تصر العديد من الحركات النقابية والعمالية في المغرب على خوض المزيد من المحطات النضالية احتجاجا على سياسة التضييق على الحريات من جهة، وإصرار السلطات على ضرب القدرة الشرائية للطبقة الكادحة من جهة أخرى، مع التنديد بتوقيف وزارة الداخلية للحوار الاجتماعي مع عدد من القطاعات العمالية.
ذكر المكتب الجهوي للنقابة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات الترابية والتدبير المفوض، في بيان لها، أنّها قرّرت بعد تدارس الأوضاع الداخلية التي طغت عليها أزمة الغلاء المهول وارتفاع أسعار جميع المواد الأساسية ممّا أدّى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن المغربي البسيط، إضافة إلى عدم تنفيذ العديد من الأحكام القضائية لتسوية ملفات إدارية، خوض إضراب جهوي لمدة 48 ساعة مرفوق بوقفتين احتجاجيتين بكل من بني ملال والفقيه بن صالح.
وأكّدت النقابة، في البيان، أنّه سيتم الإعلان لاحقا على توقيت الاحتجاجات ضد التضييق على الحريات النقابية من جهة، وضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة إلى جانب توقيف وزارة الداخلية للحوار الاجتماعي مع القطاع، وعدم تسوية ملف حاملي الشهادات خريجي مراكز التكوين الإداري والتقنيين والمتصرفين والمهندسين.
من جهته، قرّر المكتب الجهوي للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بجهة الدار البيضاء، خوض المزيد من المحطات النضالية هو الآخر على المستوى الجهوي، كما أكّد الكاتب الجهوي استعداد المكتب تنظيم وقفة احتجاجية انذارية يوم 8 جانفي 2023 أمام مقر الولاية، لمطالبة الجهات المسؤولة بالتدخل للتخفيف من معاناة الشغيلة من موجة الطرد من العمل والتعسف الذي يطالهم من جهة، وموجة غلاء أسعار المواد الأساسية، واندحار القدرة الشرائية من جهة أخرى.
المخزن يشن حملة اعتقال وتشهير ضدّ الحقوقيّين
ويشن نظام المخزن، مع تنامي الحركات الاحتجاجية في المغرب، حملة شرسة ضد الناشطين الحقوقيين والمعارضين، لترهيب الشعب المغربي وثنيه عن المطالبة بحقه في العيش الكريم، خاصة في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع.
وكثّفت الدولة المخزنية من حملة الاعتقالات التعسفية لمعارضي سياسة “الفساد والاستبداد”، والتي أصبحت العنوان الأبرز للوضع الراهن في المملكة، ناهيك عن تكثيف حملات “التشهير والتخوين” عن طريق فبركة الملفات وتلفيق تهم “لا أخلاقية “بهدف تشويه المعارضين وتكميم أفواههم.
وفي هذا الإطار، أجلّت محكمة وجدة، الاثنين، محاكمة أيقونة حراك جرادة، آمال عيادي (17 سنة)، إلى يوم 23 جانفي القادم، والمتابعة هي ووالدتها، بتهم تنظيم مظاهرة غير مرخص لها، وإهانة هيئة منظمة وموظفين عموميين، وهي التهم التي وصفها حقوقيون بغير المنطقية، بالنظر إلى سنّ الناشطة الحقوقية.
وأطلق نشطاء عريضة من أجل وقف متابعة عيادي، “في ظل تزايد الإعتداءات على الحقوق والحريات من قبل السلطات”، مشيرين إلى أنّ ذلك يعتبر انتهاكا صارخا لالتزامات المغرب بالمواثيق الدولية، ومطالبين بضمان واحترام حقوق الإنسان، وفي مقدّمتها الحق في الاحتجاج والتفكير وحرية التعبير.
وتعرّضت أمال عيادي لتضييق كبير من طرف السلطات المخزنية بسبب نشاطها الحقوقي، حيث سبق وأن تمّ حرمانها من حقها في التعليم بسبب مشاركتها في الاحتجاجات التي شهدتها منطقة جرادة.
وفي 7 ديسمبر الماضي، تمّ تأجيل محاكمة والدة الناشطة الحقوقية الى الفاتح من فيفري القادم، وهي التي تتابع بنفس تهم ابنتها.
وفي سياق ذي صلة، وجّه الأمن المخزني بالقنيطرة استدعاء للناشط الحقوقي يوسف الحيرش، المعروف بتدويناته الجريئة ضد سياسة النظام، ومشاركته في مختلف الحركات الاحتجاجات المندّدة بغلاء المعيشة والتضييق على الحقوق والحريات والمطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
وقبل تلقي يوسف الحيرش للاستدعاء، كان قد نشر على صفحته الرسمية على “فايسبوك” مقالا بعنوان “قانون المالية 2023..هندسة أوليغارشية وضحك على الذقون”، وجّه فيه انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وكان الحيرش تعرّض قبل أشهر قليلة إلى محاولة قتل بالسلاح الابيض من قبل مجهولين بالقرب من مسكنه وفي وضح النهار، وأصيب على إثرها بجروح خطيرة كادت أن تودي بحياته، ولحد الساعة لم يتم تحديد هوية المتورطين.
