لقد برز نشاط الدبلوماسية الجزائرية قبل وبعد الاستقلال،، إذ أعطت في بدايتها عمقا وزخما للثورة من خلال تصديرها القضية الجزائرية الى المجتمع الدولي.
هذه الثورة التحريرية التي أعادت للدولة الجزائرية سيادتها تعد من أهم حركات التحرر التي قادت الى انتشار ثقافة التحرر في افريقيا والعالم،، والتي سيظل إشعاعها مستمرا وأنموذجا يحتذى به في مواجهة كل أشكال الاستعمار الجديدة،، لأن أسسه بنيت على مبدأ أن استقلال الجزائر لن يكون مكتملا الا عبر التحرر الكامل للبلدان التي ماتزال محتلة، كما هو الحال مع القضية الفلسطينية و قضية الصحراء الغربية واللتين ما زالتا في نضال للحصول على حقهما في استرجاع أرضهما وتقرير مصيرهما، الشيء الذي وضع دور الدبلوماسية ُّفي حالة دفاع وتشكل وتأهب مستمر ومتطور من أجل تجسيد وتحقيق مبدأ الحق في تقرير المصير.
الجزائر من الكفاح ضد الاستعمار إلى قلعة لحركات التحرر
عانت الجزائر من الاستعمار الفرنسي مدة طويلة، امتدت قرن و32سنة، وخلال هذه الفترة لجأت الجزائر لمختلف أساليب الكفاح والنضال لمواجهة الاحتلال الفرنسي، فبعد خيار المقاومة الشعبية، اتبعت النضال السياسي في إطار الحركة الوطنية الجزائرية، وصولا إلى أسلوب الكفاح المسلح عام 1954 إلى غاية عام 1962، أين استرجعت الجزائر استقلالها وحريتها، ومن هذا المنطلق تبنّتا الجزائر مبدأ مناهضة الاستعمار ومساندة حركات التحرر، ولعل ما يؤكد هذا الكلام هي شهادة الثائر والزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا في سنة 1999 حين قال ” إن الجزائر كانت وستبقى قلعة الثوار الأحرار والسند القوي لكل الشعوب المناضلة من أجل العدالة والحرية، ومواقفها الأصلية ترجمتها إلى إعطاء دعم وإسهام مباشر في تحرير القارة الإفريقية”، من خلال هذا الاعتراف لرئيس دولة إفريقية مشهود لها بالنضال من أجل مناهضة التمييز العنصري، ندرك مكانة الجزائر لدى الأفارقة، من منطلق دعم الوعي السياسي والوعي الوطني لدى شعوب القارة الإفريقية، وبالتالي فإن التقارب بين الأفارقة وتحالفهم هو قبل كل شيء تحالف قوي بين كل المستعمرين ضد المستعمر الذي بات خيار لا رجعة فيه حيث قال في ذلك الصدد رئيس جمهورية غينيا السيد سيكوتوري في 25 أوت 1958 في كوناكري عند ترحيبه بالجنرال الفرنسي ديغول، ( إننا نفضل الفقر في ظل الحرية، على الغنى في ظل العبودية) 1، وبحكم كل ذلك فإن العمل السياسي لجبهة التحرير، باتجاه إفريقيا، جنوب الصحراء، يهدف في أن واحد إلى ضمان أكبر دعم لها في نضالها التحرري، وجر البلاد التي ما تزال مستعمرة إلى نفس المعركة، عن طريق مضاعفة وتعبئة رأي عام الشعوب المستعمرة بممارساتها لنموذج فعال وهادف ممثل في الحرية الشعبية وحرب العصابات رغم غياب التكافؤ العسكري مع المستعمر، هذا الخيار الذي أضحى مثالا لمعظم المستعمرات في إفريقيا، وبذلك فإن الثورة الجزائرية أحدثت شللا في مخطط وإستراتيجية فرنسا الإستعمارية بإفريقيا، لأنها تحولت إلى قاعدة إستراتيجية لمحاربة الوجود الإستعماري ومنطلقا لإفشال المخطط الفرنسي بإفريقيا 2.
وعليه فالفلسفة النضالية والحركة التحررية كانت العامل الجامع بين الجزائر والدول الإفريقية، الأمر الذي عمق شعور التقارب والكفاح المشترك، وهو الشعور الذي ترجم بالتأكيد الفعلي للثورة الجزائرية، والذي من صوره :
– تنظيم أسبوع إفريقي للتضامن مع الشعب الجزائري يوم 30 مارس 1958 في مختلف العواصم الإفريقية3، وتوجيه نداء للأفارقة لرفض مقاتلة إخوانهم في الجزائر.
