شكلت القارة الأفريقية محور اهتمام قوى دولية كبرى وصاعدة في السنتين الأخيرتين. حيث تسابق الكبار على عقد قمم ثنائية مع القارة ظاهرها مساعدة القارة، لكن باطنها منافسة شديدة على مقدراتها.
آخر القمم حول أفريقيا، جرت في إسطنبول التركية. وأعلن الرئيس الأمريكي الشهر الماضي عن عقد قمة أفريقية أمريكية السنة المقبلة، وتنوي أوروبا عقد قمة ثنائية مطلع 2022.
قمة روسيا أفريقيا فوائد وإسقاط ديون
عقدت روسيا القمة الروسية الأفريقية في 23 أكتوبر 2019 في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود القمة والمنتدى الاقتصادي “روسيا-أفريقيا” بمشاركة نحو 40 رئيس دولة وحكومة أفريقية.
واستهدف الحدث قضية واحدة هي: تنمية التعاون بين موسكو والدول الأفريقية،
وتعمل موسكو منذ سنوات على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي مع دول القارة السمراء.
وأسفرت القمة الأفريقية الروسية المنعقدة العام 2019، بسوشي الروسية، عن ابرام روسيا والدول الأفريقية اتفاقيات تقدر قيمتها بنحو 12.5 مليار دولار أمريكي. وشطبت ديونا بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على الدول الأفريقية لصالح روسيا. في خطوة تهدف لتخفيف أعباء الديون على كاهل الدول الأفريقية.
وقدر التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية العام الماضي بنحو 20 مليار دولار. ويبلغ عدد الاتفاقيات والمذكرات والعقود التي وقعتها روسيا مع الدول الأفريقية أكثر من 50 وثيقة”.
ونص البيان الختامي للقمة على “إسحداث آليات للحوار بين روسيا وإفريقيا في مجالات التعاون السياسي والأمني والاقتصادي والتجاري والقضائي والعلمي والتقني والإنساني والمعلوماتي، إلى جانب آلية للتعاون البيئي”.
وأكد البيان الختامي للقمة عزم روسيا والدول الإفريقية على الإسهام في السلم والأمن الدوليين. وإقامة نظام للعلاقات الدولية أكثر عدلا وإنصافا يقوم على مبادئ احترام السيادة والوحدة الترابية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وتدعم روسيا في إطار هذه الوثيقة الأهداف التي حددتها الدول الإفريقية في برنامجها الاجتماعي والاقتصادي “أجندة 2063” المعتمد في جانفي 2015. وتلك المتعلقة بأجندة 2030 للتنمية المستدامة، التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2015.
الصين-أفريقيا
عقدت الصين وأفريقيا قمما دوريا كل ثلاث سنوات. آخرها شهر نوفمبر الماضي. وتناولت القمة تعزيز التعاون الأفريقي الصيني في مواجهة الأزمات العالمية على غرار “كوفيد-19″، وتغير المناخ، واستكشاف آفاق جديدة للعلاقات التجارية بين أفريقيا والصين التي فتحتها منطقة التجارة الحرة القارية.
وتولي الصين أهمية بالغة لأفريقيا، القارة البكر، من خلال برنامج منتدى التعاون الصيني الأفريقي، وفق آليات متابعة على ثلاث مستويات هي:
المؤتمر الوزاري يعقد كل ثلاث سنوات، يُعقد اجتماع متابعة كبار المسئولين والاجتماع التحضيري لكبار المسئولين للمؤتمر الوزاري على التوالي في العام وقبل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر الوزاري
يعقد المؤتمر الوزاري واجتماع كبار المسئولين بالتناوب في الصين ودولة أفريقية. حيث ترأس الصين والمضيف الأفريقي الاجتماعات ويقودان تنفيذ نتائج الاجتماعات.
ويحضر المؤتمر الوزاري وزراء الخارجية والوزراء المكلفون بالتعاون الاقتصادي الدولي
تعقد المشاورات بين السلك الدبلوماسي الأفريقي في الصين والأمانة العامة للجنة المتابعة الصينية مرتين في السنة على الأقل.
وأبعد من ذلك رقيت المؤتمرات الوزارية إلى قمم منتدى التعاون الصيني الأفريقي. إلى جانب عقد مشاورات بين وزراء خارجية الصين والدول الأفريقية على هامش دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعقد خلال العام التالي لكل مؤتمر وزاري.
تركيا تلتحق
عقدت تركيا قبل يومين القمة الآفرو-تركية، هي الثالثة من نوعها في ظرف 13 عاما. وحملت القمة الأخيرة شعار “الشراكة المعززة من أجل التنمية والازدهار معاً”.
وقال الرئيس التركي طيب رجب اردوغان: “نجدد قولنا إن العالم أكبر من 5”. وكشف أن تركيا تجهز مشاريع اتفاقيات مع دول أفريقيا لفتح آفاق جديدة من العلاقات.
وتوجت أشغال القمة التي اختتمت السبت بإسطنبول التركية بيان برنامج عمل للفترة 2022-2026.
