أعلن الجيش النيجيري استسلام ثلاثة آلاف شخص في الأشهر الأخيرة، منهم مئات من عناصر “بوكو حرام” الإرهابية وآخرين من جماعات مشابهة.
أفاد مسؤول في الجيش نيجيري أن عمليات الاستسلام تؤكد نجاح في مواجهة العناصر الإرهابية في النزاع المستمر منذ 12 عاماً.
وأشار إلى أن مقاتلين وعائلاتهم بدأوا الاستسلام، بعد مقتل زعيم “بوكو حرام” الإرهابية أبو بكر شكوي، في قتال مع مسلحين من تنظيم في “ولاية غرب إفريقيا” التابعة تنظيم “داعش” الإرهابي في ماي الماضي.
جماعة “التعليم الغربي حرام”
تعني تسمية جماعة “بوكو حرام” بلغة الهوسا “التعليم الغربي حرام”، الجماعة الإرهابية تنشط في شمال نيجيريا. ارتكبت مجازر بحق المسيحيين والمسلمين المعتدلين ولذلك صنفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية.
تُسمى جماعة “بوكو حرام” أيضاً “طالبان نيجيريا”، والجماعة بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، أي تنظيم داعش الإرهابي. وهي مجموعة مؤلفة بجلها الأعظم من طلبة تخلوا عن الدراسة ويريدون تطبيق الشريعة الإسلامية في كافة أنحاء نيجيريا رغم أن جنوب البلاد تسكنه غالبية مسيحية.
الحادثة التي غيرت كل شيء..
يوم 26 جويلية 2009، ظهرت “بوكوحرام” للوجود، بهجوم شنَّته جماعة “أهل السُّنَّة للدعوة والجھاد”، التي تُعرف اليوم باسم “بوكو حرام”، على مقرات الشرطة في ثلاث ولايات شمالية في نيجيريا ردًّا على اعتقال قادتها.
ردَّت الشرطة بهجوم شامل، فاقتحمت جامع للحركة، وأبادت الموجودين فيه، وتركت الجرحى ينزفون حتى الموت، وخلال خمسة أيام فقط من المواجهات، قتلت الشرطة أكثر من 700 شخص.
تغيرت يوميات نيجيريا بعد هذه الحادثة، وقتل محمد يوسف، زعيم التنظيم، 39 عاما، مثَّلت تلك نقطة تحوُّل لبوكو حرام التي تعهَّدت بالانتقام، وانضوت بعدها مباشرة تحت لواء تنظيم القاعدة.
في نيجيريا نظام فيدرالي يسمح لكل ولاية إنشاء قوانينها الخاصة، ولذلك لم يكن صعبا على الولايات الشمالية إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية تباعا واحدة تلو الأخرى منذ عام 2000.
من بين عشرات الجماعات الإسلامية التي تأسَّست في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر رافعة شعار “العودة لصحيح الإسلام”، مع خوضها غمار الصراع المسلح في وجه الحكومات المتعاقبة ردا على ما اعتبرته مشروعا استعماريا أسقط الخلافة وأضعف الاقتصاد؛ ترفع بوكو حرام الشعارات نفسها، لكنها تزيد عليها شعار العودة إلى الصورة التي كانت عليها نيجيريا قبل الاستعمار حين ازدهرت البلاد تحت حكم إمبراطورية مسلمة لمدة جاوزت خمسة قرون.
منذ قرابة قرن، يرفض قطاع كبير من مسلمي نيجيريا إرسال أبنائهم للتعليم في المدارس، وبحسب تقديرات رسمية، يبلغ عدد الأميين نحو 70 مليون شخص.
ويرجع السبب في ذلك إلى ارتفاع كُلفة التعليم، والأخطر وجود قناعة تامة أن التعليم الحديث يُفسد قيم المسلمين.
