أسهمت زيارة الدولة التي قام بها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى فدرالية روسيا، منذ يوم الثلاثاء الماضي، في الارتقاء بالمستوى المتميز للعلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية معمقة، تم التوقيع على إعلانها الرسمي من طرف رئيسي البلدين اللذين أكدا على التطابق التام للرؤى بشأن مختلف القضايا.
الرئيس تبون: مرتاحون لتطابق الرؤى في عدة ملفات كالصحراء الغربية والقضية الفلسطينية
سجل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الخميس، بموسكو، ارتياحه لـ»تطابق الرؤى» تجاه الملفات التي تم تناولها خلال المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي السيد فلاديمير بوتين، على غرار قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية والوضع بمنطقة الساحل.
في تصريح مشترك، رفقة الرئيس فلاديمير بوتين، أعرب رئيس الجمهورية عن «ارتياحه لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تم تناولها خلال المحادثات، ومنها قضية الصحراء الغربية والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية وكذا التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فضلا عما يجري في ليبيا».
كما أضاف الرئيس تبون قائلا في السياق ذاته: «إننا متفقون مع كل ما جاء به فخامة الرئيس فلاديمير بوتين خلال تدخله’’.
من جهة أخرى، وبعد أن أعرب عن «خالص الشكر» لنظيره الروسي على «كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال التي جعلتنا نشعر أننا في بلدنا»، أوضح رئيس الجمهورية أن زيارته لفيدرالية روسيا «تندرج في إطار الجهود التي يبذلها بلدانا لتوطيد علاقتهما الثنائية وتعزيز ديناميكية التعاون بيننا».
ووصف الرئيس تبون المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي، بـ ‘’المثمرة والصريحة والصادقة»، بحيث «عكست مستوى العلاقات السياسية المتميزة وأكدت إرادتنا المشتركة لمواصلة التشاور السياسي التقليدي بين بلدينا’’، يقول رئيس الجمهورية.
كما عرفت هذه المحادثات – يتابع الرئيس تبون – «التطرق، كأصدقاء، للعلاقات الثنائية في مختلف الميادين وسبل تعزيزها»، فضلا عن «تبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهم الجزائر وروسيا».
على الصعيد الاقتصادي، أوضح رئيس الجمهورية بأن هذه المناسبة، قد سمحت بتوجيه الشكر للرئيس الروسي على دعم بلاده لترشح الجزائر للانضمام إلى مجموعة بريكس»، حيث اتفقا على «المضي بالعلاقات الجزائرية- الروسية نحو المزيد من التعاون» وهو ما يعكسه التوقيع على تصريح الشراكة الإستراتيجية المعمقة التي «تشهد على حرصنا المشترك لتكثيف وتوسيع التعاون الثنائي، بما يتماشى مع مستوى علاقاتنا التاريخية التي تمتد إلى أكثر من 60 سنة».
ويتم تحقيق هذا الهدف – يتابع الرئيس تبون – من خلال «اعتماد خارطة طريق طموحة للتعاون الثنائي، ترمي إلى الاستفادة من أوجه التكامل الاقتصادي بين البلدين».
في هذا الإطار، لفت رئيس الجمهورية إلى أن توقيع الجزائر وروسيا على العديد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم «يعكس بوضوح طموحنا الى توسيع نطاق التعاون»، معربا، مرة أخرى، عن ارتياحه لمستوى العلاقات بين البلدين و»الديناميكية التي تطبعها خلال السنوات الأخيرة»، والتي «سنعمل على الارتقاء بها من خلال تشجيع التبادلات الاقتصادية والتجارية وتنشيط الشراكات، من أجل الاستفادة من أوجه التكامل الاقتصادي المتاحة في البلدين ومن تجرية فيدرالية روسيا في كل الميادين المفتوحة أمام التعاون الثنائي».
في هذا الشأن، توجه الرئيس تبون إلى المتعاملين الاقتصاديين في روسيا والذين دعاهم إلى «الاستثمار في الجزائر التي تتوفر اليوم على بيئة استثمارية ملائمة، بفضل الإجراءات التحفيزية والامتيازات التي يتضمنها القانون الجديد للاستثمار».
على صعيد آخر، أكد رئيس الجمهورية امتنان الشعب الجزائري لروسيا على تخصيص ساحة عمومية جميلة جدا في قلب العاصمة موسكو تحمل اسم مؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر، مذكرا بأن القيصر «نيقولا الثاني» كان قد منح هذا الزعيم الجزائري «وسام النسر الأبيض»، ليتم، في عهد الرئيس بوتين، إهداء الجزائر هذه الساحة العمومية التي تحمل اسم الأمير عبد القادر.
من جهة أخرى، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر أبت إلا أن تكرم آخر جنود الفيلق الروسي الذي كان قد اشتغل في الجزائر، مباشرة بعد الاستقلال، لنزع الألغام التي زرعت من طرف المستعمر الفرنسي على الحدود الجزائرية، والتي راح ضحيتها الكثير من الجنود الروس.
في سياق ذي صلة، أشار الرئيس تبون إلى إمكانية التوقيع، مستقبلا، على اتفاقيات يتم بموجبها الاعتماد على مختصين من الأصدقاء الروس لـ «تطهير المناطق التي كان المحتل الفرنسي قد أجرى بها تجاربه النووية إبان الفترة الاستعمارية».
النزاع الروسي- الأوكراني
وأعرب رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، الخميس، بموسكو، عن شكره لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لقبوله وساطة الجزائر في النزاع القائم بين روسيا الصديقة وأوكرانيا، مؤكدا أن هذه الثقة «ستكون في محلها».
