عرفت مالي منذ تولي الجيش السلطة إثر الانقلاب العسكري في 2021، ضغوطا متزايدة، بعضها بفرض عقوبات قاسية على السلطة الجديدة لإجبارها على التنحي. أو من خلال اتهام الجيش بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
كشفت وزارة الخارجية الألمانية أن الأشخاص الذين أوقفهم الجيش المالي أثناء عملية مكافحة الإرهاب هم من جنسية ألمانية، ولم يكونوا متواجدين هناك بتكليف رسمي من الدولة الألمانية.
مساومة
ودعت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبرخت إلى فتح تحقيق فيما وصفته بـ”فظائع ارتكبت في مالي”. ويتعلق الأمر بـ”إعدام جماعي” ضد مدنيين “ارتكبه عسكريون ماليون ومقاتلون أجانب”، في مورا وسط البلاد. حسب ما أعلنه الخبير المستقل للأمم المتحدة المعني بوضع حقوق الإنسان في مالي إليون تين، الأسبوع الماضي.
وصرحت أن شكوكا تحوم حول إمكانية بقاء بعثتي الجيش الألماني هناك. واستمراره في تدريب الجيش المالي لأنه ” قد يتعامل مع الروس أو مرتزقة”.
بما يعني أن ألمانيا تساوم الجيش المالي لوقف التعاون العسكري المبرم مع روسيا إذا ما أراد استمرار تلقي تدريب من البعثة الألمانية.
نفي
وبعد 3 أيام من زيارة كريستين لامبرخت إلى مالي ، ودعوتها إلى فتح تحقيق حول تجاوزات ارتكبت في مالي، أعلن الجيش المالي توقيف ثلاثة أشخاص من جنسية ألمانية بتهمة الإرهاب، في مهمة لمكافحة الإرهاب مطلع الأسبوع.
ونفى الجيش المالي هذه الاتهامات أو تورط أي من عناصره في هذه الفظائع، وأن عمليات نفذت ضد إرهابيين. وقالت قيادة أركان الجيش المالي في بيان مساء الثلاثاء- أي يوم القبض على الإرهابيين الثلاث- عن “مزاعم لا أساس لها” تهدف إلى “تشويه صورة” الجيش.
أسباب
ويدور الصراع في مالي بين البعثات العسكرية الأوروبية في إطار عملية برخان، وبين الجيش المالي من جهة، والتواجد العسكري الروسي من جهة أخرى، والذي جاء في إطار اتفاق تعاون عسكري رسمي بين وزارتي الدفاع المالية والروسية. بعد استيلاء العسكريين على السلطة بقيادة أسيمي غويتا منتصف 2021.
ويشير تصريح وزيرة الدفاع الألمانية حول إمكانية عدم تمديد بقاء بعثة بلادها في مالي – وهو ما سيتقرر شهر ماي- إلى الامتعاض من التواجد الروسي في مالي، والتعاون بين الطرفين.
وزادت الحرب الروسية الأوكرانية من حدة الصراع بين الغرب وروسيا في أفريقيا، لمنع هذه الأخيرة من التوسع أكثر في القارة، وبالتالي تفعيل آلية الحصار المفروض عليها. رغم أن الصراع يمتد إلى فترة ما قبل هذه الحرب.
وعملت روسيا على توطيد علاقاتها مع عدد من الدول الأفريقية والتعاون في مجالات استراتيجية مثل الطاقة والتعليم والتعاون العسكري على وجه التحديد. حيث تقايض السلاح والأمن بالمزايا الاقتصادية.
مناورات
ورغم أن البعثات العسكرية الأوروبية في مالي أعلنت غير مرة نيتها في مغادرة البلاد، لكن ذلك بقي في إطار المناورات والخطاب الاستهلاكي طبقا للظروف الداخلية لاتي تطرأ على هذه الدولة أو تلك.
وأوضح مثال على ذلك هو فرنسا باعتبارها قائدة العملية، حيث استثمرت في هذه النقطة كثيرا في إطار الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية التي جرى الدول الأول منها مطلع الأسبوع.
ورغم الضغوط والاتهامات التي يتعرض لها الجيش المالي تحت قيادة المجلس العسكري، إلا انه نجح في تحقيق نتائج معتبرة في مجال مكافحة الإرهاب، لم تحققها القوات الفرنسية وشركاؤها منذ 2013.
تساؤل
وهذا يدعو إلى طرح السؤال التالي: هل فعلا تقوم القوات الأجنبية بمكافحة الإرهاب في مالي ومنطقة الساحل، أم أنها تستعمله لتبرير بقائها خدمة لمصالحها على حساب مصلحة شعوب المنطقة. وتحييد المنافسين؟
يكمن الجواب في معرفة التحولات الطارئة على الساحة الدولية، ممثلة في صعود الصين وروسيا كقوتين جديدتين منافستين، وتغلغلهما في افريقيا. وهذا يشكل تهديدا للمصالح الغربية الأوروبية التي تعيش على استغلال ثروات الشعوب الأفريقية بشكل يبدو قانونيا، من خلال اتفاقات ثنائية على غرار اتفاقات الدفاع المشترك بين فرنسا و14 دول أفريقية.
وإذا قارنا بين طبيعة التواجد الغربي والتواجد الروسي والصيني، نلاحظ فرقا واسعا. حيث اقترن التواجد الغربي بالمشروطية السياسية وفرض القيم الغربية وتغيير نمط العيش.
بينما تعتمد الصين وروسيا على المنفعة المتبادلة والاعتماد المتبادل.
وهذا النمط تعتمده الصين على وجه التحديد حيث تسعى لتحقيق منافع اقتصادية من خلال إقراض الدول المعنية في شكل مشاريع تكون لها نسبة منها. ولا تشترط انتهاج نظام سياسي أو نظام حكم معين.
وبالتالي، يمكن القول إن ذريعة مكافحة الإرهاب هي ذريعة تستخدمها الدول الأوروبية والغربية على السواء لتنفيذ سياساتها الخارجية، وتلفيق التهم للمنافسين، والضحية هي الدول التي تهاجر إليها التنظيمات الإرهابية الملسحة، وتتكاثر فيها.