تدور الدراسة حول ما يحدث في ليبيا منذ 2011 بعد موجة الاحتجاجات ضد نظام معمر القذافي وتدخل حلف الناتو بذريعة حماية المدنيين الليبيين من العنف المسلط عليهم من قبل النظام الليبي، مستغلا قرار مجلس الأمن رقم 1973 القاضي بفرض حظر جوي في بنغازي من وضع أجل حماية المدنيين. غير أن الدول المشاركة سرعان ما أظهرت نيتها في إسقاط نظام القذافي، والذي تم واقعيا بعد قتله من طرف الليبيين الثائرين في أكتوبر 2011.
البروفيسور مسيح الدين تاسعديت
علوم سياسية وعلاقات دولية، المدرسة العليا للعلوم السياسية (الجزائر).
مديرة مخبر بحث: تحليل السياسات الشرق أوسطية.
كانت النتيجة تحول الأوضاع بليبيا إلى فوضى عارمة وحرب أهلية غذتها القبلية والعشائرية إلى جانب مخازن الأسلحة التي تم إفراغها غداة مقتل القذافي، ومما زاد الوضع سوء هو تدخل القوى الإقليمية والدولية سيما بعد انطلاق عملية الكرامة ثم عملية فجر ليبيا سنة 2014، والخلاف بين المجلس الوطني الانتقالي، ومجلس النواب بطبرق.
وقد اصطفت القوى الإقليمية والدولية لدعم أحد المحورين. فالإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا من جهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أما قطر والتحقت بها تركيا في ديسمبر 2019 فتقفان على المحور المناقض. والواقع أن تدخل القوى الإقليمية والدولية في ليبيا قد حولها إلى مسرح للحرب بالوكالة، وانتشار المرتزقة مما يجعل عملية إحلال السلم وبنائه صعب المنال.\
مقدمة
عرفت المنطقة العربية مطلع سنة 2011 العديد من الاحتجاجات الشعبية التي سعت للإطاحة بالأنظمة التي استأثرت بالحكم لمدة طويلة، حيث انطلقت الموجة من تونس مرورا بمصر إلى ليبيا وسوريا واليمن، غير أن مخرجات تلك الحركات لم تكن متماثلة لاسيما بالنسبة للحالة الليبية حيث انحرف مسار المطالبة بالتغيير في ليبيا من المظاهرات والاحتجاجات السلمية إلى استعمال العنف المسلح بعد رد عنيف من طرف نظام معمر القذافي لردع المحتجين وإيقاف حركتهم. وبعد أسابيع من المظاهرات والقمع أعلنت كل من المحكمة الجنائية الدولية ومنظمة الصحة العالمية وهيئة الأمم المتحدة أن المدنيين في ليبيا كانوا في حالة الخطر الأعظم، ونادت بضرورة حمايتهم، وهو السبب الذي أدى إلى إصدار مجلس الأمن لقرارين متتاليين بخصوص الأوضاع في ليبيا أفضيا في النهاية إلى تدخل حلف الشمال الأطلسي بحجة حماية المدنيين، غير أنه سرعان ما انحرف عن هذا الهدف المعلن وساهم بشكل مباشر وعنيف في إسقاط نظام معمر القذافي في شهر أكتوبر 2011.
ورغم ما كانت تقتضيه الأوضاع في ليبيا من مرافقة من أجل دخول إعادة البناء ومناشدة الحكومة الانتقالية آنذاك بقاء الحلف حتى استتباب الأوضاع، إلا ان الحلف انسحب في 30 أكتوبر تاركا ليبيا في وسط فوضى عارمة. وقد آلت الأوضاع إلى مأزق أمني حقيقي بفعل التنافس بين الفواعل المختلفة على السلطة وغياب مؤسسات سياسية وأمنية قادرة على العودة للحياة الطبيعية مما أدى إلى دوامة من العنف انتشرت فيها الفواعل الأمنية، والأسلحة الفتاكة، وانقسمت السلطة السياسية تبعا لذلك مما أدى إلى تدخل القوى الإقليمية والدولية في النزاع الداخلي الليبي بما يخدم أجنداتها، مما حول ليبيا إلى أرض للحرب بالوكالة وانتشار التنظيمات المسلحة والمرتزقة.