جدير بالذكر، أنّه يوجد حاليا 150 معتقلا سياسيا في السجون المغربية، كان آخرهم القيادي في جماعة العدل والاحسان، محمد باعسو، الذي لم تكتف السلطات باعتقاله فقط بل قامت بحملة “تشهير ممنهجة” ضده في وسائل الاعلام المخزنية.
وتنديدا بالاعتقالات السياسية ضد المعارضين، نظّمت عدّة هيئات حقوقية وقفات احتجاجية، كما استنكرت الهيئة المغربية لمساندة معتقلي الرأي وضحايا انتهاك حرية التعبير، تشغيل المخزن آلة التشهير المألوفة لتلطيخ سمعة الناقمين على سياساته، مطالبة بالإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان.
من جهة أخرى، تواصل السلطات المخزنية استهداف فاضحي الفساد، حيث توعّد وزير الداخلية المغربي من ينقل تردي الأوضاع في المدارس والمستشفيات والإدارات العمومية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ووصفت الجمعية المغربية لمحاربة الفساد، في منشور لها، تهديد وزير الداخلية بـ “الخطير وغير المقبول بتاتا” في حق مواطنين مغاربة يتم المسّ بسلامتهم النفسية عبر الوعيد، والتلويح بالمتابعات القضائية التي قد تزج بهم الى السجون.
وسلّط تحقيق صحفي مغربي مؤخرا الضوء على الممارسات القمعية والانتقامية التي تستهدف الحقوقيين وفاضحي الفساد في المملكة بتهم أبرزها التشهير، ما أدّى إلى ضعف معدلات التبليغ عن الفساد بسبب عدم الشعور بالأمان والخوف من الانتقام.
وقدّم التحقيق الصحفي، تحت عنوان “أصابع الادارة على الزناد..إجراءات انتقامية تلاحق كاشفي الفساد”، نماذج لمدوّنين ومواطنين وجدوا أنفسهم أمام القضاء، بعد أن نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا عن تردي الخدمات في المستشفيات وواقع التعليم في بعض المدارس، كما هو الحال مع المدوّن والناشط الحقوقي مصطفى زروال.
ثروات البلاد مركزة في أيدي أقلية مستبدة
وقالت جمعية “أطاك المغرب”، إنّ السلطة استغلت جائحة كورونا كذريعة لتوطيد الاستبداد السياسي والسياسات النيوليبرالية، فدخل المغرب دوامة ديون جديدة بإلغاء سقف الاقتراض من الخارج، حيث تضاعف حجم الدين العمومي الإجمالي مقارنة مع سنة 2011 وبلغ 96 % من الناتج الداخلي الخام سنة 2020.
وأشارت الجمعية في البيان الختامي الصادر عن مؤتمرها الوطني السابع، إلى أن النموذج التنموي الجديد يرتكز على توسيع سبل تركز الثروة في أيدي أٌقلية رأسمالية محلية، تتشارك مع شركات متعددة الجنسيات حصص الاستحواذ على الأراضي والمياه والثروات البحرية والمنجمية والخدمات العمومية وغيرها من المجالات، وتشكّل طبيعة الحكم الاستبدادية سندا رئيسيا لهذا التراكم الرأسمالي الكبير، الذي لم تعد تستوعبه السوق المحلية، فبدأ بالتغلغل في بلدان القارة الافريقية.
وأكّدت أنّ ما سمي مخطط المغرب الأخضر استنزف طيلة عشر سنوات ميزانية هائلة لتدعيم كبار المصدرين في قطاع الفلاحة، في حين ازدادت فيه واردات الحبوب والنباتات الزيتية والسكر، وهناك خصاص حاليا في الحليب ومشتقاته سيغطى أيضا بالاستيراد.
وأضافت أنّ قطاع الصيد البحري يتعرض بدوره لاستنزاف كبير، باستحواذ أقلية على الثروات السمكية لتصديرها، حيث قامت الدولة بحذف كامل لدعم مواد الطاقة (البنزين والديزل وزيت الوقود) أواخر سنة 2015.
ولفتت إلى أنّ هذا الوضع أدّى إلى مضاعفة سعر لتر الديزل الذي يتراوح حاليا ما بين 15 و16 درهما، وكدست شركات توزيع المحروقات أرباحا تجاوزت 45 مليار درهم (ما يقرب من 5.4 مليار دولار أمريكي) منذ تحرير أسعار مواد الطاقة حتى نهاية عام 2021، وفاتورة هذه الأرباح يدفعها المستهلكون، إما بشكل مباشر في محطات الوقود، أو بشكل غير مباشر من خلال الزيادات العامة في الأسعار.
