يعتقد المحلل السياسي التونسي، صلاح الدين الجورشي ـ في حوار خص به موقع “جيوبوليتيكا”ـ أن هناك محاولات لتوظيف حادثة مقتل شاب من منطقة سيدي حسين بالعاصمة تونس، بعد توقيفه من قبل الشرطة، من أجل تأجيج الصراع السياسي داخل تونس.
يؤكد الجورشي، وهو مفكر وأكاديمي وإعلامي، أن الإسلاميين في تونس استفادوا من المناخ الدولي، ولم يستبعد وجود رغبة وطموح لدى رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي في تولي منصب رئيس الجمهورية يوما ما، رغم أنه لم يصرح بذلك علانية.
ــ نبدأ من آخر التطورات في تونس، والمتمثلة في مقتل شاب من منطقة سيدي حسين بالعاصمة.. هل تعتقدون أن الشرطة عادت لممارسات ما قبل الثورة؟
بعد الثورة مباشرة، طرح المجتمع المدني والأطراف السياسية، مبادرات واقتراحات، لإحداث إصلاحات جوهرية في المؤسسة الأمنية، وتم العمل ببعضها، لكن الإصلاح لم يصل إلى مستوى عميق، بسبب عوائق تاريخية وهيكلية.
التجاوز الأخير اتخذ منعرجا آخر وبعدا سياسيا، لوجود انقسام داخل المؤسسة الحاكمة في البلاد
ولم تصل البلاد إلى تحقيق “الأمن الجمهوري” الذي يحترم حقوق المواطن وحقوق الإنسان التونسي.
ويمكن القول إن السلوك الأمني تغير بعض الشيء، بسبب ارتفاع نسبة الحريات في تونس، ووجود رقابة قوية من المجتمع المدني، إضافة إلى وجود صحافة حرة.
غير أن التجاوز الأخير اتخذ منعرجا آخر وبعدا سياسيا، لوجود انقسام داخل المؤسسة الحاكمة في البلاد.
الطرف الأول، يتمثل في رئيس الحكومة والحزام السياسي الداعم له، والطرف الثاني، يتمثل في رئيس الجمهورية، قيس سعيد والداعمين له.
وهناك حالة استقطاب سياسي في البلاد، ومحاولات لتوظيف الانتهاك الأخير المتعلق باعتداء عناصر من الأمن على شاب، لإسقاط حكومة، هشام المشيشي.
وهناك مساعي لتحويل قضية الانتهاك الأخير إلى تيار جارف وحركة احتجاجية للتخلص من رئيس الحكومة وإسقاطه.
ــ وماذا عن الجناح الثالث في السلطة.. أين يقف مجلس النواب (البرلمان) ورئيسه، راشد الغنوشي، من الصراع الدائر حاليا بين رئاسة الجمهورية والحكومة؟
لولا الأغلبية التي تمتلكها حركة النهضة داخل مجلس النواب، لما استطاع رئيس الحكومة أن يصمد دقيقة..
رئيس الحكومة يحظى بدعم كتلة مهمة داخل البرلمان تقودها حركة النهضة. وفي المقابل، يحظى رئيس الجمهورية بدعم بعض أحزاب التيار الديمقراطي، لكنها لا تشكل غالبية داخل البرلمان.
ـ في ضوء التجاذبات الحاصلة بين أجنحة السلطة، أين يقف المواطن التونسي وسط هذا الصراع؟ وكيف ترون حل الخروج من الأزمة السياسية الراهنة؟
المواطن التونسي يعيش حالة من القلق والشك، وهناك فجوة بين المواطن والطبقة السياسية، بسبب الأداء السيء لعدد واسع من السياسيين التونسيين.
التونسيون صوتوا وانتخبوا قيس سعيد ليكون رئيسهم، لأنه شخصية مستقلة ونظيفة، لكن الرئيس عجز عن تغيير أي شيء، بما في ذلك معالجة ملف الفساد الذي تحدث عنه كثيرا.
ومنذ توليه السلطة، وجد الرئيس نفسه محاصرا من دستور لا يعطيه صلاحيات أوسع، بحكم النظام شبه البرلماني المعمول به في تونس.
الأطراف الدولية المؤثرة في تونس، ومنها أوروبا والاولايات المتحدة الأمريكية، وافقت على أن يكون للإسلاميين دور في الحياة السياسية التونسية، بشرط عدم انفرادهم بالقرار السياسي.
وبقي الرئيس يتحرك في حدود ضيقة، بسبب تعارض مشروعه مع النظام السياسي في البلاد.
ـ تعرض الإسلاميون في مصر إلى ضغوط وأزيحوا من السلطة، وفي تونس، تتولى حركة النهضة قيادة مجلس النواب، ولها حضورا قويا في الساحة السياسية.. ما الذي يميز تونس عن بقية الدول العربية؟
تجربة الإسلاميين في تونس تختلف عن تجارب نظرائهم في الدول العربية، لأنهم راعوا الخصوصية التونسية، وحاولوا أن يكونوا منفتحين وقريبين من المواطن.
ومع ذلك لم يقدم الإسلاميون في تونس أي برنامج سياسي واضح، وتورطوا في اللعبة السياسية، وبالأحرى تورطوا واحترقوا بنار السلطة وممارساتها.
وكما تعلمون، حركة النهضة في تونس حاولت التخلص من تهمة الولاء لجماعة الإخوان في مصر، حيث ابتعدت عنها تدريجيا، تحت ضغط القوى السياسية.
والشيء الآخر الذي حصل في تونس، هو أن الأطراف الدولية المؤثرة في تونس، ومنها أوروبا والاولايات المتحدة الأمريكية، وافقت على أن يكون للإسلاميين دورا في الحياة السياسية التونسية، بشرط عدم انفرادهم بالقرار السياسي.
والخلاصة أن المناخ الدولي ساعد النهضة في تونس.
ـ هل تعقدون أن رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي يطمح في الترشح للانتخابات الرئاسية التونسية القادمة؟
الغنوشي لم يصرح بأن لديه طموح الوصول الى الرئاسة في يوم ما، لكن سلوكه السياسي يوحي للبعض بأنه يرغب في ذلك.
والمسألة الأخرى، هي أن المعطيات السياسية لن تساعده في الوصول إلى كرسي الرئاسة.
وإلى جانب المعوقات السياسية التي تعترض طموح الغنوشي، فإن هذا الأخير و لم يخلف حالة من التميز في أوساط التونسيين، بدليل أن استطلاعات الرأي لا تعطيه الأفضلية.