– الاعتراف بجبهة التحرير الوطني كممثلشرعي ووحيد للشعب الجزائري في مؤتمر الشعوب الإفريقية بأكرا (العاصمة الغانية) من 15 إلى 22 أفريل 19584.
_ مواصلة دعم القضية الجزائرية، واستنكار سياسة فرنسا الخاصة بالتجارب النووية بالصحراء الجزائرية، والتوصية بمنع التجارب الذرية في أي بقعة إفريقية، كتوصيات خرج بها مؤتمر الشعوب الإفريقية المستقلة بأديس أبابا (إثيوبيا) في جويلية من عام 19605.
– توصيات مؤتمر أقطاب إفريقيا بالدار البيضاء المغربية من 04 إلى 07 جانفي 1961 ودعوة الدول لمنع إستخدام أراضيها في العمليات الموجهة ضد الشعب الجزائري والمطالبة بسحب القوات الإفريقية التي تعمل تحت القيادة الفرنسية في الجزائر فورا، علاوة على الدعوة إلى قبول المتطوعين الإفريقيين في جيش التحرير الوطني، ودعوة الحكومات التي لم تعترف بالحكومة المؤقتة الجزائرية إلى الإعتراف بها، واستنكار المساعدة التي يقدمها الحلف الأطلسي إلى فرنسا في حربها من أجل استعمار الجزائر6.
الاستمرار في مساندة حركات التحرر بعد الاستقلال
بعد أن نالت الجزائر استقلالها سارت على نفس الثوابت في نصرة قضايا التحرر في إفريقيا من باب الوفاء لمبادئها الثورية، فساهمت مباشرة في عمليات تحرير البلدان الإفريقية غير المستقلة عن طريق الدفاع عن قضاياها بالمساعي الديبلوماسية والتدريب العسكري والإمدادات بالسلاح والعتاد وبتوفير سبل التأهيل للإطارات المرشحة للتكفل بتسيير مصالح بلدانهم في جميع المجالات، وذلك بفتح أبواب مؤسساتها التعليمية لهم على كافة الأصعدة، وراحت تظاهراتها ذات الطابع الأفريقي تصب دوما في هذا التوجه ومن ذلك مثلا المهرجان الثقافي الإفريقي سنة 1969 بالجزائر والذي كان تحت شعار ” تحرير إفريقيا ” وهو التوجه الذي نتأكد منه بكل وضوح عندما نقرأ ما قاله الرئيس الراحل هواري بومدين ” لا يمكن لنا أن نعتبر إستقلالنا تاما، ولا أن تعد سيادتنا كاملة مادامت هذه الأجزاء مثل أنغولا وغينيا بيساو، والموزمبيق، والرأس الأخضر لم تقض على فلول الاستعمار البرتغالي المقيت “7.
وهكذا يتبين لنا أن السياسة الخارجية الجزائر نحو إفريقيا إنطلقت من منطلق الإمتداد للتحرر الوطني،، الذي يقوم على فكرة التضامن الإيديولوجي الرامي للتخلص من نير وعبودية الاستعمار.
الدبلوماسية الجزائرية ودعم حركات التحرر في افريقيا
لقد أظهرت الدبلوماسية الجزائرية نشاطا معتبرا على الساحة الإفريقية، وهذا منذ بدايتها الأولى على مرجعية المواجهة ومقاومة الإستعمار أثناء حقبة الستينات من القرن العشرين إبان حكم الرئيس أحمد بن بلة، عندما استفادت الحركة نفسها، بداية من عام 1963، بدعم ومساندة واسعين من طرف الجزائر؛ حيث يتحدث عنها جلول ملايكة، مسؤول العلاقات التحريرية بإفريقيا، بحزب جبهة التحرير، سنوات السبعينات حين قال : ” لم تدخر الجزائر جهدا في دعم مسار الحركة التحريرية بأنغولا، ولعبت دورا مهما في إستقلال البلد”. وعن سبل وأشكال الدعم، أكد المسؤول نفسه : ” تجسد الدعم الجزائري على صعيدين : الإعلامي؛ من خلال محاولة التعريف وإبراز القضية الأنغولية على الساحة العالمية. وكذلك العسكري، من خلال المساهمة في تكوين وتدريب قيادات عسكرية أنغولية بمراكز تكوين جزائرية8. وتواصل الدعم الجزائري لأنغولا إلى غاية 1975، أي تاريخ استقلالها، واعتلاء الطبيب والشاعر والمناضل السياسي أغوستينو نيتو A. Nito،، رئاسة البلد، حيث ظل صديقا للجزائر ومقرا بفضلها، إلى غاية رحيله عام 1979.