1- تدويل القضية الليبية
في ظل مناداة الهيئات السالفة الذكر وأخرى كالجامعة العربية وبعض الدول العربية وإصدار العديد من الفتاوى بضرورة وقف إراقة دماء الليبيين جاء قرار مجلس الأمن رقم “1970” في 26 فبراير 2011، القاضي بفرض حظر على الأسلحة، وتجميد الأصول ومنع سفر عدد من أعضاء القيادة الليبية*. وهو القرار الذي لقي تأييدا كبيرا من قبل دول كثيرة على غرار دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأدت مواصلة القذافي لأعمال العنف وحملته للقضاء على “المتمردين” إلى إصدار مجلس ا لأمن “القرار 1973” في 17 مارس 2011 من أجل حماية المدنيين في حالة الخطر الأعظم، والذي “قرر فرض حظـر علـى جميـع الـرحلات الجويـة في المجال الجـوي للجماهيريـة العربية الليبية من أجل المساعدة على حماية المدنيين”1 ، وشدد على فرض حظر الأسلحة وحظر السفر وتجميد الأصول.
غير أنّ القرار وظفته كل من الولايات المتحدة، وفرنسا وبريطانيا لإشهار حق التدخل في ليبيا في حملة جوية بقيادة حلف الشمال الأطلسي ( الناتو) ضد الحكومة الليبية والأهداف العسكرية التابعة للنظام.2 ورغم تبرير هذا التدخل بحماية المدنيين أو ما أطلق عليه مسؤولية الحماية*، إلا أنه سرعان ما أبان عن النوايا الحقيقية للدول الغربية وعلى رأسها فرنسا، حيث وفر غطاء جويا للثوار للسيطرة على المنطقتين الشرقية والغربية من البلاد، مما أضعف القدرات العسكرية لنظام القذافي، وحولت هدف القرار من حماية للمدنيين إلى إسقاط نظام القذافي، حيث قصفت قوات التحالف بشكل مكثف أهدافا خارج مجال تفويض مجلس الأمن بنية واضحة لقتل الرئيس الليبي، لتقوم فرنسا بالتعاون مع الولايات المتحدة بعملية المراقبة على القذافي الذي كان يحاول الفرار فتم ضرب قافلته3، وترك أمر قتله للمتمردين في 21 أكتوبر 2011.
وبعدها مباشرة صوتت الأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2011 على إنهاء مهمة الحلف الأطلسي والتدخل الدولي في ليبيا رغم مناشدة الحكومة الانتقالية بقاء الحلف إلى نهاية سنة 2011. وبذلك لم تكتمل مسؤولية الحماية التي تقتضي المساهمة في إعادة البناء** تاركة ليبيا تصارع مع القدر، مما أكد أن التدخل العسكري كان مجرد وسيلة للحفاظ على مصالح القوى المتدخلة خاصة ما تعلق منها بزيادة استثماراتها في قطاع النفط الليبي.
2-من الاحتجاج إلى الحرب الأهلية
ورثت ليبيا بعد مغادرة الناتو أوضاعا أمنية وسياسية جد صعبة، حيث صار المجلس الوطني الانتقالي الذي تأسس ببنغازي في أعقاب الاحتجاجات في 27 فيفري 2011 الحكومة الفاعلة ابتداء من 3 مارس 2011، والذي كان يرمي إلى تأسيس حكومة ليبية، فوضع خطة لمدة 18 شهرا من المرحلة الانتقالية، تخللها الإعلان الدستوري في 3 أوت 2011. لكنه كان ضعيفا بسبب استشراء الفساد وسيادة الإبتزاز من قبل الجماعات المناضلة مما شكل سابقة خطيرة لكل من كان يطمح لوظائف حكومية.
وقد جرت أول انتخابات برلمانية منذ 1969 في 7 جويلية 2012 أفضت إلى هيئة المؤتمر الوطني العام General National Congress الذي أريد منه تسيير شؤون البلد حتى الانتهاء من الدستور وإجراء انتخابات برلمانية. وقد شمل مخطط المقاعد فيه التمثيل النسبي للإسلاميين بما فيهم السلفيين والإخوان المسلمين، والقوات الوطنية المعتدلة التابعة لمحمود جبريل، والأحرار. غير أن سن المؤتمر الوطني العام في 5 ماي 2013 لقانون العزل السياسي ضد كل من تقلدوا وظائف في عهد القذافي والتصويت عليه بأغلبية الأعضاء في ديسمبر 2013 شكل بداية التشكيك في المجلس ومعارضة الأطراف ذات النفوذ ممن كانوا مسؤولين سابقين في عهد القذافي.
