أجبرت الانتفاضة الشعبية في مالي قوات “برخان” الفرنسية على الانسحاب من الأراضي المالية نحو وجهة أخرى، قررت فرنسا أن تكون النيجر، تحت ذريعة مواجهة التهديدات القادمة من ليبيا.
تتزامن عملية نقل قوات “برخان” واضطرابات سياسية واحتجاجات في عدد من المدن الليبية، ما يهدد بتقويض ما توصلت إليه الأطراف الليبية في اجتماعات جنيف والقاهرة. وهذا يثير أيضا مخاوف دول الجوار، خاصة تلك التي تعاني وضعا أمنيا هشا بسبب تهديدات إرهابية في منطقة الساحل.
فشل
باءت كل محاولات النظام الفرنسي، الذي حاول فرض شروطه على مالي بالفشل. وها هي فرنسا تسحب قواتها من مالي، وفي الوقت نفسه رفعت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا عقوباتها.
وأعلن رئيس المرحلة الانتقالية في مالي، أسيمي غويتا، عن تحقيق الجيش المالي انتصارات معتبرة على الجماعات الإرهابية، التي لم تجد من بد للرد إلا بمهاجمة المواطنين العزل. قال ذلك خلال كلمة بمناسبة رفع العقوبات التي فرضتها “سيدياو”.
وسجلت نهاية السنة الماضية وبداية السنة الجارية انتفاضات ضد التواجد الفرنسي في عدد من الدول الأفريقية. واشتدت أكثر بفعل التواجد الروسي في بعض هذه الدول.
واعتبر مواطنوها روسيا بمثابة الحامي من فرنسا التي تمتلك احتياطات صرف 14 دول أفريقية وتربطها معها اتفاقات دفاع مشترك. عدا مالي التي أعلن قبل أشهر فك هذه الاتفاقية مع فرنسا مطرف واحد.
بديل
بعد غلق الجزائر أجواءها في وجه الطيران العسكري الفرنسي منذ شهر أكتوبر 2022، تحاول القوات الفرنسية إيجاد مخرج جديد لها من أجل استمرار عملياتها العسكرية في الساحل .
وتختلف النظرتان الجزائرية والفرنسية حد التناقض فيما تعلق بالحل في مالي. حيث تؤكد الجزائر أن سبب المشاكل في مالي يتعلق بالفقر والتنمية. وأنه لا يمكن حل هذه المشاكل بالطرق العسكرية. وتتمسك باتفاق الجزائر الموقع بين الأطراف المالية عام 2015. وهو الاتفاق الذي تتمسك به أيضا السلطات في مالي ومختلف الفصائل المالية.
بينما تنتهج فرنسا المسار العسكري لمواجهة الفقر وغياب التنمية. وهو حل ترفضه مالي خاصة منذ تولي النخبة العسكرية مقاليد الحكم إثر انقلاب أفريل 2021. وتجلى ذلك من خلال فك ارتباط مالي باتفاقات الدفاع المشترك مع فرنسا. وتوقيع اتفاقات تعاون أمني وعسكري مع روسيا.
ماذا يحدث في ليبيا؟
لا يمكن فصل ما يحدث في ليبيا من اضطراب سياسي عن استراتيجيات القوى الكبرى المتدخلة هناك. إذ ورغم دعواتها إلى ضرورة التعجيل بالانتخابات ودعم مسار الحل السلمي، إلا أن المتنازعين الداخليين وبعضهم يمثل قوى خارجية، يتصرفون عكس المنشود.
ولعل اختيار النيجر لنصب قاعدة لقوات “برخان” يعود إلى إمكانية مرور الطائرات الحربية الفرنسية فوق الأجواء الليبية. خاصة وان هذه الأخيرة تدعم أحد الأطراف الليبية المتنازعة على السلطة هناك، الذي قديسهل مهمتها.
وأعلن فتحي باشاغا رئيس الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي، أمس عزمه تولي الأمور في طرابلس الأيام القادمة.
وبما أن كل توتر في ليبيا تمتد تبعاته إلى دول المنطقة ككل فقد استغلت فرنسا الوضع لإقناع السلطات في النيجر بنقل قوات برخان إلى حدودها مع ليبيا بما “يضمن” حماية النيجر من التهديدات الآتية من هناك. دون نسيان أن ذلك يجعل تلك القوات على مقربة من الحدود الجزائرية التي تشترك بنحو ألف كيلومتر من الحدود البرية الصحراوية مع النيجر.