لن يكون هناك حل سياسي في ليبيا إلا إذا حصل توافق دولي بين القوى المؤثرة في الصراع في ليبيا، على اعتبار أنها تدعم هذا الطرف أو ذاك. وبالتالي غياب توافق يعني عدم بلوغ الصراع نقطة النضج على المستوى الداخلي كما على المستوى الدولي. هو ما أجمع عليه المتدخلون في ندوة حول ليبيا اليوم بالجزائر العاصمة.
نظم مركز الشعب للدراسات والبحوث مائدة مستديرة بعنوان: الأزمة الليبية بين الانفراج التأزم.. هل من مخرج؟ اليوم، بمقر المركز، تناول خلالها المتدخلون المشهد السياسي والأمني والاقتصادي في ليبيا آثارها وتداعياتها على ليبيا ودول الجوار إلى جانب سيناريوهات الأزمة السياسية الحالية.
اقتصاد الحرب
وقالت البروفيسور تسعديت مسيح الدين، أستاذة العلوم السياسية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، إن تأجيل الانتخابات الرئاسية أدى إلى أزمة أخرى -ضمن سلسلة الأزمات- تتمثل في ظهور حكومة ثانية بعد تعيين فتحي باشاغا رئيسا للحكومة، موازاة مع عبد الحميد الدبيبة، وبالتالي عودة ظهور فواعل جديدة-قديمة.
وأضافت أن هذا سيكون له تداعيات سياسية، وهي ازدواجية السلطة التنفيذية وتعميق التحالفات الداخلية، وقد يكون له تبعات أمنية، منها عودة الجماعات المسلحة واستشراء الخوف من عودة اللا أمن وظاهرة الاختطافات والقتل، التي سادت خلال الحكومات السابقة وقبل مؤتمر برلين.
اجتماعيا، ذكرت البروفيسور الدمار الذي مسّ البنى التحتية خاصة غلق المدارس، وبالتالي تسرب مدرسي وما يمكن أن يكون له من تبعات مستقبلا.
وتحدثت عن اقتصاد الحرب الذي سيؤدي إلى عرقلة عمل أية حكومة، حيث اغتنت الميليشيات من وضع الأزمة، وبالتالي ترفض تسليم السلاح والاندماج في جيش موحد، لأنها لن تحظى بالمزايا التي يمنحها وضعها الحالي. وبالتالي استحالة الوصول إلى حل توافقي للصراع داخليا.
إرث وتداعيات
وتعرض الدكتور رشيد علواش، أستاذ العلوم السياسية، إلى إرث النظام السابق، وما تركه من مظالم اجتماعية خاصة بالجماعات العرقية والإثنية، وما تعرضت له من انتهاك حقوق، وغياب العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة.
وأضاف أن الانفلات الأمني أدى إلى تكوين ميليشيات لكل قبيلة وهذا من شأنه التأثير على مسار التسوية من خلال بناء تحالفات لتغيير وضع قائم لا يخدمها.
وأشار إلى أن استمرار الوضع على حاله سيعود بالسلب على دول الجوار.
سيناريو متفائل
تحدث الدكتور محمد أمين سويعد استاذ العلوم السياسية جامعة الجزائر 03 عن سيناريو متفائل لإنهاء الأزمة في ليبيا، بالاستناد إلى مؤشرات المشهد الدولي، ممثلة في:
* التقارب المصري التركي والتركي الخليجي.
*الحرب في أوكرانيا وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية من خلال دبلوماسية المكوك والضغط من أجل حل للازمة.
* داخليا، أشار إلى إدراك القوى السياسية استحالة الحل عن طريق العمليات العسكرية. وخروج الشعب في مظاهرات وتسبب في تراجع المكانة الشعبية لمختلف السياسيين.
سيناريو متشائم
وتحدثت البروفيسور مسيح الدين عن مؤشرات تجعل من سيناريو مستقبل الازمة الليبية متشائما وهي:
*عدم تحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية، استحالة وضع قانون انتخابات على الأقل خلال سنة، استفادة المرتزقة والميليشيات والشركات العسكرية الأجنبية من الوضع القائم.
*عدم توحد المواقف لتحقيق مصلحة مشتركة، فكل طرف يحتمي بقوى خارجية وينفذ أجندات خارجية.
والحل يكون عن طريق توافق هذه الأطراف الخارجية ومنها الداخلية على مصلحة موحدة.
*صمت الأمم المتحدة الرهيب على ما يحدث في ليبيا وغياب داعم للشعب الليبي وحتى دول الجوار التي تحاول إخراج ليبيا من الأزمة.
*انشغال القوى الكبرى بالأزمة الأوكرانية ونتائحها التي ستسفر عن ميزان قوة جديد وقوى جديدة.
*عدم اقتناع الفصائل الداخلية بالوصول إلى نقطة اللارجوع الذي قد يهدد مصالح الدول الخارجية ويدفعها إلى التعجيل بالحل.
أما الدكتور علي مجالدي، من مركز الشعب للدراسات والبحوث فأشار إلى ملف الطاقة ودوره في تسريع حل الأزمة أو تعقيدها، حيث أن الحل يخدم الغرب الذي يعاني أزمة طاقة بفعل الأزمة الأوكرانية، فهي تدفع إلى استتباب الأمن ومنه توفير مصدر طاقة بديل عن المصدر الروسي.
لكن هذا في حد ذاته لا يخدم روسيا التي تعمل على إطالة عمر الازمة لحرمان الغرب من ورقة ضغط قد يستعملها ضدها، ويفلت من السلاح الذي تستعمله روسيا ضده.