كميات هائلة من الأسلحة الغربية تتدفق إلى أوكرانيا، مساعدات وتعبئة الرأي العام في الدول الغربية بلغت مستويات تعيد إلى الأذهان حيثيات فترة الحرب الباردة. لا هم لهم سوى “الغزو” الروسي لأوكرانيا. فهل هي حرب عالمية ثالثة أم إعادة تموقع؟
تعددت الأصوات المعلنة لبداية حرب عالمية ثالثة طرفاها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. وتقول هذه الأصوات إن استمرار الحرب في أوكرانيا وتمسك كل طرف بموقفه يعبر عن البداية الفعلية لهذه الحرب.
أصوات
في منتدى دافوس الذي عقد نهاية ماي، قال رجل العمال جورج سورس إن “غزو” روسيا لأوكرانيا قد يكون فعلا بداية الحرب العالمية الثالثة. وحذر من أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الكساد.
وقالت أولغا سكابيفا وهي مذيعة في التلفزيون الروسي ومقربة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد انتهت، وان حربا عالمية ثالثة قد بدأت. حسبما نقلته جريدة الشرق الأوسط صباح اليوم.
مؤشرات
ومما يستدل به على هذه الفرضية كميات الأسلحة الغربية الموجهة لأوكرانيا التي تقوم بحرب بالنيابة عنه ضد روسيا، التي بدأت تستعيد عافيتها ومكانتها على الساحة الدولية منذ عشرية على الأقل.
وقدرت المساعدات الأمريكية 3.5 مليار أرسلت فعليا ، ومن المنتظر أن تبلغ 40 مليار دولار بعد موافقة الكونغرس على طلب الرئيس الأمريكي. وتشمل أساسا مساعدات إنسانية وأخرى عسكرية، وميزانية أخرى بقيمة 3 مليار دولار مخصصة حصرا للدعم الاستخباراتي.
وتكشف هذه المساعدات استفزازا أمريكيا لروسياـ او محاولة جرها إلى الحرب ، حيث حذر فلاديمير بوتين من أن روسيا لن تسكت على من يحاول التدخل في العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
رغم ذلك تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية وتواصل التصرف بأحادية كما اعتادت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهورها قطبا وحيدا مهيمنا على العالم.
تخل عن الحياد
أعلنت السويد وفلندا، منتصف ماي 2022، نيتهما في الانضمام على حلف الناتو، وقد رحب الرئيس الأمريكي بالقرار، الذي ترفضه روسيا بشدة ومعها تركيا.
وحذرت روسيا جارتها فلندا التي تتقاسم معها حدودا برية، من المضي في القرار، لأن ذلك سيؤثر سلبا على العلاقات بين البلدين. لكن يبقى هذا الإعلان مجرد مناورة على اعتبار أن قرار انضمام أي عضو جديد يتطلب الاجماع، وهو شرط لا يمكن ان يتحقق في ظل معارضة تركيا ذلك.
دوافع
اذا كان من غير الممكن ضم دول جديدة للناتو دون تحقيق الاجماع، فلماذا نفذت روسيا عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ولماذا تدعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أوكرانيا بهذا الشكل.
يمكن أن نجيب هذا من خلال بعض النقاط فيما يأتي:
تنشيط المركب العسكري الصناعي: أثبتت التجارب السابقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تفتعل حروبا خارجية كلما تململ اقتصادها. ولكي تنعشه تلجأ إلى الحروب من أجل تنشيط المركب الصناعي العسكري.
حيث تقدم مساعدات عسكرية كبيرة، ناهيك عن المساعدات المالية، والمقابل يكون السماح لها بإعادة الاعمار عندما تضع الحرب أوزارها، وهذا ينشط غقتصادها وينعشه ويحمسه من الركود.
من جهة أخرى تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استنزاف القوة الروسية، التي بدأت تسترجع مكانتها الدولية، باعتبارها قوة فاعلة في العلاقات الدولية على غرار ما كانت عليه خلال فترة الاتحاد السوفييتي.
يمكن ان نضيف إلى ذلك محاولة أمريكا إبقاء أوروبا تحت هيمنة الناتو، خاصة وأن هذه الأخيرة تريد ان تستقل بسياسة دفاع وأمن مشترك أوروبية بعيدا عن مظلة الناتو. وهذا
إن حدث سيجعل من الحلف غير ذي جدوى في عالم متغير.
روسيا
في إطار طروحات المنظر الروسي ألكسندر دوغين، يتعين على روسيا تامين حدودها، ومنع اقتراب الناتو منها، وعلى هذا الأساس، قامت روسيا بعمليتها العسكرية في أوكرانيا.
ويقول دوغين إن أوكرانيا يجب أن تكون كما تريدها روسيا، فإن لم تكن فستكون هناك أوكرانيا شرقية كما تريدها روسيا وأوكرانيا غربية.
ما يعني ان هدف العملية العسكرية هو إما تغيير النظام في أوكرانيا ليكون مواليا لروسيا -وهذا دأب القوى الكبرى- أو أن تقسمها بحيث تكون أوكرانيا الشرقية منطقة عازلة بين روسيا وحلف الناتو.
من الأهداف الأخرى يمكن ذكر التشويش على طريق الحرير الصيني الجديد، او ما يعرف مبادرة الحزام والطريق. فإذا كانت السياستان الخارجيتان للصين وروسيا تبدوان متسقتين في بعض القضايا، فإن المصالح ليست دائما على وفاق، لأن نحاج مشروع الحزام والطريق في المناطق الآسيوية التي يمر بها، سيشكل منافسة لروسيا في محيطها القريب، وهذا لن يرضيها.