وفي تصريح مشترك، أعرب رئيس الجمهورية عن شكره للرئيس بوتين على «رحابة صدره وقبوله توسط الجزائر بين الدولة الصديقة روسيا وأوكرانيا فيما يخص النزاع القائم حاليا بينهما». وبهذا الخصوص، أكد الرئيس تبون لنظيره الروسي أن هذه الثقة «ستكون في محلها».
من جهته، عبر الرئيس فلاديمير بوتين عن شكره للجزائر وللرئيس تبون على الاستعداد لتقديم جهود الوساطة في النزاع القائم بين بلاده وأوكرانيا.
وبعد أن ذكر بأن الجزائر هي عضو في فريق الاتصال بالجامعة العربية حول أوكرانيا، أوضح الرئيس بوتين قائلا: «لقد شرحت للرئيس تبون الرؤية الروسية والأسباب الأولية لهذا النزاع والملابسات المتعلقة به».
وأفاد الرئيس بوتين، في السياق ذاته، أنه سيستقبل، يوم السبت، رؤساء الوفود من القارة الإفريقية، لمناقشة المبادرة التي تقدمت بها الجزائر حول تسوية النزاع الروسي- الأوكراني.
محور الجزائر- موسكو.. علاقات إستراتيجية تتعمق
وشدّت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الى روسيا اهتمام وسائل الإعلام العالمية والإقليمية بشكل خاص، نظرا للسياق الدولي الذي يشهد تغيرات جذرية في مختلف المجالات. إضافة إلى ذلك، فإن هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة، حيث تجمع بين قطبي إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي في العالم. فروسيا تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم بكمية تزيد عن 240 مليار متر مكعب سنويا، بينما تحتل الجزائر المرتبة السابعة عالميا بإنتاج يبلغ 60 مليار متر مكعب سنويا. وبالإضافة إلى ذلك، يتجلى الثقل الاستراتيجي للبلدين وتأثيرهما على المنطقة المحيطة بهما، مما يجعل هذه الزيارة تاريخية وتعزز العلاقة بين أكبر دولة في العالم وأكبر دولة في إفريقيا.
خلال الزيارة، أجرى رئيس الجمهورية محادثات موسعة مع أبرز المسؤولين في روسيا، بما في ذلك الرئيس بوتين. وفي تصريح صحفي، أكد رئيس الجمهورية على توافق الرؤى بين البلدين في قضايا الصحراء الغربية والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية والأوضاع في ليبيا.
وتجدر الإشارة إلى أن مندوب روسيا في مجلس الأمن أعلن مؤخرا دعم بلاده للجهود الدولية التي تهدف إلى تحقيق حل عادل يضمن تقرير مصير شعب الصحراء الغربية. وأشار إلى أن الوضع في معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يزال معقدا بسبب الصراعات العديدة في المنطقة، وذكر بوجود توتر في سوريا وليبيا واليمن والسودان والصحراء الغربية. هذا التصريح يأتي كتأكيد صريح من عضو دائم في مجلس الأمن على نضال الشعب الصحراوي ضد الاحتلال المغربي، وحقه المشروع في تقرير المصير.
بالإضافة إلى ذلك، تم تخصيص جزء كبير من المحادثات بين المسؤولين في البلدين لمناقشة الملف الاقتصادي وتعزيز التعاون. وأعرب الرئيس تبون عن شكره لروسيا على دعمها لطلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة بريكس، والتي تضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا. وكشفت الأرقام الأخيرة عن تفوق مجموعة بريكس لأول مرة على دول مجموعة السبع الصناعية الأكثر تقدما في العالم، حيث بلغت مساهمة بريكس 31.5٪ في الاقتصاد العالمي مقابل 30.7٪ للقوى السبع الصناعية. وبالتالي، يُتوقع أن تحقق الجزائر مكاسب اقتصادية هامة بعد انضمامها إلى هذه المجموعة، بالإضافة إلى المنافع المتوقعة التي ستعود على دول المجموعة من انضمام الجزائر، نظرا لكونها واحدة من أكبر منتجي ومصدري الطاقة في العالم، ولاسيما في مجال الغاز الطبيعي.
وتتمتع الجزائر بمؤهلات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى فرص كبيرة للاستثمار في القطاع الصناعي والزراعي، مما يؤهلها لتصبح واحدة من أكبر الاقتصادات الناشئة في المنطقة.
تطوير قطاع الطاقة الذرية في الجزائر
ومن بين الاتفاقيات الهامة التي تم التوقيع عليها، يأتي تطوير الطاقة الذرية في الجزائر والاستفادة من الخبرة الروسية في هذا المجال. وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الجزائر تعمل على تطوير قطاع الطاقة الذرية وأن روسيا لديها خبرة قوية في هذا المجال ومستعدة للتعاون معها.
وأكد أن الجزائر شريك مهم لروسيا على المستوى الاقتصادي، وتشير التقديرات إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 3 مليارات دولار في العام الماضي. ويتطلع المسؤولون إلى مضاعفة هذا الرقم في السنوات القليلة المقبلة، كما تم توقيع اتفاقية إستراتيجية ذات طابع هام تتعلق بالتعاون في مجال استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.
ووفق ما أكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور مصطفى منصوري، في تصريح لـ«الشعب”، يعتبر توقيع إعلان الشراكة الإستراتيجية المعمقة بين روسيا والجزائر خلال هذه الزيارة استجابة للتحديات الحساسة التي تواجهها العلاقة بين موسكو والجزائر. كذلك شملت الزيارة توقيع عدد كبير من الاتفاقيات في مجالات متعددة. وأكد الرئيس الجزائري ونظيره الروسي على القيمة الإستراتيجية للعلاقة بين البلدين الكبيرين. وتميزت التصريحات بالوضوح والصراحة، حيث تم توضيح ملامح العلاقة بين الدولتين في مجالات مختلفة، سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي.