تنقعد القمة العربية في الجزائر شهر أكتوبر في ظرف دولي وعربي يتسم بصراع دولي على مناطق النفوذ، وتدخلات أجنبية تزيد الانقسام حدة في المنطقة العربية. وتحاول الجزائر في هذه القمة لم الشمل العربي في مواجهة لمشاريع التقسيم الأجنبية.
تكتسي المنطقة العربية أهمية بالغة في الجيوبوليتيك الدولي، نظرا لموقعها الذي يتوسط اليابسة، إلى جانب احتوائها على اهم المضايق التي تمر عبرها التجارة الدولية.
هذه المميزات جعلت المنطقة منذ قرون محل أطماع القوى الكبرى. وتوالت مشاريع الاحتلال والتقسيم للظفر بمقدراتها، ومنه السيطرة على خطوط الربط بين شرق الأرض وغربها.
بداية التفكيك
ظلت المنطقة العربية مركز حكم العالم لما يزيد عن ألف سنة. وتداولت 11 دولة إسلامية حكم المنطقة منذ الخلافة الراشدة إلى الخلافة العثمانية. امتد خلالها الحكم العربي الإسلامي إلى أواسط آسيا شرقا إلى الأندلس (اسبانيا غربا).
ومع حلول القرن 19 بدأت الخلافة الإسلامية تحت حكم العثمانيين بالتفكك بسقوط أيالة الجزائر تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي.
وتوالى تفكك الخلافة العثمانية إلى أن سقطت نهائيا عام 1924. وخلفتها دول وطنية أو دول قومية بعد تقسيم التركة بين الدول الأوروبية الاستعمارية تطبيقا لاتفاقية سايكس بيكو السرية. وهدفت لاقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا والمملكة المتحدة والتي كانت أولى مشاريع التقسيم. وصادقت تلك الدول على الاتفاقية بين 9 و16 ماي 1916.
واستعملت القوى الاستعمارية آنذاك مشروع القومية العربية لتفكيك الدولة العثمانية. حيث قامت الثورة العربية شهرا بعد فقط بعد المصادقة عليها أي بتاريخ 10 جوان 1916.
وفي السنة الموالية أعلن عن وعد بلفور، بتاريخ 2 نوفمبر 1917. الوعد الذي غرس جسما غريبا في كيان الوطن العربي، لتبدأ رحلة تجزيء المجزأ، ومازالت مستمرة إلى اليوم.
المشروع الصهيوني
وعلى مدار أزيد من قرن عمل المشروع الصهيوني على تنفيذ أجندته. واستخدم الغرب، وعلى رأسه فرنسا وبريطانيا بداية ثم الولايات المتحدة الأمريكية، الكيان الصهيوني أداة وظيفية لإحكام السيطرة على الرقعة الجغرافية التي تتوسط العالم وتحتوي على أهم الممرات الدولية. في إطار صراع حضاري بدوافع اقتصادية وغطاء سياسي.
ويلاقي مشروع إقامة دولة دينية لليهود على أرض فلسطين معارضة شريحة كبيرة من اليهود تدعى “ناطوري كارطا”، أي “حارس المدينة”، الذين يعتبرون أنه كتب عليهم التيه في الأرض والشتات بين دول العالم. وانه لا يمكن أن تكون لهم دولة تجمعهم يوما ما. وتقدر إحصائيات أن عددهم يقدر بخمسة آلاف فرد في القدس وحدها. ويتمركزون أيضا في لندن ونيويورك.
ويقوم المشروع الصهيوني على التغلغل في جسم الوطن العربي، وهو ما حصل بداية بإعلان قيام الكيان الإسرائيلي شهر ماي 1948 على أرض فلسطين.
ثم تطبيع العلاقات مع الدول العربية بداية بمصر في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، التي كانت إيذانا بنهاية الصراع العربي-الإسرائيلي وتحوله إلى فلسطيني-إسرائيلي. وصولا إلى اتفاق أبراهام الذي وقعته الإمارات العربية المتحدة والمغرب والسودان والبحرين. بدوافع تحسين الاقتصاد أو مواجهة “العدو” المشترك وهو إيران.
