في بلد كلبنان تقول فيه تقارير الأمم المتحدة إن 78% من سكانه فقراء ومنهم 35% دون خط الفقر، ويحتل المرتبة 158 بين 184 دولة في مستوى الفساد، والمرتبة 178 بين 194 دولة في معدل الاستقرار السياسي وبقيمة (-1.65) على مقياس نهايته 2.5، وفي بلد تتكلس فيه النخب السياسية القائمة على تقسيم يستند للثقافات الفرعية الدينية والقومية والمذهبية، فان الحراك السياسي لا يأتي من المركز، بل من اللامنتمي وبالمعنى الذي قصده كولن ويلسون.
إن النظر في نتائج الانتخابات اللبنانية يشير إلى ما يلي:
أولا: إذا نظرنا للقوى اللبنانية المركزية وصاحبة الثقل الرئيسي بخاصة في غياب تيار المستقبل، فان قوى الأغلبية (حزب الله وأمل والتيار الحر إلى جانب بعض القوى المحدودة) فقدوا أغلبيتهم وتراجعوا من 71 مقعدا إلى 62 تقريبا (أي بخسارة 9 مقاعد)، لكن الكتلة المقابلة المعادية لحزب الله تراجعت هي الأخرى من 56 مقعدا في انتخابات 2018 إلى 47 في الانتخابات الحالية، أي بخسارة موازية تماما لخسارة كتلة حزب الله.
من جانب آخر، تقدم “اللامنتمون” بالمعنى العام، والذين يمثلون ما تبقى من مقاعد البرلمان الـ128، وهؤلاء ليس لهم برامج محددة، ويتعاملون مع القضايا فرادى وكل منها على حدة، وكل منهم له مسافته من الكتلتين المركزيتين تضيق وتتسع، طبقا للقضية المطروحة، ولو أن بعضهم كالدروز تحديدا يشكلوا تيارا من نوع ” كل يوم هو في شأن”.
ويبدوان حجم كتلة اللامنتمين الكبير دليل على أن الشأن المحلي وليس الشأن الإقليمي أو الشأن الدولي هو الذي يفسر تراجع وزن الكتلتين المنتميتين لصالحها، فكل من كتلتي “المنتمين” جعل من مادته الإعلامية ضد الآخر مرتكزة وبشكل كبير على الروابط مع قوى الإقليم أو المجتمع الدولي، وهو ما يبدو أمرا لا يعني غير المنتمي كثيرا إلا بمقدار مساسه باستقراره الداخلي أو معدته أو مصالحه اليومية والتي اعتقد أنها الأكثر غيابا في أدبيات إعلام المنتمين.
بناء على ما سبق، فان انتخابات رئيس مجلس النواب وبعده رئيس الدولة، سيكون للامنتمين دورهم الكبير، وبمقدار ما تتكيف الكتلتين المنتميتين لمطالب اللامنتمين ستكون النتائج، ومن هنا لابد لمن يريد تحسين موقعه أن يأخذ ذلك في الاعتبار.
أما الموضوعات الخارجية، فلا أظن أن شيئا منها سيتغير، وسيبقى التسلل الإقليمي والدولي ينخر الجسد اللبناني، وستجد الغرائزية العربية بيئة مخبرية في لبنان تجري فيها تجاربها، وستبقى ممحاكات الأدبيات السياسية قائمة.. أما التوازنات السياسية الداخلية، فلابد لمن أراد تدعيم كتلته مستقبلا من ايلاء هموم اللامنتمين الاهتمام الكبير.. ربما.