نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية دراسة تتوقع أن الترحيب الأوروبي باللاجئين القادمين من أوكرانيا، سيزول مع زيادة فترة الحرب، لأن التمييز الذي يقف وراء العداء للهجرة لا يقتصر على القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
استهل كاتب المقال، محمد إدريس، محاضر في الصحافة الرقمية بجامعة ستيرلنغ الأسكتلندية، بوصف مظاهر الترحيب الأوروبي باللاجئين الأوكرانيين.
تعاطف؟
وقال إن الناس في ألمانيا ينتظرون في محطات القطارات ليعرضوا على الأوكرانيين البقاء في منازلهم؛ وفي رومانيا، ويقود القرويون سياراتهم إلى الحدود لنقل اللاجئين إلى بر الأمان؛ وفي بولندا، تترك الأمهات عربات الأطفال في محطات القطار للأوكرانيين الذين قد يحتاجون إليها من أجل أطفالهم.
وأضاف إن الدول الغربية تبذل في الوقت الحالي قصارى جهدها لمساعدة اللاجئين، فعلى عكس السوريين، زودت أوروبا الأوكرانيين ببعض الوسائل للدفاع عن أنفسهم، وإن لم تكن كافية لتحمل الإجراءات الأكثر قسوة للجيش الروسي. وأشار التقرير إلى أن هذه مسألة ذات أهمية أكبر بكثير من “الشهامة” التي تظهر تجاه اللاجئين.
وأشار إلى أن الوقت عامل حاسم في قضية اللاجئين، إذ أن تطور الوضع في أوكرانيا وتكشف الأزمة الإنسانية بسرعة كبيرة، دفعا الأوروبيين للتصرف بدافع إنساني دون التمييز أو أيديولوجيا، وعاملوا اللاجئين الأوكرانيين كلاجئين وفقط.
سابقة
وأعتبر الكاتب أن هذه المشاهد تظهر الإنسانية في أفضل حالاتها، مشيرا إلى أنه ليس لدى الأوروبيين سوابق في الذاكرة الحديثة لمثل هذا الترحيب، باستثناء خريف عام 2015، عندما تحرك ضمير أوروبا لفترة وجيزة بعد أن انتشرت صور الطفل السوري آلان الكردين البالغ من العمر 3 سنوات، والذي جُرف جسده الميت على أحد الشواطئ التركية بعد إخفاق عائلته في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية.
وفي الأيام اللاحقة، تعهد العديد من القادة الأوروبيين بقبول عدد كبير من اللاجئين. كما ألهمت صورة هذا الطفل المتطوعين من جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة للإسراع إلى الجزر اليونانية لمساعدة اللاجئين الذين كانوا يصلون على شكل موجات.
وقال الكاتب إن هذا التعاطف المتدفق لم يدم طويلا بعد الهجمات المتعددة لتنظيم الدولة الإسلامية بباريس في نوفمبر من ذلك العام (2015)، حيث عادت المواقف الأوروبية إلى مناهضة الهجرة.
هوية مشتركة
وأكد إدريس أن العرق والألفة النسبية للثقافة هما عاملان في التعاطف الذي تلقاه الأوكرانيون أكثر من القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن الهوية ليست شيئا ثابتا، إذ لم تكن المسيحية والبياض دائما ضامنين لكرم الضيافة. ففي بريطانيا، لم تفعل العيون الزرقاء والشعر الأشقر سوى القليل لحماية البولنديين من العنصرية في العقد الأول من القرن الـ21. وفي عام 2010، تحول تركيز كراهية الأجانب إلى الرومانيين والبلغاريين.
ووفق ما قاله، فإن السلاف (سكان روسيا وشرق ووسط أوروبا وآسيا الوسطى) لم يُعاملوا دائما على أنهم “بيض” في الغرب.و في الواقع، وعد الدكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني بحماية الغرب الأبيض من السلاف. وحتى في الولايات المتحدة، كان الإيطاليون يتعرضون للتمييز على أنهم “متوحشون” و”أغراب”. وفي المملكة المتحدة، استمرت المشاعر المعادية لايرلندا منذ أيام شكسبير وحتى الوقت الحاضر، ولم تهدأ إلا بإبرام اتفاقية الجمعة العظيمة في 1998. وقال الكاتب إن هذه التصنيفات تعتمد على عدد لا يحصى من العوامل الأخرى.
تغير مواقف
وأضاف الاستاذ المحاضر أنه إذ لم تجد هذه الأزمة حلا سريعا ولم يتمكن الأوكرانيون من العودة إلى ديارهم، فسيرى الناس كيف يمكن تخفيض الأوروبيين مرتبة الأوكرانيين من لاجئين إلى مجرد “مهاجرين”وإذا حدث ذلك، فمن المرجح ألا يوفر لون بشرتهم حماية لهم.
وختم إدريس تقريره بالقول إن المساعدة الحقيقية الدائمة التي يمكن أن يقدمها الغرب هي منع الناس من أن يصبحوا لاجئين في المقام الأول، والخطوة الأولى الحاسمة في هذا الصدد هي إعادة الأمل، إما بحماية الناس من العدوان العسكري أو بمنحهم الوسائل لمقاومته.