وبدلا من التعليم الإلزامي، تنتشر المدارس القرآنية التي لم تجد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) مَفرًّا من دعمها ماديا، لدمج مواضيع الدراسة الأساسية مثل اللغة الإنجليزية والرياضيات في مناهجها.
قصة تنظيم..
بدأت قصة جماعة “بوكو حرام” سنة 2002، حين أسَّس الشيخ محمد يوسف جماعة “أهل السنة للدعوة والجهاد”. تأسَّست الجماعة من طلاب الشريعة والعلوم الدينية، وتعتقد بوكو حرام بكُفر المسؤولين عن إدارة الدولة النيجيرية، بغض النظر عما إذا كان الرئيس مُسلما أم لا، وتُحرِّم الجماعة على المسلمين المشاركة في أي نشاط سياسي أو اجتماعي مرتبط بالمجتمع الغربي، بما في ذلك التصويت في الانتخابات، وارتداء القمصان والسراويل، وتلقي تعليم غير ديني.
وقع التحوُّل المهم في تاريخ الجماعة عام 2004، حين أسَّس محمد يوسف قاعدة عسكرية استقطبت مئات الطلاب والشباب لتصبح بؤرة مركز جهادي عالمي.
في 2009، قادت الحكومة النيجيرية المركزية حملة عنف ضد بوكو حرام قتلت فيها عددا من أعضائها، ليرد يوسف برسالة تهديد إلى الحكومة المركزية جاء فيها أنه “إذا لم تتوقَّف ھجمات قوات الأمن الخاصة خلال 40 یوما، فستبدأ عملیات جھادیة في البلاد لا یستطیع إيقافها إلا الله”.
لكن الحكومة قلَّلت من شأن التحذيرات، وشنَّت حملة كبرى على المسجد والمؤسسات التابعة لبوكو حرام، فردَّت الأخيرة بانتفاضة مسلحة استهدفت تدمير مراكز الشرطة والسجون والمكاتب الحكومية والمدارس والكنائس. وقد قُتل في تلك المواجهات أكثر من 700 مُسلَّح على الأقل من بوكو حرام، على رأسهم أمير الجماعة محمد يوسف الذي أُلقي القبض عليه أثناء محاولته الهرب ثم جرت تصفيته، ما أفضى إلى تحوُّل فكري في صفوف بوكو حرام جعلها تُركِّز على الانتقام والثأر في المقام الأول.
بمقتل محمد يوسف، تولَّى نائبه الدموي “أبو بكر شيكاو” زمام القيادة، وهو الذي دأب على وصف قائده السابق بأنه كان “معتدلا أكثر من اللازم”، لتبدأ مرحلة جديدة تميَّزت بخطاب دموي وسياسات أشد فتكا.
في 2013، صنَّفت الولايات المتحدة بوكو حرام جماعة إرهابية بسبب تدميرها عشرات السجون، ومئات مراكز الشرطة، وقتل آلاف الأشخاص. واشتهرت بوكو حرام آنذاك باختطاف الفتيات، وتجنيدهن، وإجبارهن على تنفيذ عمليات انتحارية في الأسواق.
نالت الحركة شهرة واسعة في إبريل 2014 عقب اختطافها 276 طالبة من إحدى المدارس في ولاية برنو كن يتلقّين تعليما حديثا، وقالت الحركة إنها ستعاملهن باعتبارهن إماء وغنائم حرب. وبحسب تقديرات “اليونيسيف”، تسبَّبت بوكو حرام حتى عام 2015 في إغلاق أكثر من ألف مدرسة، وأجبرت مليون شخص على ترك المدارس، ومقتل نحو 17 ألفا، وتشريد مليونَيْ شخص.
شيكاو المتطرف..
ولد أبو محمد أبو بكر بن محمد الشيكاوي، زعيم تنظيم بوكو حرام، في بلدة شيكاو، التي تتبع منطقة ترمووا المحلية بولاية يوبي وهو ينحدر من قبائل كانوري.