تفتيت المقسم
في الفترة من 2010 إلى الوقت الراهن، بدأت المرحلة الثانية من تقسيم الوطن العربي. وصارت الدولة الوطنية تعاني للحفاظ على حدودها الموروثة عن الاستعمار. ذلك أن الكيان الصهيوني، والغرب، لا يريد أن يكون لأي من الدول العربية التفوق في أي مجال. ولا يتم ذلك إلا بإضعافها سواء عن طريق بث الخلافات البينية، أو عن طريق تقسيم الدول القائمة بذاتها.
في 2017، أراد إقليم كردستان في العراق المتمتع بحكم ذاتي الانفصال، ونظم استفتاء حاز فيه خيار الانفصال على أكثر من 90 بالمائة، لكنه لم ينل اعترافا دوليا. وفي ليبيا طرح مشروع العودة إلى الأقاليم الثلاث (برقة فزان وطرابلس)، سبيلا لحل الأزمة التي اندلعت في 2011. ويعاني لبنان أزمة اقتصادية خانقة، وصفها البنك الدولي بأنها الأسوأ بين ثلاث أزمات خلال الخمسين سنة الأخيرة. قد تعصف بالأمن الوطني اللبناني.
في حين تستمر الخلافات البينية بين الدول العربية بل ويزيد عددها. فمن الغرب تحتل المملكة المغربية أراضي الصحراء الغربية، وتكن للجزائر عداء بسبب موقفها من القضية المصنفة في خانة تصفية الاستعمار.
وتتنازع مصر والسودان منطقة حلايب. وكبد الخلاف الطرفين أموالا طائلة بسبب القيود المفروضة على حركة السكان.
وفي تجمع إقليمي ساده الهدوء والانسجام لعقود، ظهر خلاف داخل البيت الخليجي بين السعودية وقطر سنة 2017. وانجر عنه قطع العلاقات بين الطرفين، وقطعت البحرين والإمارات علاقاتهما مع قطر تضامنا مع السعودية. وبقي الأمر على حاله إلى غاية 2021، عندما عينت قطرا سفيرا لها مجددا في السعودية.
تنافس
ظهرت على السطح مشاريع أخرى متنافسة في المنطقة العربية. حيث تتنافس كل من إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية لإبقاء المنطقة تحت سيطرتها. فالمشروع الإيراني مضاد للمشروع الأمريكي. وعلى اعتبار أن عددا من دول الخليج تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام الحرب الباردة، فإن إيران ما بعد الثورة الإسلامية تعتبر ان أمريكا تهديد لها في المنطقة. ولذلك تحاول التوسع والتغلغل في دول الخليج وحيث توجد القليات الشيعية.
من جهتها تريد تركيا ترى في المنطقة موردا هاما للطاقة. على اعتبار أنها بلد فقير طاقويا. وما شجعها على التدخل هو الاكتشافات الضخمة من الغاز في المتوسط.
مشروع لم الشمل الجزائري
تشكل هذه المشاريع والأوضاع في المنطقة العربية تحديا كبيرا أمام القمة العربية المقررة في الجزائر. وإذا كان من حق كل دولة أن تنفذ سياستها الخارجية بما يخدم مصلحتها طبقا لواقعية العلاقات الدولية، فإنه من حق الدول العربية ان تدافع عن كيانها ومقدراتها والحفاظ على وحدتها الترابية. ومحاولة استرجاع استقرار نظامها الإقليمي بعيدا عن التدخلات الخارجية التي أثبتت انها سبب خراب المنطقة.
ولعل هذا ما تصبو إليه الجزائر من خلال قمة لم الشمل، والجولات المراطونية التي تقوم بها الدبلوماسية الجزائرية من أجل تقريب وجهات النظر بين الإخوة الفرقاء. في وقت يشهد العالم على بداية عصر جديد ينهي الأحادية القطبية لصالح ثنائية أو تعددية قطبية. ويتعين على الوطن العربي في ظل هذا التغير أن يجد له مكانا فاعلا، لا أن يظل متلقيا للصدمات والتدخلات.