بعيدا عن التأويلات السياسية –التي لا تعنيني- اقر بان للنظام الايراني مواضع قوة لا مراء فيها، لكني وبعيدا عن “المكايدة السياسية” أود ان اتوقف عند ما اعتقده نقاط ضعف في بنية النظام الايراني والتي قد يكون لها تداعياتها على المدى البعيد أو ربما المتوسط:
أولا: نظام سياسي ديني لمجتمع اقل منه تدينا: ففي الوقت الذي يحدد الدستور الايراني دين الدولة ومذهبها وشروط من يتولى منصب المرشد والرئيس، بل وفي احد هيئاته مجلس لتحديد كيفية التوفيق في القرار الذي ينطوي على تناقض محتمل ما بين الشرع والمصلحة(تشخيص مصلحة النظام)، بالمقابل نجد فجوة بين تغلغل البعد الديني في بنية النظام والموقف الشعبي من الدين، ففي احدث الاستطلاعات للرأي العام الايراني تبينت النتائج التالية:( تم اخذ المتوسط للأجوبة من 5 استطلاعات راي مختلفة)
– 76% من الايرانيين يؤمنون بوجود الله
– 39% يؤمنون بحياة اخرى بعد الموت، و 40% يؤمنون بوجود الجنة والنار، و26% يؤمنون بوجود الجن، و28% يؤمنون بعودة المهدي المنتظر
– يرى 68% ضرورة فصل الدين عن التشريعات الحكومية، بينما يؤيد 19% ضرورة تطابق التشريعات الحكومية مع النصوص الدينية
– 58% من الايرانيين لا يؤيدون تدريس العلوم الدينية في المدارس.
– 56 % لا يؤيدون الزامية الحجاب للمرأة.
إن هذه النتائج تشير الى اتساع هوة النزعة الدينية بين النظام والمجتمع، وهو ما سيدفع النظام لاحقا الى اعادة النظر في وظيفة المرشد (إما بالغائها او جعلها مجلسا أو حصر الوظيفة في قضايا الدين فقط ودون دور سياسي)، وقد يعرف الدستور الايراني تعديلات على نصوصه في الفترة ما بعد خامنئي بفترة متوسطة.
ثانيا: ادعاءات القدرة العسكرية بشكل مبالغ فيها، فالمتابع للتصريحات الايرانية تجاه اسرائيل وامريكا تحديدا تنطوي على “عدم انضباط”، دون انكار ان ايران لديها مقومات عسكرية وعلمية هامة، لكن الحديث عن افناء اسرائيل خلال 24 ساعة، ومسح اسرائيل من الخارطة، وخنق امريكا، …الخ، هي تصريحات تعكس قلقا اكثر منه ثقة في القدرات الذاتية.
وتعبر عن محاولة لتوظيف الحرب النفسية ضد الآخر، دون ادراك ان الآخر ليس بهذه السذاجة، بخاصة انه حقق اختراقات امنية عدة في الداخل الإيراني (الوصول لناتنز.. سرقة الارشيف النووي…اغتيال العلماء الايرانيين…الخ) ومن جانب اخر، قد تخفي هذه التصريحات بعضا من المماحكات الداخلية الايرانية بين القوى السياسية وأجهزة القوة الخشنة.
ثالثا: اعباء العقوبات الاقتصادية الغربية بشكل عام والامريكية بشكل خاص، ورغم الفشل السياسي لهذه العقوبات في انجاز التغيير او خلق الاضطراب السياسي في ايران، الا ان الخسائر الاقتصادية وتعثر مستويات النمو وانتفاخ التضخم ونسب البطالة أثر كثيرا على الأداء الاقتصادي مما يجعل قدرتها على تحقيق الطموحات الاقليمية اكثر تلكؤا.
رابعا: الفساد الاداري: تشير نتائج مقياس الشفافية الى ان ايران منذ عام 2000 الى الآن تتراوح في نقاط الشفافية بين 29 و30 نقطة في اعوام 2016 و2017، لكنها في بقية السنوات سجلت تراجعا واضحا، فقد عادت عام 2020 الى نفس مستوى الفساد الذي كان عام 2013 (25 نقطة).
خامسا: الاعباء الاقليمية: يبدو ان ايران تسير في نفس النهج التركي الاردوغاني من حيث “التمدد الزائد” بما يفرضه من اعباء يراها الشارع الإيراني ذات جدوى اقل مما يروج النظام السياسي (بغض النظر عن أي النظريتين أدق)، ولعل المظاهرات المشهورة في فترة سابقة عن ان طهران أولى بما ينفق من لبنان او فلسطين تشير لهذا الاحساس.
لكن النظرة الموضوعية تشير بالمقابل الى ان مقارنة ايران ببقية دول الاقليم يشير الى انها تحقق تقدما في مكانتها الدولية، كما انها برهنت على قدرة تفاوضية عالية، وقدرة مقابلة على توظيف امكانياتها –رغم العسر- لتحقيق نتائج تستحق التأمل، بل والقدرة على الرد الموجع على الضربات لها، ناهيك عن الاستقلالية الواضحة في اتخاذ قرارها خلافا لدول المنطقة.