تدخل العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية، في إطار حماية روسيا لأمنها القومي ضد التجاوزات الغربية. في حين أن العقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب ضد روسيا ستعود سلبا عليه نظرا لاختلاف النمط الاستهلاكي بين الطرفين، وهي تستهدف الشعوب لا الأنظمة. هذا ما أفاد ضيوف ندوة مركز الشعب للدراسات والبحوث من روسيا وألمانيا.
قال ليونيد سفين، كاتب سياسي ومحلل جيوبوليتيكي روسي ورئيس تحرير موقع جيوبوليتيكا روسيا، إن الاعلام الغربي يدعي أن العملية العسكرية الروسية تسببت في أزمات اقتصادية لأوكرانيا، ويظهر هذه الاخيرة على أنها ضحية لروسيا، بينما هي انعكاس لسيايات أمريكية. حيث عمد الغرب إلى استعمال أوكرانيا من أجل تنفيذ سياساته العدائية ضد روسيا.
أسباب
وقال سفين إن اسباب العملية العسكرية هو تعدي الغرب على روسيا وأمنها، رغم أنها كانت سباقة للعمل الدبلوماسي، لكن الغرب رفض كل طرق الحوار، واستمر في استفزاز روسيا.
وأضاف أن المخابرات الروسية كشفت عن تلقي اوكرانيا مساعدات أمريكية وجهت للاستعمال العسكري لتهديد الأمن الروسي. إلى جانب تطوير مجموعة من الأسلحة تهدد الأمن الروسي. حيث اكتشفت مخابر بيولوجية في كازاخستان وجوروجيا وخاركوف وكييف.
وقال إن تحركات أوكرانيا كانت سببا آخر في العملية، حيث تدخلت روسيا لمنع الإبادة العرقية ضد الروس في إقليم دونباس. لكن الإعلام الغربي يتبنى دعاية مغرضة بعيدة عن الواقع، في التعاطي مع أسباب الأزمة هناك.
وعزا سبب استمرار العملية العسكرية إلى عدم استجابة أوكرانيا للشروط الروسية بجعل أوكرانيا دولة حيادية.
وعاد المحلل الجيوبوليتيك إلى سنة 2014، صعدت حكومة موالية للغرب في اوكرانيا من خلال الثورات الملونة، وعدت معها ايديولوجية مصطنعة في أوكرانيا تتحالف مع صعود ايديولوجيات فاشية في أوروبا.
وتساءل عن جدوى القانون الدولي، الذي يغض الطرف عما يحدث في أوكرانيا، وتعطيله بعدم إرسال لجان تحقيق حول هذه التجاوزات والأفعال الوحشية لبعض القيادات الاوكرانية ضد الروس هناك.
وختم المتدخل بالقول “جب أن تبقى أوكرانيا دولة محايدة”.
خوف غربي
وأرجع هارلي شلانغر، نائب رئيس معهد شيللر في ألمانيا، وهو أمريكي الجنسية، أسباب الصدام بين الغرب وروسيا في اوكرانيا إلى سعي الغرب من خلال العقوبات الاقتصادية إلى منع التكامل بين أوراسيا وأوروبا الغربية. وعرقلة تطور الانظمة الاقتصادية والمالية لروسيا. وأكد ان من حق روسيا حماية أمنها.
خاصة وأن بعض الدول الغربية تبدي رغبة في التعاون مع روسيا، لاسيما ألمانيا التي تعاني الآن بسبب العقوبات الاقتصادية أزمة طاقة لأنها تستورد ألفي سفينة من الغاز الروسي.
وقال المتدخل إن العقوبات الاقتصادية ضد روسيا منافية للقانون الدولي، ووصفها بسلاح دمار شامل. واكد انها لا تخدم أوكرانيا ولن تؤثر على روسيا، هي مجرد حرب ضد الشعوب، كما حدث قبل هذا ضد أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا.
وبالنسبة لروسيا، أكد أنها لن تتضرر من العقوبات الاقتصادية لأن الشعب الروسي ليس لديه ثقافة استهلاكية، ولن يتضرر على عكس الشعوب الأوروبية التي تتميز ينمط استهلاكي كبير، وبالتالي فإن هذه العقوبات ستؤثر على الغرب بشكل أكبر. وقد لا يصمد الغرب نفسه امام العقوبات التي فرضها على روسيا.
خطر
وأضاف شلانجر أن الغرب يرمي أيضا لمنع التكامل الاقتصادي الروسي الصيني الذي يمتد إلى أوروبا الغربية، في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وهذا المشروع يزعج الغرب، خاصة بريطانيا وأمريكا لانهما من ترسمان النظام الاقتصادي العالمي. ووجود مشروع اقتصادي مواز لن يخدمها خاصة وأن الاقتصاد الغربي في حالة تآكل.
وأوضح أن أمريكا تعمد إلى جيوبوليتيكا التحريض بين الأمم لخدمة الاحادية القطبية واستمراراها. رغم رفض الأغلبية الساحقة من الدول لها، وهو ما ترجم في امتناع عدد من الدول على التصويت في الأمم المتحدة ضد قرار إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتوقع المتحدث أن ما يحدث في أوكرانيا هو بداية لحرب مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية قد تكون نووية.
تضليل إعلامي
وعن تأثير وسائل الإعلام على الرأي العام الغربي، خاصة في ألمانيا، قال شلانجر إن البروباغندا الغربية أثرت على الرأي العام الغربي وتسبب ذلك في هجمات ضد ممتلكات روسية في أوروبا. ورغم رفض الشعب الألماني الحرب لكن وسائل الإعلام نجحت في الترويج للفوبيا الروسية.
وعارضت الحكومة الألمانية إرسال مساعدات عسكرية لاوكرانيا، وقد عارضتها وسائل الإعلام التابعة للغرب والتي تتلقى تمويلها منه.
خطأ
من جهته، تطرق الدكتور سماعين جلة، باحث مستقل متخصص في العلاقات الدولية، إلى خطأ ارتكبته القيادة الأوكرانية، وعدم استغلال فرصة الحيادية، وقال إنه كان يمكن لأوكرانيا في حال التزام الحياد ان تستفيد من التعاون بين مختلف الطراف ويعود ذلك عليها بالنفع.
وهو ما سعى إليه يانكوفيتش في 2014 عندما عدل الدستور الأوكراني الذي يقر بالوضع الحيادي لأوكرانيا.
ومع مجيئ زيلنسكي، الرئيس الحالي، أراد أن ينضم إلى الناتو بكل الطرق، ولم تكن امامه إلا أن يحول أوكرانيا غلى فضاء للمناورات العسكرية الأطلسية، من خلال صيغة التشغيل البيني للعمليات العسكرية، التي تستهدف روسيا.
وتناول الباحث أيضا مصير حلف الناتو، فأشار إلى ثلاث نزعات حول ذلك، النزعة الأوروبية، التي ترى أن الناتو وجد لجماية اوروبا الغربية بالأساس ولا يجب ان يمتد إلى دول أوروبا الشرقية، خاصة بعد زوال التهديد السوفييتي، وعليه أن يتكيف وادواره الجديدة في مكافحة التهديدات الجديدة.
والنزعة الأطلسية التي تقودها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وترى ضرورة استمرار الحلف. ثم النزعة النيوأطلسية، التي ترى بقاء الحلف لكن في شكل تكامل مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي.