حث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الرئيس التونسي قيس سعيد على “احترام الديمقراطية”، بعد 24 ساعة، من إعلان قيس سعيد إقالة رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان في تونس، التي تُعد مهد ما يعرف بـ”الربيع العربي”.
جاءت هذه التطورات بعد جمود وخلافات لأشهر، بين سعيد ورئيس الوزراء، وبرلمان منقسم في وقت تغرق فيه تونس في أزمة اقتصادية، فاقمها وباء فيروس كورونا، الذي يزداد ضحاياه يوميا في هذا البلد.
وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، تحدث بلينكن هاتفيا مع سعيد وشجعه على “الاستمرار في الحوار المفتوح مع جميع الأطراف السياسية والشعب التونسي”.
وأضاف البيان أن وزير الخارجية الأمريكي حث الرئيس التونسي على “الالتزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تُعد الأسس التي يقوم عليها الحكم في تونس”، متعهدا بدعم الاقتصاد التونسي ومساعدة البلاد في مواجهة انتشار فيروس كورونا.
وتشهد تونس أزمة سياسية تتعمق مع قرار الرئيس التونسي فرض حظر تجوال ليلي مدة شهر، وتجميد البرلمان، بمبرر دستوري من خلال المادة 80.
وقال رئيس الوزراء التونسي هشام المشيشي إنه سيسلم سلطاته إلى أي شخص يحدده الرئيس قيس سعيد، مؤكدا أنه لا يريد أن يلعب دور “العنصر المعطل” فيما يحدث في البلاد في الوقت الراهن.
ويأتي موقف المشيشي، الذي أعلنه مساء أمس، وسط مناشدات من المجتمع الدولي لجميع الأطراف في تونس بضبط النفس، خصوصا بعد وقوع اشتباكات بين مؤيدي الرئيس التونسي ومعارضيه في العاصمة تونس.
دعوات حزبية لوضع خارطة طريق
بعد إقرار الرئيس التونسي قيس سعيد الاثنين تعطيل العمل بمؤسسات الدولة ليومين، دعت أحزاب تونسية إلى الحفاظ على مكتسبات ثورة 2011، ووضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ، إثر تجميد البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه.
وقالت الرئاسة التونسية -في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني- إن سعيد أصدر أمرا رئاسيا يقضي بتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية ذات الصبغة الإدارية مدة يومين (الثلاثاء والأربعاء 27 و28 جويلية)، مع إمكانية تمديد مدة تعطيل العمل.
وبحسب البيان، يتيح الأمر الرئاسي لكل وزير معني أو مسؤول محلي اتخاذ قرار في تكليف عدد من الموظفين بفترات عمل محددة أو بالدوام عن بعد، وتستثنى من هذا الأمر الرئاسي قوات الأمن الداخلي والعسكريون والعاملون بالهياكل والمؤسسات الصحية ومؤسسات التربية والطفولة والتدريب والتعليم العالي الذين يخضعون لترتيبات خاصة لم يوضحها البيان. وعارضت أغلب الكتل البرلمانية في تونس هذه القرارات.
حركة النهضة (53 نائبا من أصل 217) تحسب ما حصل في تونس “انقلابا”، واعتبرتها كتلة قلب تونس (29 نائبا) “خرقا جسيما للدستور”، ورفضت كتلة التيار الديمقراطي (22 نائبا) ما ترتب على قرارات قيس سعيد، ووصفتها كتلة ائتلاف الكرامة (18 مقعدا) بـ”الباطلة”، بينما أيدتها حركة الشعب (15 نائبا).
ودعت حركة “مشروع تونس” (3 نواب) -في بيان الاثنين- سعيد إلى توضيح برنامج عمله خلال أجل 30 يوما الذي منحه لنفسه، وذلك بوضع خارطة طريق في إطار مؤتمر وطني عاجل للإنقاذ.
واقترحت الحركة أن ينتهي هذا المؤتمر “بتنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمتها”.
وحثت حركة “تحيا تونس” (10 نواب) الأحزاب على تحمل مسؤوليتها، وتقديم تنازلات كفيلة بخفض مستوى الاحتقان في البلاد، وإعادة بناء جسور الثقة مع الشعب للانطلاق في الإنقاذ الصحي والاقتصادي والاجتماعي.
ودعت حركة “آفاق تونس” رئاسة الجمهورية والقوى السياسية والمجتمع المدني إلى تجنيد الأنفس للحفاظ على مكتسبات الثورة، والانخراط في إصلاح وتعديل وبناء صادق وشجاع لمسار ديمقراطي حقيقي وثورة اقتصادية واجتماعية ترتقي لتطلعات التونسيين.
مبررات سعيد
وكان الرئيس سعيد قال -في اجتماع مع رؤساء عدد من المنظمات المهنية- إن ما قام به ليس انقلابا وإنما إجراءات وفق الدستور بعدما وصلت البلاد إلى حد غير مقبول، على حد تعبيره.
وأضاف أنه طبق الفصل الـ80 من الدستور وفق شروطه، باستثناء شرط المحكمة الدستورية لتعذره، وأنه أعلم كلا من (رئيس الحكومة المقال هشام) المشيشي والغنوشي بالقرارات الاستثنائية التي اتخذها.
المشيشي: سأسلم السلطة لمن يختاره الرئيس
قال رئيس الحكومة التونسي المعفى من منصبه، هشام المشيشي، إنه لا يمكن أن يكون عنصرا معطلا وإنه سيسلم السلطة لمن يختاره الرئيس التونسي قيس سعيد.
وأوضح المشيشي في بيان أنه ”ومن منطلق الحرص على تجنيب البلاد مزيدا من الاحتقان في وقت هي فيه في أشد الحاجة إلى تكاتف كل القوى للخروج من الوضعية المتأزمة التي تعيشها على كافة المستويات، فإني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أكون عنصرا معطّلا أو جزءا من إشكال يزيد وضعية تونس تعقيدا”.
وأضاف أنه ”محافظة على سلامة كل التونسيين، أعلن أنني أصطف كما كنت دائما إلى جانب شعبنا واستحقاقاته، وأعلن عن عدم تمسكي بأي منصب أو أية مسؤولية في الدولة”.
وأشار إلى أنه سيتولى ”تسليم المسؤولية إلى الشخصية التي سيكلفها رئيس الجمهورية لرئاسة الحكومة في كنف سنة التداول التي دأبت عليها بلادنا منذ الثورة، وفي احترام للنواميس التي تليق بالدولة، متمنيا كل التوفيق للفريق الحكومي الجديد”.
ولفت المشيشي إلى أن “الفترة الماضية اتسمت بتصاعد التشنج السياسي وفشل المنظومة السياسية التي أفرزتها انتخابات 2019 في تكوين حكومة، نظرا للتباين الكبير بين متطلبات الشارع وأولويات الأحزاب السياسية والتي واصلت في ترذيل المشهد البرلماني إلى حد القطيعة بين المواطن والسياسيين”. وأكد المشيشي أنه سيواصل خدمة وطنه “من أي موقع كان”.
عيون على الجيش
بعد تطويق الجيش التونسي لمبنى البرلمان، ومنع دخول رئيسه راشد الغنوشي، تنفيذا لقرارات الرئيس قيس سعيد بتعطيل العمل به، تعالت أصوات متوجسة من مغبة إقحام المؤسسة العسكرية في المعارك السياسية.
ولا يزال مشهد نزول الجيش التونسي للشوارع إبان الثورة (2011)، لحماية الشعب والمؤسسات السيادية، راسخا في أذهان التونسيين. مقابل رفض القيادات العسكرية تولي السلطة، والإكتفاء بتأمين مسار الانتقال الديمقراطي الذي أفضى إلى انتخابات رئاسية وتشريعية.
ويرى الجنرال المتقاعد والمدير العام السابق للأمن العسكري والمخابرات أحمد شابير، في تصريح إعلامي، أن الجيش يعمل في إطار القانون وضمن ترتيبات الدولة المعمول بها، وأن ولاءه للوطن وليس للأشخاص.
وبحسب شابير، الجيش التونسي لن يتورط في مستنقع السياسة وصراعات الحكم، وسيظل محافظا على عقيدته الجمهورية، وليس له علاقة بتوصيف ما يحدث سواء كان “انقلابا أو تصحيحا لمسار ثورة”.
وأضاف “جيش تونس حامي المؤسسات وليس الأشخاص، وهي عقيدة مزروعة فيه منذ انبعاثه، ونحن اليوم أمام قرار جمهوري بتجميد عمل البرلمان بغض النظر عن وجاهته الدستورية والقانونية”.