وسجّلت الجمعية تفاقم تدهور القدرة الشرائية موازاة مع تراجع الدخل وضعف الأجور، واحتداد مديونية الأسر الشعبية التي تخنقها بشكل خاص مؤسسات القروض الصغرى، المُراكِمَة، هي أيضا، لأرباح كبيرة من جيوب الفقراء.
وأبرزت أنّ الدولة تسعى إلى حذف ما تبقى من صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساس وخصوصا غاز البوتان، كما تستعد لرفع سن التقاعد الى 65 سنة، وتقليص معاش تقاعد عاملات وعمال القطاع الخاص، عبر إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتعميم نظام التعاقد في الوظيفة العمومية.
وشدّدت على أنّ الدولة تحرص أولا على الوفاء بالتزاماتها إزاء المؤسسات المالية الدولية لضمان تسديد الديون والحصول على قروض أخرى، فهي تنتظر حاليا موافقة صندوق النقد الدولي على خط الوقاية السيولة أو خط الائتمان المرن، ما قد يمكّنها من الحصول على قروض في السوق المالية الدولية.
وطالبت “أطاك” بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وفرض ضريبة تصاعدية على الثروات والأرباح، وتوفير خدمات عمومية مجانية للجميع، ووقف اتفاقيات التبادل الحر، خصوصا مع الأقطاب الامبريالية؛ الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، وضع حد لدور الدركي الذي يقوم به المغرب لضمان إغلاق حدود القارة الأوروبية في وجه المهاجرين والمهاجرات من جنوب الصحراء، واحترام حقوقهم وكرامتهم.
ودعت إلى وقف المضايقات الممارسة بحقها وتمكينها من تجديد وصل الإيداع القانوني، مشيرة إلى أنّها اضطرت لتنظيم مؤتمرها في مقر الجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي) بعد أن منعت من القاعات العمومية.
المغرب..طريق المهاجرين للموت
لا تزال الانتقادات تطال سياسات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة غير النظامية، حيث يتزايد التنديد بهذه السياسات التي تنتهك حقوق المهاجرين، وعلى رأسها الحق في الحياة، وهو ما تساهم فيه بلدان من خارج دول الاتحاد، ومن بينها المغرب.
تقرير جديد لمنظمة “كاميناندو فرونتيراس” بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين، كشف أن ستة أشخاص يموتون كل يوم وهم يحاولون الوصول إلى إسبانيا.
فخلال الفترة بين 2018 و2022، توفي ما مجموعه 11286 شخصًا أثناء محاولتهم الوصول إلى السواحل الإسبانية عبر الطريق الغربي لإفريقيا.
وتعد الطرق إلى إسبانيا عبر المغرب أكثر طرق الهجرة نشاطا سواء من سواحل شمال المملكة، أو جنوبها نحو جزر الكناري التي تعد أكثر الطرق دموية، وتسجيلا للضحايا.
وحسب التقرير، لقي 528 مهاجرا حتفهم عبر طريق مضيق جبل طارق، و1493 ماتوا بعدما انطلقوا من منطقة الريف وسواحل شرق المملكة، و47 في الطريق نحو سبتة ومليلية الاسبانيتين، إضافة إلى وفاة 7692 شخصا في طريق جزر الكناري.
وأكّد التقرير تشديد المغرب خلال هذه السنوات مراقبته للحدود الشمالية مع إسبانيا، وهو ما أدى إلى زيادة الضغط على الطريق نحو جزر الكناري، لتتوجه أفواج المهاجرين نحو هذا الطريق الذي يعد طريق الموت ويحصد آلاف الوفيات.
كما توقف التقرير على ما يتعرض له المهاجرون من انتهاكات لحقوقهم على يد السلطات المغربية في إطار ذات السياسة الأوروبية للهجرة، وفي إطار العلاقات الجيدة للمملكة مع إسبانيا، وهو ما يكون له أثر سلبي على المهاجرين وحقوقهم.
وإلى جانب ذلك، رصد التقرير ضعف الإنقاذ داخل البحر والتنسيق بين البلدان، وهو ما زاد من عدد الوفيات في صفوف المهاجرين.
وأكّد التقرير الأثر السلبي لسياسات الهجرة التي تنتهك حقوق المهاجرين وحياتهم، في ظل ضعف الحماية على الحدود، مشدّدا على ضرورة التركيز على حقوق المهاجرين وضعها في صلب صنع القرار، بدلاً من المراهنة على الإجراءات القمعية.