وتضمن البرنامج عددا من المحاور تتعلق بإرساء السلم في القارة الإفريقية. وتكثيف الاستثمارات والمبادلات التجارية، وتطوير التجارة مرورا بترقية الموارد البشرية والتكوين.
وتعتزم تركيا في إطار سياستها الأفريقية التي تمتد إلى 20 سنة ماضية، بدء مرحلة جديدة في العلاقات بين الاتحاد الإفريقي والبلدان الإفريقية، خاصة ما تعلق بمنطقة التبادل الحر الإفريقية.
وتطمح لأن تصبح “مدافعا عن صوت” إفريقيا، عبر تبني مواقف في صالح القارة والدفاع عن مواقف البلدان الافريقية في مختلف المحافل الدولية، واللقاءات عبر العالم، دون اغفال التعاون الاقتصادي الوثيق عبر مبادلات تجارية مكثفة واستثمارات واسعة النطاق تضاف إليها المساعدات الإنسانية للشعوب الإفريقية.
في هذا الصدد جددت تركيا دعوتها من أجل إصلاح مجلس الأمن الدولي مع التشديد على “تعزيز تمثيل البلدان الإفريقية في هذه الهيئة الأممية”.
مزاحمة أمريكية وأوروبية..
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن قمة بين الاتحادين الأفريقي والأوروبي ستعقد بين 17 و18 فيفري 2022، في بروكسل. وتتزامن القمة والرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي بدءا من الفاتح جانفي 2022. وتقعد القمة من أجل “إصلاح جذري” للعلاقة “المتعَبَة قليلاً” بين القارتين.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق، إنه يتعبن على الاتحاد الأوروبي “إعادة تأسيس عقد جديد اقتصادي ومالي مع إفريقيا”. وأضاف أنه على “أوروبا أن تعتمد في الهيئات الدولية استراتيجية مشتركة مع إفريقيا”، فضلا عن تطبيق “أجندة في التعليم والصحة والمناخ”.
وأضاف أنه يريد أن يجعل العلاقة الأمنية بين فرنسا ومنطقة الساحل في غرب أفريقيا، شأنا أوروبيا. وطالب الاتحاد الأوروبي بتحديد استراتيجية دفاعية جديدة من شأنها تعزيز قوته للدفاع عن نفسه، وأكد في مؤتمر صحفي الشهر الماضي “لدينا تهديدات مشتركة وأهداف مشتركة أيضا”.
مواجهة مع الصين
من جهته، أعلن وزير الخارجية الامريكية أنتوني بلينكن، عن عزم الرئيس جو بايدن عقد قمة أفريقية أمريكية السنة المقبلة، في زيارة قادته إلى عدد من الدول الأفريقية الشهر الماضي. وزير الخارجية الأمريكي، الأربعاء الماضي.
وجاءت زيارة بلينكن، الأولى إلى إفريقيا في أعقاب محادثات المناخ في قمة (كوب26) في جلاسجو، حيث دعت الدول الأشد فقرًا الحكومات الثرية إلى عمل المزيد لمساعدتها في مكافحة تغير المناخ.
وقال بلينكن في تصريح له من نيجيريا يوم 19 نوفمبر إن “الاستثمار الصيني في أفريقيا هو شيء جيد من حيث المبدأ، ولكن لا ينبغي أن تصبح الدول مثقلة “بديون ضخمة لا تستطيع سدادها”، مضيفا أنه “ينبغي أيضا تطبيق مبادئ حقوق العمال وحماية البيئة وضمانات ضد الفساد”. ولعل هذا التصريح يلخص سبب الاهتمام الأمريكي بالقارة بعد ان كان توجهه نحو الشرق الأدنى آسيا والباسيفيكي.
ماذا بعد؟
تبقى أفريقيا قارة بكرا، تزخر بموارد طبيعة قد يندر وجودها في منطقة أخرى من العالم. ثروات من اليورانيوم الذي تحتاجه كثير من الدول لتوليد الطاقة النظيفة، أو إنتاج أسلحة، والبترول المورد الذي لا غنى عنه، رغم اكتشافات مصادر الطاقات المتجددة والتحول حوها، إلى المعادن النفسية التي تستولي عليها دول بعينها وشكلت منها احتياطات ذهب مهولة. وصولا إلى الأتربة النادرة، التي تنبني عليها منتجات التكنولوجيا اليوم.
وتفتقر القارة إلى البنى التحتية ومختلف مظاهر النمو والتنمية، وهي مجالات تسيل لعاب استثمارات الدول المهتمة بأفريقيا، وهو ما يعود عليها بثروات طائلة.
وعلى صعيد آخر، تعتبر أفريقيا سوقا واعدة متزايدة الطلب على مختلف السلع والخدمات، التي توفرها الدول المتقدمة.
أما جيواستراتيجيا فتحتوي أفريقيا على أهم المضايق البحرية التي تربط القارات الثلاث وتربط الشرق بالغرب. ومن يسيطر عليها يسيطر على التجارة الدولية.