وفي جانفي 1964 أرسلت الجزائر سفينة محملة بالأسلحة إلى ” تنجانيقا” بتنزانيا، ووقف الرئيس بن بلة مع الكونغو ضد حركة الانفصال التي قام بها “تشومبي”، كما وقفت الجزائر بجانب الرئيس التنزاني الراحل ” جوليوس نيريري” في محنته عندما تآمر عليه وزير خارجيته ” أوسكار كانتونا “9.
استمر نشاط الدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس بومدين بنفس القوة في إفريقيا، بل إزدهر أكثر و ذلك من خلال مساندة الشعوب المستعمرة وتقديم الدعم المادي والمعنوي للحركات التحررية في القارة الإفريقية، وتجلى ذلك في إعلان الرئيس هواري بومدين في بيان مشترك بينه وبين الرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو عقب المحادثات التي جرت بينهما في الثاني عشر من أكتوبر عام 1966، تأييد حركات التحرير الوطني في القارة الإفريقية، ونددا بالإجراءات الاستعمارية التي تهدف إلى تقسيم الدول العربية من أجل الاحتفاظ بالمصالح الاقتصادية والسياسية للاستعمار في الشرق الأدنى. وأعرب الرئيسان عن دعمهما وتأييدهما لحقوق الشعب الفلسطيني.
وقد جاء الميثاق الوطني الجزائري الجديد ليؤكد على استمرار السياسة الجزائرية تجاه إفريقيا وتمسكها بمبادئ ثورتها التحريرية المتعلقة بدعم الحركات التحررية الإفريقية والسعي لبناء الوحدة الإفريقية وضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي والثقافي التام والالتزام بسياسة عدم الانحياز، معتبرًا تحرير إفريقيا من صميم نضال الشعب الجزائري وكرامته. وبالتالي استمرت حركات التحرر الإفريقية تتلقى دعمًا دبلوماسيًا،، ماليًا وعسكريًا و لكن في المنظمات الدولية كمنظمة الوحدة الإفريقية والأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز من خلال حملات التعبئة العامة الجزائرية والدفاع عن شرعية تلك الحركات أمام هذه المحافل الدولية.
وقد تحدث بومدين في القاهرة، في مجلس الأمة المصري عام 1966، عن دعم الجزائر لحركة التحرر الوطني في القارة قائلًا “إن الجزائر عاقدة العزم على مواصلة التعاون في المجال الأفريقي لتوطيد المنظمة الإفريقية وتنسيق الجهود في إطار استمرار العمل لتحرير الأطراف الإفريقية التي كانت تعانى من الكابوس البرتغالي في أنغولا وموزمبيق وغينيا المسماة بالبرتغالية، وتحرير كل من جنوب إفريقيا وروديسيا الجنوبية من الأقلية البيضاء التي تسوم أهلها جحيم التمييز العنصري، و تجرعها كل أنواع الإهانة والتنكيل”10.
واستمر دعم الجزائر لحركات التحرر في مختلف ربوع القارة الافريقية،، حيث ساندت شعب ناميبيا والمؤتمر الوطني لجنوب إفريقيا في مكافحتهما للتمييز والفصل العنصريين، وقامت بالدفاع عن قضايا القارة داخل المحافل الدولية من خلال قيادتها مؤتمر دول عدم الانحياز عام 1973، حيث طالبت بضرورة قيام نظام عالمي جديد وعادل يقوم على التعاون وليس على التبعية، ويضمن حقوق الدول الإفريقية في تسيير اقتصاداتها بنفسها وإنهاء ما سمته الدبلوماسية الجزائرية باستمرار الاستعمار الاقتصادي لضمان التحقيق الكامل للاستقلال السياسي.