وكان يتحدث بعدد من اللغات منها الهوسا والفولاني والعربية، والإنجليزية. ويلقب بـ”دار التوحيد”، والذي يعني أنه “متخصص في علم التوحيد”.
في 1990 انتقل شيكاو إلى منطقة مافوني في مايدوجوري ودرس تحت إشراف رجل دين تقليدي قبل الالتحاق بكلية بورنو للدراسات القانونية والإسلامية (والتي تسمى الآن كلية محمد غوني للدراسات القانونية والإسلامية). لكنه ترك الكلية لأسباب أيديولوجية دون الحصول على شهادة.
بعد ذلك التقى بمؤسس ما سمي بـ”جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد” محمد يوسف، وأصبح أحد مساعديه ونوابه، تزوج من إحدى أرامله الأربع بعد مقتل يوسف عام 2009.
عُيّن شيكاو قائدًا للجماعة في جويلية 2009، بعد مقتل زعيم بوكو حرام، حيث نجا من الموت في حادثة إطلاق نار أصيب فيها بساقه أثناء محاولة قتله عام 2009 من قبل قوات الأمن النيجيرية في اشتباكات مع عناصر بوكو حرام.
في مارس 2015، تعهد شيكاو بالولاء لزعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي، وكان قبلها يدعي انتماءه للسلفية، حتى عام 2016، عندما أنهى علاقة الجماعة بتنظيم داعش.
انقسامات..
لم تمر قيادة شيكاو لتنظيم بوكو حرام دون قلاقل أو نزاعات داخلية وصراعات على السلطة. فقد تلقى شيكاو رسالة من القاعدة في بلاد المغرب تقدم له النصيحة لكنه لم يستجب لها.
ونتيجة لقيادته غير المنظمة، انشق فصيل من بوكو حرام في عام 2012 لتشكيل جماعة أطلقت على نفسها اسم “أنصار المسلمين في بلاد السودان”.
كان مناصرو شيكاو من المسلحين الإرهابيين غير منضبطين وأساءوا معاملة السكان الذين واجهوهم، ما أدى إلى إنشاء ميليشيات مدنية مثل قوة المهام المدنية المشتركة لمحاربتهم.
في أوت 2016، عيّن تنظيم داعش أبو مصعب البرناوي قائداً للجماعة بدلاً من شيكاو. لكن شيكاو رفض الاعتراف بسلطة البرناوي وانشق جزء من الجماعة تحت مسمى “جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد”، بينما قاد البرناوي “ولاية غرب إفريقيا” التابعة لداعش رفقة مساعده المقرب مامان نور، وهو عسكري يملك خبرة كبيرة، وكان يوصف بأنه القائد الفعلي لتنظيم “بوكو حرام” خلال فترة قيادة البرناوي، لكن نور تم اغتياله عام 2018 على يد عناصر من الجماعة أكثر تطرفاً ليبدأ سقوط البرناوي وعزله.
بينما كان شيكاو يقود جماعته، كان لديه نحو 1500 جندي فقط، بينما كان لدى برناوي 3500 جندي.
وبعد انقسام جماعة بوكوحرام، وقعت اشتباكات عديدة بين قوات شيكاو وبرناوي على مدى السنوات التالية.
في ماي 2021، تصاعد القتال بين تنظيم داعش في إقليم غرب إفريقيا وقوات شيكاو. وحاصر التنظيم غابة سامبيسا، معقل بوكو حرام التقليدي، في 19 ماي حيث حاولت عناصر التنظيم إقناع شيكاو بالاستسلام والاعتراف بسلطة البرناوي، لكن زعيم بوكو حرام رفض. وخلال المفاوضات مع شيكاو، استخدم سترة ناسفة لقتل نفسه بالإضافة إلى أحد كبار قادة الخط الأمامي في تنظيم داعش في غرب أفريقيا والذي كان يتفاوض معه خلال الحادثة.