بدأت تقارير صحفية تشير إلى أن فكرة انسحاب فرنسا من حلف “الناتو” ردا على إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية، وعلى سرية تشكيل التحالف الثلاثي “أوكوس” بين واشنطن ولندن وكانبيرا.
ما هو اتفاق “أوكوس”؟
أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا الأربعاء الماضي، عن شراكة أمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادي تشمل إلغاء أستراليا صفقة غواصات مع فرنسا.
وبموجب هذه الشراكة الجديدة التي يطلق عليها اسم “أوكوس” (Aukus) ستقوم الولايات المتحدة بتزويد أستراليا بتكنولوجيا وقدرات تمكنها من نشر غواصات تعمل بالطاقة النووية.
وألغت استراليا عقداً قائماً مع فرنسا بخصوص 12 غواصة تعمل بالديزل، وهو ما وصفته باريس بأنه “طعنة في الظهر”..
خسائر الاتحاد الأوربي
قال موقع “فاكتس فور إي يو” ، إن العبء الذي ستتسبب فيه فرنسا، إذا عرقلت اتفاق التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي مع استراليا والولايات المتحدة، سيصل 35 مليار استرليني بحلول 2025.
بين أوت 2020 وجويلية 2021، بلغ إجمالي صادرات دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين إلى أستراليا 31.6 مليار يورو، يقول الموقع المذكور، بينما بلغت الواردات من استراليا 7.8 مليار يورو.. وبذلك يصل حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وأستراليا إلى 39.4 مليار يورو (31.1 مليار جنيه إسترليني).
وأضاف الموقع أن الارتفاع السنوي المتوقع هو 11.2 مليار جنيه إسترليني سنويًا، ما يعني أنه بحلول 2025، سيكون الاتحاد الأوروبي خسر 36.5 مليار جنيه إسترليني في التجارة الإضافية إذا انهار الاتفاق المحتمل بين الجانبين.
الانسحاب المطروح..
في الأيام الأخيرة، دفعت أزمة الغواصات الأسترالية إلى استدعاء تاريخ طويل ومثير من علاقات جمعت الأمريكيين بفرنسا، تعود لما قبل تأسيس الدولة الأمريكية.
ورغم التنافس التاريخي في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية، لكن فرنسا والولايات المتحدة لم تكونا في حالة حرب. ولا يزال التعاون العسكري والسياسي والاستخباراتي الفرنسي الأمريكي حاسما من منطقة الساحل الأفريقي إلى الشرق الأوسط.
لم تكن أزمة الغواصات الأسترالية جديدة على الذاكرة الجمعية الفرنسية، ففي 1958 قدمت الولايات المتحدة التكنولوجيا النووية لبريطانيا وتجاهلت فرنسا، ولذلك أدركت باريس أن عليها تطوير تكنولوجيا وسلاح نووي بعيدا عن الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل خلال سنوات قليلة.
وبعد أعوام من امتلاكها سلاحا نوويا أقدمت فرنسا على الانسحاب من هيكل القيادة العسكرية للناتو عام 1966، واقتصر وجودها على عضوية الحلف فقط، وعادت إلى هيكل القيادة العسكرية للحلف بعد 43 عاما من الغياب عقب وصول الرئيس السابق باراك أوباما للحكم عام 2009.
وعاد الرئيس الفرنسي ماكرون عام 2019 -أثناء رئاسة ترامب- للقول إن “حلف الناتو مات سريريا” بعد أن تبنت إدارة ترامب سياسة “أمريكا أولا”.
وتشير تقارير صحفية إلى أن فكرة الانسحاب الكامل من حلف الناتو هي أحد البدائل التي يتم بحثها في باريس الآن ردا على إلغاء صفقة الغواصات الأسترالية، وعلى سرية تشكيل التحالف الثلاثي “أوكوس” بين واشنطن ولندن وكانبيرا.
صراع فرنسي بريطاني
وكشفت أزمة الغواصات بين باريس والدول الموقعة على الاتفاق الأمني “أوكوس”، وهي بريطانيا وأمريكا وأستراليا، عن عمق الأزمة بين فرنسا وبريطانيا، والحساسية المفرطة بين البلدين، بسبب إرث تاريخي وسياسي طويل وصراع على ريادة القارة الأوروبية.
وصفت الخارجية الفرنسية دخول لندن هذا الاتفاق بأنه يعبر عن “الانتهازية الدائمة لبريطانيا”.