كما عقدت الجزائر إتفاقيات ثنائية لتقوية التعاون بينها وبين الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء . أما في مرحلة الثمانينات، فقد تميزت بعض فترات حكم الرئيس ” الشاذلي بن جديد” بنشاط الدبلوماسية والسياسة الخارجية الجزائرية، حيث اتخذ الرئيس الشاذلي بن جديد جملة من القرارات التي كانت في صالح التعاون الجزائري الإفريقي منها،، إنشاء “الصندوق الخاص من أجل محاربة الجفاف والمجاعة في إفريقيا”، فضلا على إرساء تعاون في مجال البترول مع تنزانيا، وتشجيع الإستثمارات عن طريق إنشاء شركات مختلطة ومقاولات في كل من الكونغو و الموزنبيق لاستغلال الغابات من أجل تزويد الجزائر بالخشب11. وتماشيا مع هذا النهج،، منحت الجزائر سنة 1982 لإفريقيا ما يقدر ب مائة مليون دولار أمريكي ( 100 مليون دولار)، بعد أن حققت أرباح من عائدات البترول، وتراجع هذا الرقم في سنة 1986ن بفعل الأزمة المالية التي عرفتها الجزائر أنداك، إذ وصل حجم المساعدات إلى واحد وعشرين(21) مليون دولار أمريكي سنة 1987، وستة(06) مليون دولار أمريكي في السنة الموالية12.
إن الجزائر والدول الإفريقية تلتقي في ماض واحد وفي حاضر واحد وفي مصير واحد مشترك بينهم، أما الماضي القريب هو أن الجزائر والدول الإفريقية خضعت حينا من الدهر للإستعمار، وكانت الدول الإفريقية والجزائر هدفا لنهب المواد الأولية وسوقا للمنتجات الصناعية للدول الإستعمارية، والجزائر والدول الإفريقية تشترك في ماض سياسي يتمثل في الكفاح من أجل الإستعمار،
كما تشترك في حاضر ومستقبل واحد هو الكفاح ضد التخلف والفقر والأمراض13.
هذا ولا تزال الدبلوماسية الجزائرية في تأهب دائم ومستمر للدفاع والمرافعة عن أهم قضيتين عادلتين في العالم،، ألا وهما القضية الصحراوية والفلسطينية، هاتين القضيتين لا زالتا تنتظران إنصافهما من قبل المجتمع الدولي وتجسيد حق شعوبهما في تقرير المصير.
مساندة الشعب الصحراوي في حقه في تقرير المصير
على حد قول الرئيس الراحل هواري بومدين للرئيس الفرنسي السابق جيسكار ديستان عام 1975 “إذا كنا نناهض الاستعمار، فكيف إذا كان هذا الاستعمار موجود على حدود بلادنا، فالجزائر تعبر بهذا عن سياستها المناهضة للاستعمار” فالموقف الجزائري تجاه قضية الصحراء الغربية موقفا واضحا وثابتا منذ حصولها على استقلالها وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها وتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية ويستند هذا الموقف، إلى ثلاث ركائز أساسية هي أساس أي تحرك سياسي واستراتيجي، إذ:
– تعتبر الجزائر طرف مراقب مهتما بالموضوع والمنظمات الدولية تعامل الجزائر على هذا الأساس.
– أن الجزائر ليس لها أي مطالب أو طموحات إقليمية اتجاه إقليم الصحراء الغربية.
– حق تقرير المصير هو الآلية الأكثر ضمانا لحق الشعب الصحراوي.
كما يمكن تحديد الموقف الجزائري حسب تقرير البعثة الأممية من أجل تقصي الحقائق المرسلة إلى الصحراء الغربية في النصف الأول من سنة 1975 وفق النقاط التالية :
– نفت نفيا قاطعا أي مطامع ترابية في الإقليم.
– تمسكت بضرورة خروج الاستعمار الاسباني من المنطقة وفق مبادئ الأمم المتحدة ومقررات منظمة الوحدة الإفريقية.
– احترام إرادة الشعب الصحراوي في الاختيار الحر.
– مساندتها للشعوب الراغبة في تقرير مصيرها يستمد شرعيته من التجربة الثورية والمواثيق الرسمية للدولة الجزائرية.
من جهة أخرى، يرى بعض المشككين أن سبب وقوف ومساندة الجزائر للشعب الصحراوي في تقرير مصيره مبني على أطماع ومصالح ضيقة، لكن هذا شيء مخالف للصحة، وقد أجاب عنه الراحل هواري بومدين في 19 جوان 1975، عندما صرح قائلا : ” أننا نؤكد من جديد أن الجزائر ليس لها أطماع ترابية أو إقليمية في إقليم الصحراء الغربية… لكنها أيضا لا يمكن أن تتخلى عن مبادئها السياسية، ومن حقّها أن تنادي بمبدأ تقرير المصير… ولن نكون ضد الأمم المتحدة”.
