يلاحظ المتتبع لتطورات العلاقات الدولية في الأسابيع الأخيرة، يلاحظ تحول العديد من الدول العربية في مواقفها من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما.
على رأس هذه الدول العربية المعروفة بتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على وجه التحديد.
خذلان
خذلت هاتين الأخيرتين الولايات المتحدة الأمريكية عندما طلبت منهما رفع إنتاج النفط والغاز من اجل تعويض الإنتاج الروسي وبالتالي خفض الأسعار من جهة، وتضييق الخناق على روسيا من جهة أخرى.
أما بالنسبة للإمارات العربية المتحدة فهي تتمسك في هذا السياق بضوابط منظمة الأوبك، القاضية برفع الإنتاج بشكل تدريجي بما لا يضر الدول المنتجة للمنتجة والمصدرة لنفط في المنظمة.
لماذا؟
أدركت الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة والغرب ضرورة إحداث توازن في علاقاتها الخارجية مع الدول الفاعلة الجديدة أي الصين وروسيا والهند، بالموازاة مع الحفاظ على علاقات جيدة مع حلفاءها التقليديين الغربيين.
ويتجلى ذلك من خلال تبني بعض الخطوات في سبيل تخفيف التبعية للدول الغربية، حيث أعلنت السعودية في وقت سابق عن إمكانية التخلي عن الدولار في المعاملات التجارية مع الصين الخاصة بتصدير النفط. واستعمال الريال في تعاملاتها البينية في إطار مجلس التعاون الخليجي.
تأتي هذه الخطوة تقليدا لما أقدمت عليه الصين وروسيا من تبني عملتيهما الوطنيتين في التعامل التجاري البيني. ما يعني أن ذلك شجع المملكة العربية السعودية على اعتماد إجراءات تصب في إطار مصلحتها القومية.
ظروف مواتية
وما يعزز موقف هذه الدول العربية بالإضافة إلى الدول الأخرى التي التزمت الحياد إزاء النزاع الغربي الروسي، هو التحولات في النظام المالي الدولي، التي تتسارع شيئا فشيئا.
حيث سحبت الصين وروسيا البساط من تحت الدولار الأمريكي، واعتمدت الإستراتيجية نفسها التي قام عليها هذا الأخير خلال ما يقارب ثمانية عقود. وهذا أحدث اختلال توازن وهلعا لدى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على حد سواء.
فقد اعتمد الدولار عملة دولية قابلة للصرف، في لقاء غابات بروتن فيما صار يعرف بنظام بروتن وودز. وحسب تحليل مختصين اقتصاديين، فإن هذا النظام سمح لأمريكا ببيع الدولار مقابل ثروات تنتج خارجها، ثم تسترجع الدولار ببيع الثروة المنتجة محليا.
فمثلا تشتري الولايات المتحدة الأمريكية السلع المنتجة في الدول الأوروبية وتدفع الدولار لقاءها، وعندما تريد الدول الأخرى شراء السلع الأمريكية فهي تدفع بالدولار. وهذا يعني أنها لا تخسر شيئا بما أن عملتها هي المسيطرة على التعاملات التجارية الدولية.
يضاف إلى ذلك أن دول العالم كلها كانت تشتري العملة الأمريكية وتدخرها وبذلك حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على مدار 75 عاما على معونات هائلة دون خسائر تذكر.
نهاية الرفاه
لكن خلال السنوات الأخيرة، وبصعود الصين قوة اقتصادية عالمية، بدأ الرفاه الأمريكي في التراجع. حيث أصبح اليوان الصيني عملة تكتسب أهمية كبيرة سنة بعد سنة.
وأصبحت الدول تشتري العملة الصينية إلى جانب شراء الدولار واليورو، باعتبارها عملة دولية جديدة، هم بحاجة إليها في التحويلات الدولية التي فرضها هذا التحول المالي العالمي.
وقد دفع هذا التطور الصين وروسيا إلى اعتماد العملات المحلية التعامل البيني، أي الروبل واليوان، وهذا سيسمح لهمها بتقوية عملاتهما والحصول على معونة كبيرة.
ومثال ذلك أن فرضت روسيا على دول الاتحاد الأوروبي الدفع بالروبل الروسي إذا أرادت الحصول على الغاز. وهذا هو نفسه المبدأ الذي قام عليه الدولار بصفته عملة دولية.
بمعنى أن الدول الأوروبية مجبرة على شراء الروبل الروسي من روسيا ثم إرجاعه إليها في شكل مستحقات الغاز. وبالتالي ارتفع سعر الروبل مقابل اليورو والدولار إلى مستويات قاسية بعد تدن كبير عند بدء فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.