يبرز التحول الجيو-سياسي الناجم عن الحرب في أوكرانيا، من جديد، مفهوم الجيو-اقتصاد، وكيف تستخدم الدول المتنازعة الاقتصاد لتحقيق مآرب سياسية على حساب الخصم.
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون والآسيويون على السواء عقوبات اقتصادية ضد روسيا هي الأقسى على الإطلاق. بل هي أكبر من العقوبات الاقتصادية التي فرضت على دول مجتمعة من قبل.
ما هو الجيو-اقتصاد؟
في أبسط مفاهيمه، يعرف الجيو-اقتصاد على انه استخدام الاقتصاد لتحقيق مكاسب. وهو مصطلح حديث جدا ظهر بعد نهاية الحرب الباردة وبالضبط سنة 19902، مع الاقتصادي الأمريكي إدوارد لوتفاك. وكان يقصد به حينذاك الاستعاضة بالسلاح الاقتصادي بدل السلاح العسكري.
أما موضوع الجيواقتصاد فهو دراسة التفاعلات والتداخلات والتركيبات المعقدة بين الفضاء والاقتصاد. بمعنى كيف تؤثر الفضية على الاقتصاد. وهو في هذا يشبه إلى حد بعيد الجيوبوليتيك، مع اختلاف الموضوع.
فإذا كان هذا الأخير يدرس تأثير الجغرافيا على السياسة، وتأثير السياسة على الجغرافيا. فإن الجيو-اقتصاد يدرس كيف يستخدم الاقتصاد لإرغام الخصم وإخضاعه. وسواء كان المستخدم صانع قرار سياسي في دولة أو مالك شركة اقتصادية.
عمليا..
تتمثل مجالات الجيو-اقتصاد في الصناعة والصناعة الصيدلانية والتكنولوجيا، والاستثمارات في المجالات الإستراتيجية وإحكام قبضتها عليها ومنع المنافس من بلوغها. وهذا ما يمكن الدولة من فرض قوتها على المنافس أو الخصم.
واتضح هذا خلال الأزمة الصحية العالمية مع فيروس كورونا، وكيف تسابقت الدول الكبرى لتصنيع اللقاح، ومحاولة الترويج للقاحها على انه الأكثر فاعلية والأقوى، لإبقاء الدول الأخرى تحت التبعية.
وكذلك خلال الأزمة الوكرانية، حيث استعملت الدول الغرب سيطرتها على النظام المالي العالمي لليّ ذراع روسيا، وبالمقابل قامت هي باستغلال التفوق الطاقوي وتبعية الغرب لها للرد على تلك العقوبات. وسنوضحه في العنصريين التاليين.
عقوبات
بمجرد تنفيذ روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، بمبرر حماية أمنها القومي. فرضت الدول الغربية وحلفاؤها في آسيا حزمة من العقوبات الاقتصادية لثني روسيا عن قرارها.
كانت البداية بعزل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي وتجميد أكثر من ثلثي الأصول الأجنبية للبنك المركزي الروسي، ومنع روسيا من الوصول إليها.
وتقدر الصول الجنبية الروسية المجمدة بـ270 مليار دولار، في بنوك فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واليابان، بـ36.9 بالمائة، وهي التي فرضت عقوبات على روسيا.
فيما تحتفظ روسيا ب 21 بالمائة من هذه الاحتياطات، والصين بـ13.8 بقيمة 88 مليار دولار.
الاستيلاء على الأصول المالية لرجال العمال المقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. خاصة رئيس اكبر شركة مالية روسية هيرمان غريف وهو مقرب من الرئيس الروسي.
وفرض عقوبات على 328 عضوا من أعضاء مجلس الدوما الروسي. إضافة إلى حظر استيراد النفط الروسي في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة.
ناهيك عن حظر شركات الطيران الروسية من المجال الجوي لحلف الأطلسي، وعقوبات ضد العشرات من شركات الدفاع الروسية.
جيو-اقتصاد الطاقة
وردا على العقوبات الاقتصادية الغربية، رفعت روسيا بطاقة الطاقة في وجه الغرب وأوروبا تحديدا، التي تعتمد على روسيا بأكثر من 40 بالمائة من حاجات الغاز.
ولم تستطع أوروبا توقيف استيراد الغاز والنفط الروسيين. لذلك استغلت روسيا الفرصة وفرضت على الدول الأوروبية دفع مستحقات الغاز بالروبل الروسي بدل الدولار أو الأورو بداية من الفاتح أفريل 2022.
ويستهدف القرار الروسي استرجاع قيمة الروبل الروسي الذي تهاوى بفعل العقوبات الغربية، وإجبار الأوربيين على شراء العملة الروسية من جهة.
من جهة أخرى، يرى مختصون أن الخطوة تمهد لإنهاء التعامل بالدولار كعملة تداول عالمية، وبالتالي إنهاء النظام الاقتصادي الحالي المبني على الدولار.
هذا من شأنه أن يجعل الدولار يتهاوى خاصة وان دولا مثل الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية قررت التخلي عن الدولار في المعاملات البينية.
وبالتالي استطاعت روسيا بفضل استغلال ورقة الطاقة التخلص من تبعات العقوبات الاقتصادية الغربية. بل وجعلت تلك الدول في حالة غليان شعبي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة. وهو ما قد يهدد الأمن الداخلي للدول الأوروبية بالدرجة الأولى.
وربطاً بين ما أشرنا إليه أعلاه، استخدمت روسيا قطاعا تتحكم فيه أي قطاع الطاقة، لتحقيق مكاسب جيوسياسية في نزاعها مع اوكرانيا.