يستعرض كاتب المقال تبعات الموقف الصيني الوسطي تجاه روسيا والحرب الدائرة في أوكرانيا. ومحاولة الصين موازنته بين الشريك الروسي والخصم الأمريكي، موضحا أنه ليس للصين طموحات أن تكون قوة عسكرية.
يوضح مقال الكاتب يان تشيتونغ، في مجلّة الشؤون الخارجية، ماي 2022، الخسائر التي لحقت الصين جراء موقفها غير المنحاز إلى أوكرانيا وغير المؤيد لروسيا، سواء على الصعيد الداخلي وما تسبب فيه من استقطاب سياسي، أو على الصعيد الخارجي بفعل الحصار على عدد كبير من الشركات الصينية.
خسائر
يُحاجج يان تشيتونغ بأنّ الحرب في أوكرانيا وضعت الصين في ورطةٍ استراتيجيةٍ صعبةٍ في علاقاتها مع كلٍّ من الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا والدول الأوروبية، ودول جوارها الإقليمي والعالم النامي ككلّ، بل وأوجدت لها مشاكل واستقطاباتٍ سياسيةٍ على المستوى الداخلي أيضًا، ويرى أنّ هذا الوضع الصعب قد تسبّب لها في خسائر استراتيجيةٍ من المرجّح أن تسعى لتقليصها إلى الحدّ الأدنى من خلال التزام مسارٍ وسطٍ قائمٍ على التوازن الحذر بين الجميع.
ثمن موقف
ينقسم المقال إلى ثلاثة أقسام. يُحدّد القسم الأول مظاهر هذا الوضع الصعب الذّي وجدت فيه الصين نفسها عالقةً بسبب الحرب. لدى الصين الكثير لتخسره من تصرّفات روسيا، ولو علمت الصين بالأزمة الوشيكة لبذلت قصارى جهدها لمنع حدوثها، مثلما قال السفير الصيني في واشنطن، حيث تُعدُّ الصين أكبر شريكٍ تجاريٍ لكلّ من روسيا وأوكرانيا، وأكبر مستوردٍ للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم. لقد تسبّب الصراع في اضطراب أسواق السلع وتعطيل سلاسل التوريد ممّا أحدث خسائرًا بمليارات الدولارات للشركات الصينية.
أيضًا، زادت الحرب من حدّة التوتّرات القائمة بين الصين وجيرانها في شرق آسيا، حيث تخلّى بعضٌ منهم عن إستراتيجية الحِيطة التّي ظلّوا يوازنون من خلالها علاقاتهم بين الصين والولايات المتحدة.
وصاروا أكثر انحيازًا للولايات المتحدة من السابق خوفًا من أن تسلك الصين تجاههم سلوكًا مشابهًا للسلوك الروسي في أوكرانيا، كما منح الصراع واشنطن ذريعةً لإبرام صفقةِ أسلحةٍ جديدةٍ مع تايوان، وهي الثالثة على التوالي منذ تولّي الرئيس بايدن منصبه.
استقطاب سياسي
علاوةً على ذلك يُرجّح الكاتب بأنّ الحرب ستضّر بالعلاقات الصينية مع دول العالم النامي التّي صوّتَ في الأمم المتحدة إدانةً لروسيا بينما رفضت الصين قرارات الإدانة.
فضلاً عن توتير العلاقات الصينية الغربية أكثر، لاسيما مع إعراب حلفاء الولايات المتحدة الغربيين استعدادهم للانضمام إلى جهود واشنطن في فرض عقوباتٍ ثانويةٍ على الشركات الصينية التّي تواصل التعامل مع روسيا بشكلٍ عاديٍّ حاليًا.
أخيرًا، فقد عمّقت الحرب من الاستقطاب السياسي داخل الصين بين المؤيّدين لروسيا والمعارضين لها مثلما تُظهره وسائط التواصل الاجتماعي الصينية، فقد أثار المعارضون مخاوف تاريخيةً من التوسّع الإقليمي الروسي على حساب بعض الأراضي الصينية المتاخمة.
إضعاف الصين وروسيا
في القسم الثاني يُعبّر الكاتب عن شكوك الصين تجاه المقاربة الأمريكية للصراع في أوكرانيا، حيث ترى بكين أنّ واشنطن لا تريد في الحقيقة إنهاء الصراع، بل إطالة مدّته عبر تصعيد الحرب عمدًا كلّما لاح أفقٌ للتوافق بين روسيا وأوكرانيا.