وقد بدا الخلاف واضحا بعدما قرر المؤتمر الوطني العام تمديد عهدته بعدما كان مقررا انتهاءها في شهر فيفري 2014 لوقت لاحق، مما دفع المشير خليفة حفتر إلى إعلان حل المؤتمر، وانطلاق عملية الكرامة Operation Dignity في ماي 2014 بغرض استئصال الإسلاميين من بنغازي. كما أشرف على إجراء انتخابات برلمانية في جوان 2014 انهزم فيها الإسلاميون، أفضت إلى تأسيس مجلس النواب. وكرد فعل انطلقت عملية فجر ليبيا Libya Dawn في 13 جويلية 2014من أجل دعم المؤتمر الوطني العام، و منع تأسيس مجلس النواب بطرابلس ولجأ إلى طبرق في نوفمبر 2014. لكن سرعان ما أعلنت المحكمة الليبية العليا أن مجلس النواب غير شرعي، ليبدأ الصراع المسلح بين جبهتين الأولى بقيادة المؤتمر الوطني العام المدعم من طرف الأمم المتحدة، والأخرى بقيادة برلمان طبرق يدعمها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.
ورغم اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 وتشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج إلا أنّ الصراع بين الجبهتين لم ينته، إذ رحب مجلس النواب بطبرق بالحكومة في بداية الأمر مع انتقاداها وبشدة من قبل المؤتمر الوطني العام واعتبارها منحازة لمجلس النواب بطبرق، لكن سرعان ما صار الأخير ينتقد حكومة الوفاق بل وينافسها في حكم البلاد وذلك منذ صيف 2016، ثم دعا إلى انتخابات جديدة في مارس 2018. وانهار التعاون مباشرة بين الطرفين لتدخل حكومة الوفاق معترك الصراع مع خليفة حفتر بعد سيطرة مليشيات سرايا الدفاع عن بنغازي على منشآت نفطية في خليج سدرة كانت تابعة لمجلس النواب والجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، ورغم تعدد الاجتماعات والضغوط الدولية على الجبهتين المتنازعتين من أجل الاتفاق وإجراء الانتخابات إلا أن النزاع بقي متواصلا وعميقا بفعل تداخل الفواعل الداخلية والخارجية.
3- الحرب بالوكالة في ليبيا
أدى التدخل الدولي في ليبيا إلى فراغ مؤسساتي تخلله تنازع القوى السياسية على السلطة. كما أنتج حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، وأوجد مناخا مناسبا لتأسيس فرع مغاربي لتنظيم “داعش”، وخلق فراغا ملأته ميليشيات مسلحة من أعراق مختلفة، فساد انعدام الأمن في أرجاء البلاد في ظل عجز الأطراف السياسية عن نزع سلاح الميليشيات المتمردة، مما قوّض مساعي الأطراف السياسية الرامية إلى إعادة بناء الدولة الليبية والنهوض بمؤسساتها السياسية.
أ- القوى الليبية المتصارعة:
دخلت ليبيا منذ سنة 2014 مسرح الحرب الأهلية بين جبهتين أساسيتين ولكنهما تحملان بين طياتهما العديد من القوى
حيث تتوزع وتنشط تحت عدد من التسميات منها:
– قوات عملية الكرامة: وهي تضم مجلس النواب بطبرق، وغالبية الجيش الوطني الليبي4، والمجموعات التي تقاتل مع اللواء خليفة حفتر وأغلب عناصرها من قبائل الشرق، وهي مجموعات تقاتل ضد مجلس شورى ثوار بنغازي وضد ثوار درنة، ويقود جيش حفتر قادة عسكريين ممن كانوا في جيش القذافي.
– قوات عملية فجر ليبيا: وهي تشكيلة مكونة من الثوار لائتلاف 23 مدينة ليبية، تمكنت من السيطرة على العاصمة، وبسطت نفوذها على معظم غرب البلاد، كانت موالية لحكومة الإنقاذ5، ثم حكومة الوفاق الوطني. تشرف عليها قوات من مصراتة كأكبر فرقة نتجت عن احتجاجات 2011.
– الحرس الرئاسي وقد شرعت بتشكيله حكومة السراج، والحرس الوطني الذي أنشئ بناء على قرار سابق للمؤتمر الوطني.
