عرفت عدد من المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا انقلابات عسكرية، في السنتين الأخيريتن، بعضها نجح وأخرى كانت فاشلة.
بتنفيذ انقلاب غينيا، تكون عدد الانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية قد بلغت 201 انقلاب، منذ موجة الاستقلال في ستينات القرن الماضي، 20 منها في مستعمرات فرنسية سابقة.
في السنتين الأخيريتين، وقعت أربعة انقلابات: اثنان في مالي واحد في التشاد، وواحد في غينيا.
سمة هذه الانقلابات أنها حدثت في مستعمرات فرنسية سابقا.
أسباب..
إذا عدنا إلى أسباب الانقلابات العسكرية في أفريقيا نجدها تشترك في: الضعف الاقتصادي، الاضطرابات الأمنية، التدخلات الأجنبية، خرق الدساتير أو تعديلها لتمكين الرئيس من تمديد فترات حكمه، أو الحكم مدى الحياة.
ما يؤكد هذا الطرح سبب أول: اتفاقات دفاع مشترك بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، تمنحها حق التدخل العسكري وبشكل قانوني لتغيير واقع لا يخدم مصالحها، ونشر قواتها أو تمركزها في قواعد عسكرية دائمة تديرها القوات الفرنسية بنفسها.
نظام الفرنك الفرنسي
السبب الثاني، هو نظام “الفرنك الفرنسي”، الذي تتعامل به 14 دولة أفريقية، فيما يعرف بالفرنك الفرنسي الإفريقي “سيافا” (CFA)، وهو نظام يلزم دول الفرنك الفرنسي بإيداع احتياطاتها النقدية الوطنية في البنك المركزي الفرنسي.
جاء في بريد إلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، رفعت عنه السرية العام 2018، بعنوان” عميل فرنسا وذهب القذافي”، أن السبب الرئيسي وراء الإطاحة بنظام معمر القذافي العام 2011 وقتله، هو شروعه في سك عملة أفريقية موحدة تحت مسمى “الدينار الذهبي الأفريقي”، بديلا للفرنك الفرنسي الإفريقي.
واعتبرت فرنسا ذلك مساسا بمصالحها الاقتصادية في أفريقيا وتحررا ماليا لمستعمراتها، التي تدفع كل احتياطاتها الوطنية للخزينة الفرنسية.
ودول الفرنك الفرنسي هي: بنين، بوركينا فاسو، غينيا-بيساو، ساحل العاج، مالي، النيجر، السنغال، توجو، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، جمهورية الكونغو، غينيا الاستوائية، الغابون.
وهي بلدان حدثت فيها انقلابات بشكل أو بآخر.
غينيا
قاد الضابط العسكري ممادي دومبويا انقلابا عسكريا، وأُعلن حل مؤسسات الدولة وإغلاق الحدود، بعد القبض على الرئيس ألفا كوندي، الرئيس الغيني.
ويعد دومبويا أحد ضباط الجيش الفرنسي، استدعي العام 2018 لقيادة “تجمع القوات الخاصة”، وهي وحدة النخبة في الجيش الغيني المدربة بشكل جيد، تتوفر على معدات عسكرية أكثر تطورا.
مالي
سجلت مالي انقلابين اثنين في تسعة أشهر، الأول شهر جويلية 2020، والثاني مطلع ماي الماضي، قاده العسكري أسيمي غويتا.
عبرت فرنسا ظاهريا عن رفضها له، وأعلنت تعليق العمليات العسكرية المشتركة مع القوات المحلية في مالي، لإجبار المجلس العسكري على نقل السلطة لحكومة مدنية.
فإذا كان هذا فعلا موقف فرنسا من الانقلاب في مالي فهذا يعني أنه انقلاب على إرادتها في إبقاء السيطرة على مالي.
لكن في خلفية الانقلاب، يلاحظ أن فرنسا أرادت ان تعطي لنفسها ذريعة لتمديد تواجد بعثتها العسكرية هناك سنة إضافية، بمكافحة الإرهاب والقضاء على الجماعات الإرهابية.
التشاد
الانقلاب فيها كان داميا، حيث اغتيل الرئيس إدريس ديبي شهر أفريل الماضي في اشتباكات بين الجيش ومعارضيه، وعلى عكس الموقف الفرنسي من انقلابي مالي، راح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يبارك تولي نجل ديبي السلطة في البلاد، خلال مراسم دفن الرئيس المغتال، وحضر ماكرون شخصيا المراسم.
انقلاب فاشل
أعلنت حكومة إفريقيا الوسطى، بداية 2021 محاولة انقلاب فاشلة قادتها جماعات مسلحة ضد الرئيس فوستين أرشانج تواديرا، واتهمت فرانسوا بوزيزيه -المحسوب على الموالاة الفرنسية- بالضلوع في المحاولة.
وقد ساعدت روسيا جمهورية أفريقيا الوسطى في تنظيم الانتخابات الرئاسية ليوم 27 ديسمبر 2020، التي أسفرت عن فوز الرئيس الحالي.
واحبطت محاولات فرنسا في فرض أي من الموالين لها في قائمة المترشحين للرئاسيات. إذ حكمت المحكمة الدستورية برفض ترشح بوزيزيه بسبب ارتكابه جرائم حرب أثناء حكمه من 2003 إلى 2013 سنة الإطاحة به.
رفض شعبي وفرنسي
بسبب هذه الوقائع، تعالت أصوات مطالبة برحيل فرنسا وبعثاتها العسكرية عن مالي، مثلما حدث في جانفي 2021، شهر الاحتجاجات المطالبة بإجلاء هذه القوات التي تقتل المدنيين، في هذا البلد.
وقبلها وفي أكتوبر 2019، نظمت رابطة جمعيات “فاسكو-كورو” مظاهرات تطالب برحيل فرنسا عن البلاد، بسبب عجزها عن حماية المدنيين، ناهيك عن العسكريين، مثلما ذكرت تقارير حينها.
هي مطالب لم تقتصر على الماليين فقط أو الدول التي فيها قوات فرنسية، بل انتقلت عدوى المطالبة برحيل القوات الفرنسيبة عن المنطقة والمستعمرات الفرنسية السابقة، الى الرأي العام الفرنسي، الذي طالب بسحب القوات الفرنسية من منطقة الساحل، بعد ارتفاع حصيلة قتلى الجنود الفرنسيين إلى 50 قتيلا.