فشلت أمريكا في حشد حلفاء جدد في حربها ضد روسيا في أوكرانيا، والأكثر من ذلك خسارة حلفائها في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، فضلا عن مؤشرات “فشل” إدارة الصراع إعلاميا.
كشفت الحرب في أوكرانيا عن اتساع رقعة الدول المعارضة للممارسات الفردية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم وسياسة الكيل بمكيالين في العالم، وهذا ما زاد من مخاوفها في إحياء حركة عدم الانحياز. أو تشكل كتلة مشابهة لما كان عليه الحال أيام الحرب الباردة. خاصة وأن الكثير من دول العالم لم تقرر موقفها بعد من التكتل الغربي ضد روسيا.
فشل
نشر موقع “فورين أفيرز” مقالاً للكاتب بروس جونز، بعنوان “استراتيجية التعايش مع الدول المتفرجة”، في 15 يونيو 2022. تطرَّق المقال إلى إستراتيجية الولايات المتحدة تُجاه الدول التي لم تقرر موقفها بعدُ من التكتل الغربي ضد روسيا بعد الحرب على أوكرانيا. وتناول المقال موقف الهند، وحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، بجانب الدول الأفريقية ودول أمريكا اللاتينية.
وأشار المقال إلى استياء دول العالم النامي من السياسات الانتقائية الغربية، وخاصةً سياسات الولايات المتحدة تُجاه دول الجنوب. واقترح المقال ضرورة تشكيل تحالف دولي مضاد لروسيا على نحو موسع، مؤكداً ضرورة التزام الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه دول الجنوب.
وأشار المقال إلى فشل الولايات المتحدة والدول الغربية في حشد دول العالم، لا سيما الدول الوازنة لصالح عزل روسيا دولياً. وخشية الولايات المتحدة من إعادة إحياء ما يشبه “كتلة عدم الانحياز” إبان الحرب الباردة.
مؤشرات
مما يستدل به على فشل الولايات المتحدة الأمريكية في حصار روسيا دوليا حسب المقال هو رفض دول وازنة إدانة التدخل الروسي في أوكرانيا. إذ سعت واشنطن وحلفاؤها، بعد الحرب الأوكرانية، إلى إدانة سلوك الكرملين. وإخراج موسكو من المنظمات المتعددة الأطراف البارزة، وتحويلها إلى دولة منبوذة.
لكن هذه الإجراءات كانت أقل نجاحاً من نظيراتها العسكرية والاقتصادية. ولفت المقال إلى امتناع 35 دولة – تمثل ما يقرب من 50% من سكان العالم – عن التصويت أو صوتت بـ”لا” على قرار 2 مارس لإدانة “الغزو” الروسي.
إلى جانب قلق واشنطن من إعادة إحياء كتلة “عدم الانحياز”، وأشار المقال إلى أنه على خلفية المنافسة العميقة مع الصين وروسيا، تشعر الولايات المتحدة بالقلق من احتمال إحياء كتلة عدم الانحياز، من الدول المصممة على البقاء على هامش هذه المنافسة الجيوسياسية.
وأكد المقال أن هذه المجموعة من الدول ليست الوريث الطبيعي لحركة عدم الانحياز. إذ يمثل هذا التجمع الفضفاض مجموعة متنوعة من الدول، لكل منها مجموعة فريدة من الاهتمامات والأهداف. وستتطلب الاستجابة من قبل واشنطن وحلفائها تطوير فهم أكثر دقةً للمصالح الإقليمية. واستجابات محددة وليست شاملة للأزمات الناشئة.
رفض هندي
يشير المقال إلى رفض الهند الانحياز على العرب ضد روسيا، حيث امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار إدانة “الغزو”. وتعرضت الهند على إثر ذلك إلى تعليقات أمريكية غاضبة وإدانة دبلوماسية أوروبية بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي. رغم أن هذه الحكومات رفضت قطع واردات النفط الروسي حتى أواخر مايو، واستمرت في استيراد الغاز الروسي حتى يومنا هذا.