إن موقف الجزائر بهذا المعنى يتماشى ومبادئ سياستها الخارجية التي تبلورت أثناء الثورة وعرفت بها عالميا، ويتفق مع مبادئ منظمة الوحدة الإفريقية، خاصـة مبدأ قدسية الحدود الموروثة عن الاستقلال، وهو موقف ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة حول تصفية الاستعمار في إقليم الصحراء الغربية.وهذا ما أكدته مختلف المذكرات المقدمة إلى هذه المنظمات في إطار سعيها لإيجاد حـل سلمي لهذا النزاع الذي طال أمده.
دعم ومساندة “أم القضايا” القضية الفلسطينية
لقد ساهمت الجزائر في دعم جميع حركات التحرر في العالم وفي إفريقيا، وآسيا،، وأمريكا اللاتينية وأمنت بمطالبها،، وتبقى أهم حركة تحررية حاربت ودافعت من أجلها الجزائر في مناسبات عدة ولا تزال ترافع من أجلها في العديد من المحافل الدولية هيالقضية الفلسطينية، هذه الأخيرة تعتبر من المسائل المقدسة في السياسة الخارجية الجزائرية، كيف لا وقد قالها الراحل هواري بومدين “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”،، و جدّد التأكيد على ذلك الرئيس عبد المجيد تبون في مقابلة تلفزيونية مع الصحافة الجزائرية : ” إن القضية الفلسطينية بالنسبة للشعب الجزائري قضية مقدسة بل أم القضايا”.هذا ويظهر الدعم الجزائري للقضية الفلسطينية في فتح أول مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في 1963 والتدريب الذي حظي به مناضلي المنظمة في الجزائر بالإضافة الى إذاعة صوت فلسطين سنة 1970، وكانت الجزائر تطرح القضية الفلسطينية في كل المؤتمرات واللقاءات خاصة مؤتمرات الجامعة العربية وحركة عدم الانحياز ومشاركة الجيش الجزائري في الحروب العربية- الإسرائيلية أهما حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973 وفي هذه السنة بالذات وفي اجتماع عقد بالجزائر دعت الجزائر الدول العربية الى استعمال البترول كسلاح ضد الدول المساندة لإسرائيل مثل الولايات المتحدة الأمريكية، البرتغال، هولندا، وقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورًا كبيرًا منذ اللحظة الأولى استعدادًا لخوض المعركة على المنابر الدولية لجمع الدعم والمساندة للدول العربية في هذه المعركة، والعمل على عزل إسرائيل وكل من يساندها في الحرب. فكان للرئيس بومدين اتصالات كثيرة مع رؤساء وملوك الدول الصديقة لحثهم على دعم القضية العربية، كما قام بزيارات عديدة لبعض هذه الدول، خاصة الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، من أجل حث الاتحاد السوفيتي على تسليم مصر شحنة الأسلحة المتفق عليها. كما بعث الرئيس بومدين عدة برقيات لنظرائه في العالم شارحًا لهم الوضع على الجبهة، وتلقى عدة برقيات مماثلة من نظرائه معربين عن تضامنهم العميق مع الشعوب العربية. وعلى مستوى الهيئات الدولية، نددت الجزائر بجرائم العدو الصهيوني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما كانت دائمة التواصل مع كل الدول الصديقة من أجل مقاطعة إسرائيل، خاصة دول عدم الانحياز والدول الإفريقية. وكانت الجزائر قد ادخلت فلسطين الى الأمم المتحدة عام 1975،كما تجدر الإشارة الى أن قيام دولة فلسطين أعلن من الأرض الجزائرية يوم 15 نوفمبر 1988 من طرف ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى غاية يومنا هذا تقف الجزائر مع الشعب الفلسطيني وكذا الشعب الصحراوي وتطالب بإنهاء الاستعمار في هذين البلدين .
