انتقلت عدوى تراجع الأحزاب السياسية العريقة في أوروبا إلى فرنسا، مع صعود مرشحين اثنين من تيار اليمين في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية 2022.
حصلت كتلة اليمين المتطرف في فرنسا على 30 بالمائة من أصوات الناخبين، متفوقة بذلك على نتائج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي حصل على 27,85 بالمائة من الأصوات. في حين حصل الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري اليميني على 6 بالمائة من الأصوات.
ويراهن المرشحان على استقطاب أصوات اليسار خاصة المرشح اليساري الراديكالي، جان لوك ميلانشون، الذي حل في المركز الثالث بـ 21.9%، من الأصوات.
هذه النتائج تطرح تساؤلا حول دلالات تراجع الأحزاب التقليدية ليس في فرنسا فحسب، بل في كامل أوروبا، مقابل صعود اليمين واليمين المتطرف، في أكثر من دولة ومناسبة.
ليست سابقة
صعود اليمين في فرنسا في الانتخابات الرئاسية ليس سابقة في فرنسا، الأمر نفسه حدث في انتخابات 2017، عندما فاز الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون برئاسة فرنسا. واحتلت رئيسة حزب الجبهة الوطنية، المحسوبة على اليمين المتطرف المرتبة الثانية بعده. وقد تكرر المشهد في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد في فرنسا.
خلفيات
ولعل السبب القابع خلف صعود اليمين هو الظروف الناتجة عن التطورات على الساحة الدولية وما يسمى “الربيع العربي”، وما نتج عنه من تدفق اللاجئين، وباء كورونا وتبعاته الاقتصادية الشديدة نتيجة الغلق، والعولمة مقابل تنامي القومية.
تسبب موجة الربيع العربي في دمار للدول العربية، ما اجبر السكان على الهرب من ويلات حروب تسبب فيها الغرب بدوافع اقتصادية. وكانت النتائج عكسية حيث تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين إلى الدول الأوروبية.
وأدى ذلك إلى تنامي شعور “كراهية الأجانب”، الذين –حسب زعم الأوروبيين- تسببوا في ارتفاع نسبة البطالة والاستيلاء على مناصب الشغل، التي من المفروض أن تكون من نصيب المواطنين المحليين.
وتسببت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء كورونا والغلق لفترات طويلة، في تدهور المستوى المعيشي للفرد الأوروبي وارتفاع الأسعار وبالتالي تراجع القدرة الشرائية.
وسمح فشل الأحزاب التقليدية في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية المتفاقمة، للأحزاب اليمينية والأحزاب الجديدة باستغلال الفرصة والتركيز على التفاصيل المتعلقة بالحياة اليومية للمواطن وتوفير حاجياته وإعادة رفع المستوى المعيشي.
هذه البرامج الانتخابية دفعت الناخبين إلى العزوف عن الأحزاب التقليدية والتصويت لصالح اليمين. في عدد من الدول الأوروبية، آخرها فرنسا.
بالنسبة لعامل العولمة وتنامي القومية، يُعتقد أن توافد الجانب من شانه أن يؤثر على الثقافة المحلية، ويتسبب في تعدد الثقافات. وبالتالي حصول الأجنبي وتمتعه بالحقوق نفسها مع المواطن المحلي مع حفاظه على ثقافته. وهي منافسة يراها اليمينيون غير مقبولة.
هي فكرة بين الخصوصية والعولمة سبق طرحها في نقاشات حول عالمية حقوق الإنسان وخصوصيتها، واتضح انه كلما كانت محاولة لعولمة حقوق الإنسان ” بالمفهوم الغربي” كلما زاد التمسك بالخصوصية والحقوق الخاصة للأفراد والمجتمعات.
توجه عام في الاتحاد الأوروبي
وفي هذا الإطار صدر تقرير أمريكي منتصف 2021، تناول ملف صعود اليمين المتطرف في أوروبا، منذ انتخابات البرلمان الأوروبي في 2014، التي شهدت إنشاء “مجموعة أوروبا للأمم والحرية اليمينية “المتطرفة”، عبّرت الأحزاب اليمينية عن رغبتها في عقد تحالفات دولية على أساس القومية، رغم ان هذا يبدو غريبا عن عقيدة اليمين المتطرف الذي يتمسك بقوة بالقومية والخصوصية.
وأضاف التقرير أن زعيم الرابطة الإيطالية ماثيو سالفيني، ورئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، عقدوا اجتماعاً رفيع المستوى في أفريل 2021.
ويتوقع أن تعمل الأحزاب الثلاثة على وضع برنامج سياسي يتضمّن حماية جذور أوروبا من “التعددية الثقافية التي لا روح لها ووقف الهجرة ، والدفاع عن الأسرة التقليدية. إلى جانب العمل على تحسين التنسيق عند إجراء التصويت على هذه القضايا في بروكسل. حسب التقرير نفسه.
وبالتالي، صعود اليمين في فرنسا فيانتخابات 2017 و2022، لا يخرج عن التوجه العام في أوروبا، حيث أثبتت الأحزاب التقليدية وصولها إلى نهاية المشوار، بسبب فشلها في التعاطي مع المستجدات والاستجابة لتطلعات المواطن. مقابل نجاح الأحزاب اليمينة والأحزاب الجديدة في استغلال هذا الضعف.