياغة الفقرة والفصل بين القادة وبايدن في البيان هو لتمرير البيان.. فهل بايدن موافق على احترام الوضع التاريخي للقدس مثلا؟ لا يمكن أن تفهم إسرائيل من البيان ذلك.. ولهذا ولطمأنة إسرائيل كانت فقرة بايدن تبدأ باسمه والباقي باسم القادة..
ب- وللتدليل على صحة ما قلناه في الفقرة السابقة يرجى العودة لكل فقرات البيان، فكل الفقرات دون استثناء تبدأ بعبارة أكد القادة او جدد القادة…الخ، إلا الفقرة الخاصة بالموضوع الفلسطيني تم الفصل بين التزام بايدن وبين التزام القادة.. لماذا اختلفت بداية هذه الفقرة عن بداية الفقرات الأخرى؟ لان الالتزام الأمريكي هنا ليس في كل الفقرة، وهذا ما علمنا إياه علم السياسة في موضوع تحليل الوثائق الدبلوماسية.
رابعا: قراءة الفقرة الثامنة من البيان والخاصة بعدم انتشار السلاح النووي، فالنص يشير إلى “منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة” ، لكن الجزء الأخير يضيق المعنى ليشمل تحديدا منطقة الخليج، وجاء في النص “لإبقاء منطقة الخليج العربي خالية من أسلحة الدمار الشامل”.. وسبب التخصيص هو لكي لا يُفهم من النص انه يشمل الأسلحة النووية الإسرائيلية، بل إيران فقط، كما يتضح في السطر الثاني من البيان.
خامسا: الفقرات 9 و10، الخاصة بالإرهاب تتحدث عن الإرهاب ” بكافة أشكاله وتنظيماته” وهو ما يعني كل حركات المقاومة الفلسطينية وغيرها، أي أن مفهوم تنظيمات الإرهاب تشمل كل ما يعتبره بايدن تنظيما إرهابيا لان الفقرتين تبدأ كل منهما بعبارة “جدد القادة.. وأكد القادة، ولا يوجد فصل بين القادة وبين بايدن كما لاحظنا في فقرة الصراع العربي الإسرائيلي.. وبهذا أصبحت كل تنظيمات المقاومة الفلسطينية إرهابية.. وهنا أسأل هل التنظيم الاستيطاني الذي أحرق عائلة الدوابشة في بلدة دوما يمثل تنظيما إرهابيا؟ وهل المستوطنون في الأراضي المحتلة هم تنظيم إرهابي..؟
أخيرا.. أخذ بايدن ما يريد ولم يعط إلا وعودا سبق أن سمعناها 37 مرة من الرؤساء الأمريكيين خلال 37 زيارة لهم للمنطقة منذ 1972..