– كتائب الطوارق في الجنوب الليبي: وهي كتائب مسلحة موالية لحكومة الوفاق الوطني تحرس الحدود الجنوبية مع تشاد ومالي. كثيرا ما تحالفوا مع عملية فجر ليبيا
– كتائب التبو Tubu: المدعمة من طرف فرنسا وتشادن تدعم عملية الكرامة.
– مجلس شورى الشباب الإسلامي: ويفرض رقابته على درنة منذ الأيام الأولى للثورة ثم أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة في أكتوبر 2014.
– تنظيم أنصار الشريعة: جماعة متطرفة تراقب أجزاء من بنغازي وبالقرب من أجدابيا وتقاتل ضد قوات حفتر
– جيش القبائل: يتكون من الموالين السابقين للقذافي ويقدم الدعم لخليفة حفتر كما يتلقى دعم مصر، خاصة إذا علم أنه تأسس في مصر من طرف ابن عم الرئيس الراحل معمر القذافي، وهو أحمد قذاف الدم. ويقاتل في منطقة الغرب الليبي.
وتلخص الخريطة رقم 1 مناطق السيطرة للفواعل المتقاتلة كما تم ذكره أعلاه.
الخريطة رقم 1: منا طق نفوذ القوات المتنازعة في ليبيا
ب- القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع:
أمام انقسام الجبهة الداخلية صار المجال مفتوحا أمام لاعبين إقليميين للدخول في معترك الصراع الليبي على غرار مصر وقطر والإمارات وتركيا الأمر الذي أفضى إلى تأزم الوضع في ليبيا وتعقيد مسار المصالحة بين أطراف الصراع. وبهذا تحولت ليبيا إلى بؤرة صراع إقليمي ودولي ضمن حرب بالوكالة. والواقع أن الأطراف الإقليمية والدولية انقسمت إلى جبهتين أساسيتين، تدعم الأولى خليفة حفتر في حين تناصر الثانية حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، وهما تتنافسان على التأثير الأكبر في الحرب الأهلية الليبية، ولكل منهما قواتها وأدواتها الخاصة التي تدعم بها مختلف الوحدات المتحاربة كالاستخبارات والتدريب والأسلحة.7
وكانت النتيجة أن سجلت المرحلة الممتدة من 2012 إلى 2020 ما قدر بـ” 4349 ضربة جوية منها 1863 منذ شهر جوان 2018 فقط، وقد خلفت هذه الضربات الجوية ما بين 1820 و2440 ضحية من المقاتلين وغير المعروفين وما بين 611 و899 من المدنيين إضافة إلى سقوط ما بين 871 و1384 جريح في صفوف المدنيين”8
القوى المدعمة للجيش الوطني الليبي:
– الإمارات العربية المتحدة:
قدمت الإمارات العربية الدعم المادي المباشر إلى الجيش الوطني الليبي لتقويض حركة الإخوان باعتبارها -حسبها -تهديدا للسياسة الليبية والاستقرار الإقليمي، وهو في الواقع خوف على الملكيات. وبلغ حد تدخل الإمارات العربية المتحدة شن غارات جوية على قوات عملية فجر ليبيا في أوت 2014 بنواحي طرابلس انطلاقا من قاعدة جوية مصرية. أما دبلوماسيا فقد استضافت الإمارات اجتماعا مهما بين “خليفة حفتر” و”فايز السراج” في ماي 2017.9
ولم تتوان الإمارات في شن ضربات جوية سواء بالتعاون مع قوات حفتر أو لوحدها 131 هجوما مخلفة 185 قتيلا 10 من المدنيين. فمنذ جوان 2018 قامت الإمارات بـ67 ضربة جوية بالتعاون مع الجيش الوطني الليبي، كانت منها 35 غارة جوية سنة 2020 قبل شهر فيفري، وضربة جوية منفردة.
– مصر :
تقف مصر لاسيما بعد الإطاحة بحكم محمد مرسي إلى جانب قوات خليفة حفتر وحكومة طبرق، وقد دعمت القوات الجوية الليبية بمقاتلات Mig 21 والعتاد الحربي، مع إعادة فتح القاعدة الجوية عقبة بن نافع، إضافة إلى تقديم 4 طائرات سوخوي SU30 في جانفي 2015. وبلغ عدد الضربات الجوية المصرية ضد المناضلين على حدودها- بالتعاون مع قوات المشير حفتر و منفردة- ما يعادل 42 هجوما.