إذن من خلال الغوص في الماضي الثوري للجزائر، يتضح لنا جليا أن حق تقرير مصير الشعوب المستعمرة يبقى مبدأ راسخ في السياسة الخارجية الجزائرية، هذه الأخيرة تعتبر هذا المبدأ القاعدة الاساسية التي يستند عليها القانون الدولي من أجل تصفية الاستعمار. على هذا الأساس نصت المادة 86 من الميثاق الوطني على ما يلي: أن الجزائر تؤيد المبادئ والأهداف الواردة في ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية القاضية بحق الشعوب في تقرير مصيرها وبالتحديد المادة 1و 55 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 2 و3 من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية.
وبالتالي فإن مساندة الجزائر لمختلف الحركات التحررية في مختلف مناطق العالم، هو امتداد طبيعي لمبادئ ثورة نوفمبر 1954، حيث قامت الجزائر بفتح أبوابها لمختلف حركات التحرر المناهضة للاستعمار، على غرار استقبالها للحزب الأفريقي من أجل استقلال غينيا والرأس الأخضر بزعامة أميلكار كابرال، وجبهة تحرير موزمبيق، والجبهة الشعبية لتحرير أنغولا …وغيرها من الحركات والتي سعت الجزائر من خلالها بكل ما تملكه من وسائل وإمكانيات مادية ولوجيستية من أجل دعمها لمختلف الحركات التحررية في العالم . وكان لها دور فعال في تحرير واستقلال العديد من البلدان الإفريقية في صورة أنغولا وزيمبابوي وناميبيا…، ولا تزال الجزائر ترافع في المنظمات والهيئات الاقليمية والدولية من أجل القضايا العادلة في العالم، كما هو الحال مع “أم القضايا ” القضية الفلسطينية وكذا قضية الصحراء الغربية باعتبارها آخر مستعمرة في القارة الأفريقية، فالجزائر تبذل في مجهودات جبارة كل ذلك من أجل تمكين الشعبين الفلسطيني والصحراوي من حقهما في تقرير المصير .
من هذا المنطلق يمكن فهم سبب وقوف ومساندة ودعم ومناصرة الجزائر لحركات التحرر في العالم، إنه مبدأ راسخ في سياستها الخارجية .
الدكتور عبد الملك بلغربي
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر 3
الهوامش والاحالات
1- كلود فوتيه، إفريقيا للإفريقيين، ترجمة أحمد كمال يونس، القاهرة- مصر، دار المعارف، 1978.
2- إسماعيل دبش، السياسة العربية والمواقف الدولية تجاه الثورة الجزائرية 1954- 1962 مرجعية لترشيد حاضر ومستقبل سياسة الجزائر الدولية والإقليمية، الجزائر، دار هوما للطباعة والنشر والتوزيع، 2005، ص ص 25- 29.
3- وزارة المجاهدين، القواعد الخلفية للثورة الجزائرية، الجهة الشرقية 1954- 1962 منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثوار نوفمبر 1954، الجزائر 2007، ص 303.
4- المرجع نفسه، ص 304.
5- المرجع نفسه، ص 305.
6- المرجع نفسه، ص 306.
7- بول بولطا وكلودين ريللو، إستراتيجية بومدين، تعريب خليل أحمد خليل وفؤاد شاهين، دار القدس، ط1، بيروت- لبنان، 1997، ص 182.
8- سعيد خطيبي، الجزائر لعبت دورا مهما في استقلال أنغولا، جريدة الخبر “يومية جزائرية، العدد 5241، 10 ديسمبر 2009، ص 9.
9- فتحي حسن عطوة، السياسة الخارجية الجزائرية- “الجدلية التاريخية بين أولوية الاقتصاد والسعي إلى المكانة“، مجلة الفكر العربي الإستراتيجي، عدد 27، جانفي 1989، ص ص 109، 110.
10- رياض بدوي، دور الجزائر التحرري في إفريقيا والعالم العربي، مقال منشور على الرابط التالي :https://www.alhilalalyoum.com/40878، تاريخ التصفح 10/03/2021.
11- Nicole Grimaud :” La politique sous- Chadli ou la politique du possible“, In annuaire de l’Afrique du nord, Edt : CNRS, 1991, p142.
12- فتحي حسن عطوة، السياسة الخارجية الجزائرية- “الجدلية التاريخية بين أولوية الاقتصاد والسعي إلى المكانة”، مرجع سابق، ص 110.
13- حسين فريحة، التعاون بين الجزائر والدول الإفريقية ” أفاق وطموح”، مجلة الحقيقة، جامعة أدرار، بدون رقم، 2005، ص 198.