ويهدف ذلك إلى إضعاف روسيا والصين معًا وهزيمتهما، هذا ما أشارت إليه صحفٌ صينيةٌ رائدةٌ مملوكةٌ للدولة، حينما اتّهمت واشنطن بأنّها “تصبّ الوقود على النيران” وتخلق “عقباتٍ أكبر أمام الحلّ السياسي لهذه الأزمة”.
يظهر ذلك في سلوكات واشنطن وتصريحات كبار مسؤوليها تجاه الصراع القائم. وفقًا لبيجين، تعمل واشنطن على زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا من أجل حرمان روسيا من مخرجٍ دبلوماسيٍ لائق لسحب القوات.
ويؤكّد تعليقٌ سابقٌ لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن شكوك الصين حينما قال بأنّنا “نريد أن نرى روسيا ضعيفةً لدرجةٍ لا تستطيع معها القيام بالأشياء التّي فعلتها عند غزو أوكرانيا”.
علاوةً على ذلك، يؤكّد الكاتب بأنّ واشنطن لا تعتزم التخلّي أو التراجع عن منافستها للصين في شرق آسيا رغم الصراع القائم في أوروبا مع روسيا.
وسطية مرهونة بتايوان
وحتى لو أدانت الصين الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا وانضمّت إلى جانب واشنطن في فرض عقوباتٍ على موسكو، فلن يُخفّف ذلك من سياسة الاحتواء الأمريكية التّي تنتهجها واشنطن ضدّ بيجين.
بناءً على ما سبق يرى الكاتب في القسم الثالث أنّ الصين تنتهج طريقًا وسطًا بين القوتيْن العظمتيْن قائمًا على التوزان الحذر بينهما، حتّى تتجنّب بكين أيّ تهديداتٍ إستراتيجية، من شأنها أن تُحاصرها وتُلحق بها أضرارًا جسيمةً وبالبيئة السلمية التّي تريد إرساءها حتّى تحافظ على تنميتها الاقتصادية وصعودها المستمر.
لقد خَبرت الصين شيئًا كهذا بين سنتيْ 1958 و1971 حينما وجدت نفسها محاصرةً وفي مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي معًا في آنٍ واحدٍ، وقد تسبّب ذلك في إغراقها في ضائقةٍ اقتصاديةٍ كبيرةٍ انعكست سلبًا على الحياة الاجتماعية للصينيّين.
لذلك، تسعى الصين في خِضّم الحرب الأوكرانية إلى تجنّب الوقوع مُجدّدًا بين واشنطن وموسكو، كما يحرص مسؤولوها على صياغة بياناتهم الرسمية بدّقة وحذرٍ شديديْن.
وأوضح سفيرها في واشنطن، على سبيل المثال، بأنّ بيجين تسعى إلى علاقةٍ تعاونيةٍ مع موسكو لكنّها لا تدعم حربها في أوكرانيا.
وامتنعت الصين عن تقديم مساعداتٍ عسكريةٍ لموسكو لكنّها حافظت على علاقاتٍ تجاريةٍ طبيعيةٍ معها، كما ألقت باللوم على واشنطن منذ البداية في استفزازها لروسيا حينما دعمت توسيع الناتو شرقًا.
أخيرًا يؤكّد الكاتب بأنّه من غير المرجّح أن تحيد الصين عن سياسة التوازن هذه إلا إذا قدمت الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا لإعلان تايوان الاستقلال القانوني عنها.
كما يُحاجج بأنّ الصين لا تمتلك طموحًا للعب دورٍ قياديٍ في شؤون الأمن العالمي، خاصّةً في مسائل الحرب بسبب التفاوت العسكري الهائل بينها وبين الولايات المتحدة، لكنّها تعتزم لعب دورٍ مهمٍّ في تشكيل المعايير الاقتصادية العالمية باعتبارها ثاني أكبر قوةٍ اقتصاديةٍ في العالم.
الكاتب: يان تشيتونغ، ورطة الصين في أوكرانيا: لماذا تستلزم الحرب سلوكًا توازنيًا، مجلّة الشؤون الخارجية، ماي 2022، الولايات المتحدة الأمريكية.
يان تشيتونغ أحد أبرز المنظرين المعاصرين في حقل الـIR وصاحب نظرية “الواقعية الأخلاقية.
إعداد وترجمة: جلال خَشِّيبْ، مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية، المجلّد الثالث، ماي 2022، إسطنبول-تركيا
.