ويقع تحرك مصر في النزاع الليبي من دافع إيديولوجي بالدرجة الأولى، فبعد الإطاحة بحكم الإخوان بمصر تخشى الأخيرة احتلال الإخوان للمؤتمر الوطني الليبي واستخدامه لخلق الاضطراب، كما تخشى من تقوية الجماعات السلفية الناشطة في شمال سيناء المصرية، حيث تمثل حدود مصر الغربية مع ليبيا، الممتدة لمسافة 1115 كيلومترا – مصدر قلق وتهديد دائم للسلطات المصرية، بوصفها ممرا رئيسيا لتهريب الأسلحة والمخدرات11 فضلا عن تسرب المسلحين وأعضاء الحركات الاسلامية المتطرفة.
كما أن لمصر- حسب تقرير لمنظمة الهجرة الدولية في عام 2010- نحو مليون ونصف عامل في قطاع النفط الليبي منذ عهد القذافي إذ بلغ مجموع تحويلاتهم المالية نحو 33 مليون دولار أمريكي سنويا. فهي اليوم تسعى لضمان أمنهم سيما بعدما أضحوا عرضة لعمليات الاختطاف والهجوم بليبيا. وللإشارة كانت ليبيا شريكا تجاريا مهما لمصر قبيل الإطاحة بنظام العقيد القذافي حيث تشير دراسة نشرها مركز الدراسات الدولية في إيطاليا ISP إلى أن نسبة الصادرات المصرية إلى السوق الليبية قد انخفضت بنسبة 75 في المئة في عام 2015.
وتطمح مصر أيضا لأن تلعب شركاتها دورا كبيرا في إعادة إعمار ليبيا بعد استقرارها، وللحصول على النفط والغاز الليبي بأسعار منخفضة بما يساعدها في حل مشكلة الطاقة المتفاقمة لديها بعد أن أصبحت بلدا مستوردا للطاقة وتدين لشركات الطاقة بما لا يقل عن ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار.
– السودان:
تتواجد السودان بمئات المقاتلين و100 مركبة عسكرية وينتمي أهم المقاتلين لحركة وجيش تحرير السودان، والمجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة السودانية، ويوفق عدد المقاتلين السودانيين 300 مقاتل يتواجدون بأم الأرانب، والقطرون وسبها ومحيط الكفرة وصولا إلى مناطق الجنوب حيث الهلال النفطي وبالتحديد منطقة زلة.
– روسيا:
رغم معارضة روسيا لتدخل الناتو في ليبيا وانتقادها بشدة لما تحول إليه القرار 1973 لمجلس الأمن، إلا أنها اليوم فاعل مهم في دعم قوات خليفة حفتر، إذ تحصي الدراسات وجود ما بين 600 و800 مقاتل بتدريب من الشركة العسكرية الخاصة فاغنر منذ 2014، وبتمويل من رجل الأعمال يفقيني بريجوزين.
– التشاد:
تتواجد التشاد بالجنوب الليبي وتدعم 4 مجموعات رئيسية به، مع أنها قامت بضربات الهليوكبتر سنة 2018 على مستوى حدودها مع ليبيا موهي تمتلك اليوم أكثر من 1000 مقاتل بالأراضي الليبية، كثيرا ما يشار إلى ضلوعهم في عمليات القتل والاختطاف والنهب.12
القوى المدعمة لحكومة الوفاق الوطني:
– قطر:
امتد نفوذها من خلال دعمها للإخوان المسلمين في طرابلس، مع إنكارها التام لتقديم أي دعم عسكري لحلفائها بليبيا. ومع ذلك تفيد المصادر بان قطر تقوم بتدريب المقاتلين وترسلهم إلى ليبيا، وتتولى المهم أساسا شركة سادات العسكرية الخاصة. كما زودت حكومة الوفاق بحوالي 20000 طن من الأسلحة معظمها بنادق هجومية وقذائف صاروخية عديمة الارتداد.13
– تركيا:
يحرك الموقف التركي حوافز اقتصادية مفادها تعويض الخسائر والأضرار التي لحقتها بفعل الاضطراب السياسي والأمني في ليبيا الذي أنتج أزمة متعددة الأبعاد، وبمستجدات حقول الغاز شرق المتوسط، وإيديولوجية ممثلة في دعم الإسلام السياسي.14 ومع هجوم “خليفة حفتر” على طرابلس في 2019، وجدت تركيا آليات جديدة لتوسيع نفوذها السياسي والعسكري14، لاسيما بعد توقيع مذكرات التفاهم بين الطرف التركي وحكومة فايز السراج في 27 نوفمبر 2019، والمتعلقة بالتعاون في الجانبين الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، والتي صادق عليها البرلمان التركي في 2 جانفي 2020.
