يحيي العالم اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب، على وقع جرائم موثقة ترقى الى جرائم ضد الإنسانية، غدا الأحد، في غياب تام للمساءلة وسياسة اللاعقاب، رغم ان كل القوانين والمواثيق الدولية تحظر هذه الممارسات اللاإنسانية.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1997 القرار رقم 149/52، الذي خصص يوم 26 يونيو يوما دوليا للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف “القضاء التام على التعذيب وتحقيقا لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
واعترف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، في رسالة له بهذه المناسبة، بأن “التعذيب يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وهو عمل يحظره القانون الدولي بشكل لا لبس فيه في جميع حالاته، ومع ذلك لا يزال مستمرا في الكثير من البلدان حتى في تلك التي جرمته”.
وشدد المسؤول الأممي على ضرورة أن لا يسمح أبدا للجلادين من الافلات من العقاب على جرائمهم.
كما شدد على ضرورة “تفكيك النظم التي تسمح بالتعذيب أو إحداث تحول جذري فيها، وتمكين الضحايا والناجين وأسرهم ومساعدتهم على التماس العدالة تعويضا عن ما نالهم من شقاء”.
ولأجل هذا الغرض، تم انشاء صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لصالح ضحايا التعذيب، وحثت الامم المتحدة على تجديد موارده وعلى الالتزام بالعمل على إقامة عالم لا مكان فيه لمثل هذه الانتهاكات.
يشار الى ان الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتمدت سنة 1984 اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، لتدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1987. وتتولى تنفيذها بين الدول الأطراف، لجنة من الخبراء المستقلين، وهي لجنة مناهضة التعذيب.
وفي 1985، عينت لجنة حقوق الإنسان أول مقرر خاص معني بالتعذيب، وهو خبير مستقل مكلف بالإبلاغ عن حالة التعذيب في العالم، هذا الى جانب الدور الهام الذي تؤديه المنظمات غير الحكومية في مكافحة التعذيب، باعتراف الأمم المتحدة.
ورغم أن القانون الدولي يحظر التعذيب بجميع اشكاله، حتى في حالات النزاع المسلح أو الطوارئ العامة، مازالت هذه الممارسات منتشرة في الكثير من مناطق العالم، في ظل الافلات التام من العقاب.
وكثيرا ما ينتشر التعذيب في مناطق النزاع والاراضي المحتلة، كما هو الحال مع الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض أسراه في سجون الاحتلال الى مختلف اصناف التعذيب، والذي لم يسلم منه حتى النساء والقصر.
ويعاني المعارضون المغاربة داخل سجون المخزن من اقسى انواع التعذيب والممارسات الحاطة بالكرامة، كما هو الحال مع المعتقلين السياسيين الصحراويين الذين يتفنن النظام المغربي في تعذيبهم بسبب نشاطهم المناهض للاحتلال، والمطالب بحق تقرير المصير، مثلما تؤكد عليه الشرعية الدولية.
المغرب في محكمة العدل الدولية
وفي اطار ملاحقة المغرب على جرائمه، أودعت منظمات حقوقية دولية أربع شكاوى ضد المملكة أمام لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، تتعلق بأعمال التعذيب وسوء المعاملة لأربعة معتقلين ضمن مجموعتي “أكديم إزيك” و”رفاق الشهيد الولي”، في انتظار شكاوى أخرى سيتم ايداعها لاحقا.
وفي تصريح لـ واج، افاد عضو المكتب التنفيذي لرابطة حماية السجناء الصحراويين بالسجون المغربية، وعضو فريق العمل على الشكاوى، حسنة أبا مولاي الداهي، أن أربعة منظمات دولية، وبالتنسيق مع هيئته، قدمت شكاوى باسم أربعة معتقلين سياسيين صحراويين.
وأوضح الحقوقي الصحراوي أن الشكاية جاءت “لتسليط الضوء على معاناة المعتقلين الصحراويين داخل سجون الاحتلال المغربي، وأيضا لإبراز المحاكمات الصورية التي يتعرضون لها والمحاضر المفبركة التي يتم اعدادها تحت التعذيب، ناهيك عن استهدافهم داخل السجون عبر سياسة ممنهجة انتقاما منهم، بسبب مواقفهم السياسية”.
وحسب التقارير التي تصدرها الرابطة سنويا، يتواجد حاليا بسجون الاحتلال 42 معتقلا سياسيا صحراويا، منهم من يقضي احكاما تتراوح بين 20 سنة سجنا نافذا والحكم بالمؤبد.
وأشار حسنة أبا مولاي الداهي الى أنه رغم تأكيد المعتقلين اثناء المحاكمات على تعرضهم للتعذيب وفبركة المحاضر، الا ان سلطات الاحتلال تتجاهل الامر وتصدر دائما احكاما جائرة وطويلة الأمد.
ولفت الى أن العمل على تقديم الشكاوى استغرق اكثر من سنة، عملت فيها رابطة حماية السجناء الصحراويين بالسجون المغربية على التنسيق بين عائلات المعتقلين ضحايا التعذيب وبين المنظمات والمحامين، من اجل جمع المعلومات والشهادات الحية للعائلات اثناء زيارتهم لأبنائهم من داخل السجون.
ولفت الى صعوبة العمل مع الحصار الإعلامي والعسكري المفروض على المناطق المحتلة، والذي شكل عائقا في التواصل المباشر بين المنظمات والمحامين وبين العائلات.
وما عقد الامر أكثر، حسبه، هو استهداف أعضاء من فريق العمل على الشكاية وهواتفهم ببرنامج التجسس “بيغاسوس”، كما لم تسلم عائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين من التهديد من طرف سلطات الاحتلال.
ويبقى امام المغرب، وفق الحقوقي الصحراوي، خيارين لا ثالث لهما: “اما الاعتراف بقرارات لجنة مناهضة التعذيب، وبالتالي ابطال الاحكام واطلاق سراح المعتقلين السياسيين الصحراويين، اوالتنكر لهذه القرارات وبالتالي التخلف عن ركب حقوق الانسان”.
وذكر في الأخير أن هذه الشكاوى المقدمة هي “تجسيد لأمل الاسرى المدنيين الصحراويين وعائلاتهم في انتزاع حقوقهم، بعد الظلم الذي لحق بهم كمعتقلين منذ سنوات طويلة داخل سجون الاحتلال (…)”.
هذا وتطالب المنظمات الحقوقية التي قدمت شكاوى، الاحتلال المغربي باحترام قرارات لجنة مناهضة التعذيب والإفراج عن جميع المعتقلين المحكومين على أساس الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، مع ضمان حقهم في التعويضات.