ما هي نقاط التوتر الاعلى في المشهد الدولي الحالي:
1- الصراع على الوضع الدولي لأوكرانيا (استقلالها، وحدة أراضيها، الانضمام لحلف النيتو، وتبعات الإرث السوفييتي القديم)، يدور الصراع مع روسيا المتكئة على معاهدة الامن الجماعي لمواجهة حلف النيتو.
2- الصراع على مستقبل تايوان (هل تبقى دولة مستقلة ذات سيادة رغم تخلي اكثر من 94% من دول العالم عن الاعتراف بهذا الاستقلال) أم يتم اعادتها لحضن الدولة الأم (الصين الشعبية) بالطرق السلمية، على غرار ما جرى مع هونغ كونغ ومكاو أو الذهاب لخيار القوة القسرية.
3- التطاحن الاسرائيلي الإيراني “التركي” على منطقة الشرق الاوسط، وكل منها يسعى لتطويق الآخر بكل الوسائل او توظيفه تكتيكيا..
4- ذيول عقد الاضطراب العربي من 2010 الى 2020 تقريبا، وما ترتب عليه من محصلة تراجع في 413 مؤشرا من مؤشرات المكانة الدولية العربية بمعدل 47.6% خلال العقد الماضي.
5- استمرار التطوير في البرنامج النووي الكوري الشمالي، بعد ضمان خضوع العالم لامتلاكها السلاح النووي، وما يترتب على ذلك من تداعيات في الشرق الآسيوي.
6- الاضطراب الاقتصادي: تقدر أغلب التقارير المتخصصة ان كورونا أدت الى انخفاض معدل النمو الاقتصادي في إجمالي الناتج المحلي العالمي بمعدل 4.5% ، وهو ما يساوي 2.96 تريليون دولار.
مستوى الاستقرار السياسي في العالم
لو اعتمدنا مقياس مؤشر التدخل الخارجي (وهو مقياس يبدأ من صفر ويعني الدول الاقل تدخلا خارجيا في شؤونها الى ،10 وهي الدول التي عرفت أعلى تدخل خارجي في شؤونها مع الاخذ في الاعتبار ان الوجود العسكري الاجنبي القسري هو الاعلى في المؤشرات الفرعية)، سنجد النتائج التالية لعام 2021:
أ- هناك 97 دولة جرى فيها تدخل خارجي بمعدل 5 فما فوق.
ب- كانت فلسطين هي المنطقة الأعلى في العالم في مستوى التدخل الخارجي في شؤونها وبمعدل 10 (اي اختراق تام).
ت- توزعت الدول العربية من حيث مستوى التدخل الخارجي في شؤونها على النحو التالي:
4- دول من 9 الى 10 وهي فلسطين وسوريا وليبيا واليمن.
4- دول من 8 الى 9 وهي لبنان والصومال والسودان والعراق.
– ليس هناك اي دولة بين 7 الى 8
4-دول من 6 الى 7 وهي موريتانيا ومصر والاردن وقطر.
3- دول من 5 الى 6 هي البحرين والمغرب وتونس.
5- دول وقعت دون الخمسة وهي بقية الدول العربية.
هذا يعني أن 15 دولة عربية تقع في خانة التدخل الخارجي بين 5 الى 10، وتشكل حوالي 80% من مجموع سكان العالم العربي.
ما دلالة ذلك؟
إن العالم يعيش ثلاث مستويات من الأزمات:
أ- ازمات بين القوى العملاقة وتحديدا بين أمريكا وكل من روسيا والصين، وهي قوى عقلانية تحسب قراراتها “ببيض النمل” كما يقول لينين، وتعمل بعيدا عن الانفعال وردات الفعل المتسرعة، وهي تدرك أن المواجهة المباشرة بينها سيؤدي الى نتائج لا تستطيع اي منها تحملها، فهذه الدول العملاقة قادرة –في حالة المواجهة الشاملة – على تدمير الكرة الأرضية كاملة (طبقا لتقديرات كوزنتسوف) حوالي 48 مرة.
وعليه فان هذه الدول ستستثمر الازمات في المستويين الآخرين للتأثير على بعضها البعض دون المواجهة العسكرية المباشرة، رغم التهديدات المتبادلة بخلاف ذلك، أي العمل من خلال حروب الإنابة، أو الدفع باتجاه التأزيم بين القوى العملاقة للحفاظ على بعض هياكل النظام الدولي ثنائي القطبية وتوظيفها كما هو الحال في التنازع الصامت داخل النيتو.
ب- مستوى الازمات الاقليمية المستعصية مثل أزمات الشرق الاوسط، وهي منطقة يغلب عليها مستوى استبداد هو الاعلى عالميا، ومستوى غرائزية في اتخاذ القرارات الى حد غير معقول، الى جانب توفر مرافق التدخل الأجنبي فيها لتوظيفها لصالح القوى الكبرى، ناهيك عن الدور الحاسم للمؤسسات العسكرية في اتخاذ القرار السياسي، وهو ما يجعل هذه المنطقة هي الاكثر قابلية لمزيد من التأزم.
ت- مستوى الأزمات الاقتصادية، وهنا يظهر بشكل واضح الفرق في مستويات العمل الاداري في دول العالم، بخاصة من يستطيع الحفاظ على ضبط معدلات النمو الاقتصادي من ناحية وتوظيف المناطق الغرائزية لصالحه من ناحية ثانية، ويدير شبكة علاقات عامة مع القطاع المدني الدولي من ناحية ثالثة.
بالمقابل، فان هناك دولا صغيرة من مناطق مختلفة يمكنها استثمار التطاحن بين القوى الكبرى، فهناك دول نجحت ولو بمستويات مختلفة في استغلال ذلك لصالحها، مثل اسرائيل وتركيا وايران وكوريا الشمالية وأوكرانيا وتايوان، بينما هناك دول تعيد تكرار نموذج “ثور الساقية” الذي يدور في نفس الحلقة ظنا منه أنه يتقدم الى الأمام، وهي سمة واضحة في مجتمعات “الأعراب”، وقد ناقش Paul Rivlin and Shmuel Even في دراستهما Political Stability in Arab States الترابط بين لاعقلانية إدارة المتغيرات الاقتصادية ولاعقلانية التداعيات السياسية لذلك، لاسيما في مجتمع لا تتضح له الفواصل بين العلم والخرافة.