والواقع أن تركيا بدأت في الإرسال التدريجي للمقاتلين إلى ليبيا منذ 24 ديسمبر 2019 بنحو 300 مقاتل، ثم في 29 ديسمبر 2019 بنحو 350 مقاتل كانوا قد تلقوا تدريباتهم في معسكرات بجنوب تركيا. وبلغ عدد المقاتلين الذين أرسلتهم تركيا في شهر مارس 2020 “حوالي 6000 مقاتل سوري ينتمون إلى لواء المعتصم ، فرقة السلطان مراد، ولواء صقور الشمال، وفيلق صقور الشام، وفرقة الحمزات، ولواء سليمان شاه، والسمرقند. إضافة إلى 229 إرهابي من جبهة النصرة”15
– إيطاليا:
تقف إيطاليا مساندة لحكومة الوفاق الوطني، لكنها تؤكد على ضرورة إشراك الجيش الوطني الليبي في أي تسوية للنزاع الداخلي الليبي16. وتسعى إيطاليا كمستعمرة سابقة لليبيا اليوم إلى المحافظة على امتيازات شركة إيني النفطية. وقد تم استخدام قواعدها الجوية خلال عمليات الناتو سنة 2011، كما استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية القاعدة الجوية Sigonella بصقيلية خلال ضرباتها بطائرات درون Dronesسنة 2016.
– فرنسا:
كانت فرنسا من الدول المحركة لقرارات مجلس الأمن بشأن ليبيا سنة 2011، والمبادر الأول بتدخل الناتو في البلد، وهي اليوم تقف داعمة لقوات خليفة حفتر في معركة الكرامة ضد الإسلاميين ببنغازي، إذ شنت على الأقل 5 ضربات جوية منذ 2012 مخلفة مقتل ما بين 4 إلى 8 مدنيين. ويجدر التنبيه إلى أن الاهتمام الفرنسي نابع من المحافظة على نصيب شركاتها النفطية بليبيا، وملف الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا باعتبار ليبيا الطريق الرئيسي لها منذ سقوط النظام في ليبيا.
يمكن الإشارة فيما يتعلق بالموقف الفرنسي أنه رغم مساندته لحكومة الوفاق الوطني، إلا أنها ميدانيا تقاتل مع قوات الجيش الليبي لمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة.
– الولايات المتحدة الأمريكية:
لقد شاركت الولايات المتحدة في ضربات الناتو ضد النظام الليبي سنة 2011، كما عادت إلى الساحة الليبية لتشن ما يقدر بـ 550 ضربة جوية ضد أهداف تنظيم القاعدة بليبيا لاسيما بعد الحملة التي شنتها ضد ذات التنظيم بسرت سنة 2016.
والملاحظ أن تحرك الجماعات المتطرفة يلتقي مع أهداف خليفة حفتر، إلا انها تعترف بحكومة الوفاق الوطني كحومة وحيدة شرعية بليبيا. كما أن الولايات المتحدة تتصرف بدافع الحفاظ على امتيازات شركاتها النفطية، واحتواء الصراع لكي لا يصل إلى حلفائها في المنطقة لاسيما مصر
4 – تأسيس الحكومة المؤقتة وآفاق الحل:
تسعى الأمم والدول بعد فترات من النزاع الداخلي إلى بناء سلم مستديم يضع الخلافات السابقة جانبا ويفتح الأفق للمصالحة الشاملة بين الفرقاء من أجل العودة إلى الحياة الدستورية والمؤسساتية، وهو الوضع الذي تنشده ليبيا ودول الجوار الإقليمي التي عانت من الآثار التي خلفها الصراع الداخلي المدعوم من قوى إقليمية ودولية. فمنذ تقرير غسان سلامة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا في 29 جويلية 2019، والذي أشار إلى فشل حكومة الوفاق في تسيير الأوضاع في ليبيا وضرورة تغيير مسار الوفاق الوطني، سعت الأمم المتحدة للعودة إلى الحياة المؤسساتية والدستورية، وهو الأمر الذي اتضح أكثر بعد مؤتمر برلين في جانفي 2020، والذي خلص إلى التزام القوى المشاركة فيه على غرار مصر والإمارات وفرنسا وإيطاليا…وغيرها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية 17 ولعل هذا الالتزام بدأ يؤتي ثماره حيث توصل لقاء جنيف إلى انتخاب الأعضاء الخمسة والسبعين للحوار الوطني بجنيف يوم 5 فيفري 2021 لرئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد دبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي إلى جانب موسى الكوني وعبد الله حسين اللافي كعضوين في هذا المجلس.