ويعزو كاتب المقال الموقف الهندي على تشابك المصالح بين الطرفين الروسي والهندي. فتاريخيا نيودلهي لا تنتقد شركاءها علنا.
كما أن موسكو طالما وقفت بجانب الهند دبلوماسياً. إضافة إلى اعتماد الهند على السلاح الروسي في عُدة جيشها لمواجهة الصين. يضاف إلى ذلك استياء الهند من تلاعب الغرب بقواعد النظام الدولي.
استقطاب
ينصح كاتب المقال واشنطن بإعادة النظر في علاقتها بالهند بما أن دورها في النظام الدولي غير واضح المعالم. وتبحث إذا ما كان إشراك الهند في القرار العالمي سيقوي علاقاتهما ام انه مجرد عامل عرقلة.
ويلفت المقال إلى ثغرات قد تمكن واشنطن من دفه نيودلهي نحوها، في حال لم تستطع روسيا تزويد هذه الخيرة بالسلاح اللازم بسبب انهماكها في الحرب في أوكرانيا. خاصة وأن مصادر الهند البديلة للمعدات العسكرية هي أوروبا والولايات المتحدة.
ويشير أيضا إلى إمكانية ضم الهند إلى مجموعة السبع، طبقا لاقتراح المملكة المتحدة خلال ترؤسها المجموعة العام 2020. ويرى الكاتب أن أفضل طريق للمضي قدماً هو جدولة متداخلة لقمم الرباعية ومجموعة السبع، ليسمح ذلك للهند وأستراليا بالمشاركة في بعض مداولات المجموعة.
تردد شرق أوسطي
أشار المقال إلى أن حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم يشاركوا في إجراءات واشنطن لعزل روسيا دولياً، نظراً إلى تشابك مصالح دول المنطقة مع روسيا والصين، وهو ما يستوجب إعادة واشنطن تقييم سياساتها في المنطقة. ويتعين على أمريكا استمالة الدول المترددة. ويتطلب ذلك أيضا إعادة تقييم موقف واشنطن، وهو ما تخطط له أمريكا من خلال زيارة مرتقبة للرئيس جو بايدن على المنطقة شهر جويلية القادم.
انتقائية وتمرد
أرجع الكاتب سبب رفض دول الجنوب الانحياز لأمريكا ضد روسيا إلى سياسات واشنطن والدول الغربية الانتقائية في تطبيق القواعد الدولية، وطريقة تسييرها أزمة وباء كورونا، تسبَّب في فقدان دول الجنوب الثقة بإدارة الغرب للنظام الدولي الحالي. يضاف إلى ذلك تطلع دول الجنوب إلى أدوار قيادية في هيئات دولية، خاصة وانها سعت منذ نهاية الحرب الباردة إلى تحقيق نمو اقتصادي وصوت مسموع في الهيئات الدولية، وهي ترى في هذا الوقت فرصة لتحقيق أهدافها تلك.
ماذا يجب؟
بحسب المقال، لا تستطيع الدول الغربية معالجة هذه المخاوف بين عشية وضحاها. ولكنَّ هناك عدد من الإجراءات يمكن أن تساعد واشنطن وحلفاءها في التعامل مع الدول التي لم تحدد موقفها بعدُ من الحرب الأوكرانية.
ويقترح الكاتب أن يكون ذلك من خلال تطبيق الإجراءات الموصى بها في مجال الإنفاق الإنمائي الغربي في الدول النامية. وهي خطوة ستزيد نفوذهم في وقت تقوم فيه الصين بتثبيت نفسها اقتصادياً في العالم النامي. و إعطاء دور أكبر لدول الجنوب في المؤسسات الدولية. وكذا مراجعة السياسات الغربية تجاه دول الجنوب.
للقراءة من المصدر الأصلي:
Bruce Jones, A Strategy for the Fence Sitters: Learning to Live With Countries that Refuse to Take Sides on Ukraine, Foreign Affairs, June 15, 2022, accessible at: https://www.foreignaffairs.com/articles/world/2022–06–15/strategy–fence–sitters