وستبقى “البريكست” نقطة فاصلة في تاريخ العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إذ كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أشد المعارضين لتقديم أي تسهيلات لبريطانيا، وكان دائما يلوح بالخروج بدون اتفاق. وظلت الدبلوماسية الفرنسية تتهم لندن بأنها تريد أن تستفيد لوحدها وأن تضع الشروط التي تريد.
وحتى الآن ما زالت فرنسا تعارض أي تغيير في البروتوكول الخاص بجزيرة أيرلندا، والذي يشكل ملفا حساسا بالنسبة للمملكة المتحدة، ويهدد بأزمة أمنية في حال عدم حله، ومع ذلك تتشدد فرنسا في التعامل مع هذا الملف.
ولم تخل أيام وباء كورونا من ضربات تحت الحزام بين فرنسا وبريطانيا، بداية بقرار الرئيس الفرنسي منع دخول أو خروج أي شاحنات قادمة أو متوجهة نحو بريطانيا، خوفا من تفشي الفيروس، ما أحدث أزمة في بريطانيا ونقصا في عدد من المواد الغذائية.
ما أغضب فرنسا والصين
وقال رئيس المعهد الأوروبي للاستشراف والأمن في أوروبا إيمانويل دوبوي إن ما يزعج باريس من اتفاق “أوكوس” هو أن هذه الشراكة طعنة في ظهرها، خاصة مع وجود صفقة شراء غواصات بين استراليا وفرنسا.
وأوضح دوبوي أن هذا الاتفاق سيقطع العلاقة الإستراتيجية بين فرنسا وأستراليا، خاصة أن توفير هذه الغواصات كان سيبني علاقة إستراتيجية لـ50 عاما بين البلدين، كما كان سيوفر 12 غواصات تعمل بطريقة تقليدية وليست نووية حسب رغبة أستراليا.
ومن الجانب الصيني، تقول تقارير صحفية إن هذه الشراكة ليست دفاعية كما تدعي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا بل هجومية، وأنها تستهدف الصين بشكل واضح، لأن أمريكا تسعى إلى تشكيل جبهة موحدة تكون من حلفائها، في محاولة لفرض طوق هجومي ضد الصين.
محادثات سرية
وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز”) أن الولايات المتحدة وأستراليا بذلتا جهودا كبيرة للحفاظ على سرية مفاوضاتهما حول صفقة الغواصات النووية والحؤول دون علم باريس بها.
وقالت الصحيفة إن المفاوضات حول الصفقة الجديدة بين الأمريكيين والأستراليين بدأت بعد وقت وجيز من تنصيب الرئيس جو بايدن، حيث تواصل الأستراليون مع الإدارة الجديدة قائلين إنهم توصلوا إلى أنه يتعين عليهم إلغاء الاتفاقية التي أبرموها مع فرنسا والتي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار لتزويدهم بعشرات الغواصات الحربية، بحسب ما صرح به مسؤولون أميركيون وبريطانيون.
وأشار التقرير إلى أن الأستراليين أعربوا عن خشيتهم من أن الغواصات الفرنسية التي تعمل بالطاقة التقليدية قد يكون طرازها قديما بحلول موعد تسليمها. وأعربوا عن رغبتهم في الحصول على أسطول من الغواصات الأقل ضجيجا والتي تعمل بالطاقة النووية والمصممة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بغرض استخدامها لتسيير دوريات في مناطق بحر جنوب الصين بحيث تكون مخاطر اكتشافها أقل.
وقالت نيويورك تايمز إنه لم يكن من الواضح كيف ستلغي أستراليا صفقتها مع فرنسا والتي كانت قد تجاوزت الميزانية المرصودة لها وتسابق الزمن للوفاء بالتزامها في الموعد المحدد.
“التمحور في آسيا”
وقالت نيويورك تايمز إن جو بايدن، الذي جعل من التصدي لطموحات الصين الإقليمية محور سياسته للأمن القومي، أخبر مساعديه أن تلك الغواصات فرنسية الصنع لن تفي بالغرض المطلوب، ولا تملك القدرة على أن تجوب المحيط الهادي لتظهر بشكل مفاجئ قبالة الشواطئ الصينية، لتضمن بذلك للغرب عنصر مفاجأة عدوه عسكريا.
وأوضحت أن قرار بايدن يشير إلى أنه بدأ تنفيذ إستراتيجية كانت قد وضعت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قبل 12 عامًا، وأطلقت عليها الإدارة آنذاك اسم “التمحور في آسيا”.