وبعد هذه الخطوة باشر رئيس الحكومة المؤقتة المنتخب عملية تشكيل الطاقم الحكومي، وقد نجح في تحصيل الثقة على التشكيلة المقترحة على مجلس النواب، وذلك بإجماع النواب الحاضرين بمدينة سرت يوم 10 مارس 2021. ورغم الانتقادات الكثيرة التي شابت عمليتي انتخاب عبد الحميد دبيبة والمجلس الرئاسي، وكذلك التشكيلة الحكومية الجديدة إلا أن رئيس حكومة الوحدة فايز السراج قد سلم السلطة للحكومة الجديدة بدون متاعب.
وتتمثل المهمة الأساسية للحكومة المؤقتة في التحضير للانتخابات المزمع إجراؤها في 24 ديسمبر 2021، والذي يكون التاريخ المحدد لنهاية عمر هذه الحكومة. وقد صرح عبد الحميد دبيبة أن مهمة الحكومة الجديدة هو إعداد قانون الموازنة، وقانون الاستفتاء وتنظيم انتخابات ديسمبر 2021. كما كانت المبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز قد نفت بداية شهر فيفري 2021 أن تكون” الحكومة التي ستنتخب عملية تقاسم للسلطة، وأكدت أنها مجرد سلطة تنفيذية مؤقتة.”18
لكن هل ستتمكن الحكومة المؤقتة من ضمان الاستقرار اللازم للوصول إلى انتخابات نزيهة تضمن العودة للمجرى الطبيعي للشؤون السياسية والأمنية في ليبيا؟
إنّ الحكومة المؤقتة والمؤسسات المستقبلية سترث ملفات ثقيلة وشائكة من سنوات الدمار التي عاشتها ليبيا، ويبقى الرهان الأساسي لعملية بناء المؤسسات في ليبيا هو الحصول على إجماع الفرقاء الليبيين وضمان مصالح الأطراف الدولية التي تدعمها. أما التحديات التي تبقى مطروحة على أي سلطة سياسية في ليبيا فهي تلك المتعلقة بالانتشار الفوضوي للأسلحة، والذهنيات القبلية والعشائرية التي ستعرقل عملية التسيير في شتى المجالات، بالإضافة إلى ملف تسريح وإدماج المقاتلين الليبيين على اختلاف توجهاتهم وأهدافهم.
الخلاصة:
قادت الحملة الدولية ، بدعوى مناهضة العنف الذي مارسه القذافي ضد حركات المتظاهرين، إلى استصدار قرارين من مجلس الأمن بغرض التصدي لذلك، مما أدى إلى تدخل الناتو بمشاركة 18 دولة فيما سمي بمسؤولية الحماية. غير أن هذه المسؤولية لم تكتمل بعد انسحاب الناتو في أكتوبر 2011 تاركا ليبيا في فوضى عارمة.
وقد آلت الأوضاع إلى صراع مستديم بين مجموعة من الفواعل المؤثرة على الساحة الليبية، فاتحة الباب على مصراعيه لتدخل القوى الخارجية ذات المصالح مما عرقل مسارات التسوية التي جاءت لهذا الغرض، محولة ليبيا إلى أرض للحرب بالوكالة ذهب ضحيتها الآلاف من المدنيين، خاصة بعد مشاركة تلك الفواعل في الضربات الجوية بداخل الأراضي الليبية، وتدفق المرتزقة بأعداد غير محدودة.
ولعل استلام الحكومة المؤقتة الجديدة السلطة بعد منحها الثقة من قبل البرلمان سيؤدي إلى التحضير الجيد للانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021، غير أن هذا ليس سهلا ولن يحدث دون مراعاة مصالح الأطراف الداخلية والأطراف الخارجية المحركة لها.
الهوامش
* – جاء ذلك في المواد 9 و15 و17 من ذات القرار، أنظر:
– مجلس الأمن، القرار 1970 (2011)، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 6491، 26 فيفري 2011.على الرابط: https://www.un.org/securitycouncil/ar/content/resolutions-adopted-security-council-2011
1 – مجلس الأمن، القرار 1973 ( 2011)، الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته 6498، 17 مارس 2011.على الرابط: https://www.un.org/securitycouncil/ar/content/resolutions-adopted-security-council-2011
2- Marcus Cadier, World In Conflict: The Case of Libya, The United Nations & NATO , (Bachelor thesis in International Relations, University of Gothenburg, august 2016). p, 5.
3- Karim Mezran, and Elissa Miller, « Libya : from intervention to proxy war », The Atlantic Council’s Rafik Hariri Center for the Middle East studies, July 2017, p.1 .
** – جاء في تقرير اللجنة الدولية حول التدخل والسيادة التي شكلتها الحكومة الكندية حول مسؤولية توفير الحماية وفقا لحاجات المواطن وحقوقه ثلاثة واجبات أساسية هي:
الوقاية: القضاء على الأسباب العميقة والمباشرة للنزاعات الداخلية ومختلف الأزمات التي تواجهها الشعوب.
رد الفعل: وهو يتيح التدخل لحماية المواطنين عن طريق اتخاذ إجراءات ملائمة للوضع، وقد تصل إلى حد العقوبات والمتابعة القانونية الدولية، وفي أقصى الحالات إلى التدخل العسكري
مسؤولية البناء: المساعدات الواجب تقديمها بعد التدخل العسكري لإعادة الأنشطة العادية، ودعم البناء والمصالحة، ومعالجة الأسباب التي أدت إلى تأزم الأوضاع.
4 -Richard Reevs, Libya’s Proxy Buttlefield, Oxford Research Group, 2014, p. 5.
5 -أحمد سعيد نوفل وآخرون، “الأزمة الليبية إلى أين؟”، في: مركز دراسات الشرق الأوسط، العدد 13، مارس 2017، ص, ص 11، 12.
6- Mary Fitzgerald, « Les acteurs externes au sein du conflit libyen », AFKAR/IDEES, Automne 2015, p. 31.
7- Melissa Salyk-Virk, Airstrikes, Proxy Warfare, and Civilian Casualties in Libya, New America’s International Security program.May 26, 2020, p. 5.
8-. Sari Arraf, Libya : A Short Guide On The Conflict », The Geneva Academy, 2017, p, 9
9-. Melissa Salyk-Virk, Airstrikes, Op.cit, p.24.
11 – أحمد سعيد نوفل وآخرون ، المرجع السابق، 2017، ص. 9.
12 – ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، تقرير عن نشاط المرتزقة في ليبيا، مارس 2020، ص. 7.
13 – Wolfgang Pusztai, « Libya’s Conflict », European Union Institute for Security Studies, November 2019, p.5.
14-Euronews, « Quelles seraient les conséquences d’une intervention Turque en Libye ? », Euronews, 17 décembre 2019, sur le site : https://fr.euronews.com/2019/12/17/.
15 – “ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، المرجع السابق، ص. 4.
16 -Karim Mezran , Elissa Miller, Op.cit, p.5.
17 – مؤتمر برلين حول ليبيا، 19 كانون الثاني/ يناير 202، خلاصات المؤتمر، https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/berlin_conference_conclusion_arabic.pdf
، تم الاطلاع عليه يوم 11 مارس2021.
**** – وتجدر الإشارة إلى أن التشكيلة الأخرى المرشحة التي دخلت الجولة الثانية من التصويت هي القائمة الرابعة والتي كانت مدعمة من قبل المشير خليفة حفتر وشملت كلا من عقيلة صالح كرئيس للمجلس الرئاسي وأسامة الجويلي وعبد المجيد سيف في عضوية هذا المجلس، وفتحي باشاغا كرئيس للحكومة المؤقتة.
18 – صراعات الآخرين تمنح قائمة المنفي ودبيبة مناصب ليبيا التنفيذية، https://www.independentarabia.com/node/191426، تم الاطلاع عليه يوم 6 مارس2021.