وضعت قمة الجامعة العربية التي تسلمت الجزائر رئاستها، منذ شهر نوفمبر الماضي وإلى غاية شهر ماي الجاري، أرضية صلبة للمّ الشمل العربي وتعزيز العمل المشترك، خدمة لقضايا الأمة العربية، في مقدمتها القضية الفلسطينية.
“إعلان الجزائر” ـ حسب خبراء ـ صالح لكل زمان ومكان، لأنه حمل آليات تنفيذ القرارات بدل الاكتفاء بصياغة توصيات مثلما كان معمولا به سابقا، كما أرسى مقاربات جديدة لحل الأزمات العربية، وفق تصور داخلي للدول وشعوبها وفي إطارها العربي، مثل أزمات سوريا، اليمن، والعراق وليبيا والسودان الشقيقة، لإنهاء التدخلات الأجنبية، وإبعاد المنطقة العربية من خطر مخططات تقسيم أخرى، وشهدت قمة الجزائر، لأول مرة بعد 75 سنة، توافقا حول العديد من المسائل من بينها تحقيق المكانة المرجوة للدول العربية في النظام العالمي الجديد، وقد تحقق تقارب بين عدة دول عربية، بعد سنوات من الخلافات.
بالرغم من أن فترة رئاسة الجزائر للجامعة العربية، كانت قصيرة، حيث امتدت من نوفمبر 2022 إلى ماي 2023، أي نحو 6 أشهر و19 يوما، لكنها حققت خلالها المجموعة العربية، حسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية والدراسات الإستراتيجية والأمنية الدكتور إدريس عطية، عدة إنجازات بناء على التصور الذي قدمته الجزائر منذ البداية، واشتغلت عليه عندما رفعت شعار “لمّ الشمل” سواء على مستوى القضية الفلسطينية، حيث أرادت أن يكون لمّ الشمل الفلسطيني مقدمة للمّ الشمل العربي، أو على مستوى قمة الجامعة العربية المنعقدة في نوفمبر الماضي تحت شعار “لمّ الشمل”.
تكريس عوامل التكامل العربي الحقيقي
أبرز الدكتور عطية، أن الجزائر خلال رئاستها الجامعة العربية، نجحت “في إعادة مركزية القضية الفلسطينية على مستوى الحضور العربي والتأكيد عليها في الوجدان العربي والمنظومة الدولية، فقد طالبت بضرورة البحث على عضوية كاملة لفلسطين داخل هيئة الأمم المتحدة، معتبرا احتفاء الأمم المتحدة لأول مرة منذ 75 سنة بالنكبة الفلسطينية، أحد انجازات القمة العربية المنعقدة بالجزائر، وأحد الجهود البارزة التي تقوم بها الجزائر.
أما بخصوص مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فأكد الدكتور عطية، أن هذه القضية هي رهان ومطلب جزائري منذ أزيد من عقد من الزمن، وهي التي رافعت لصالح هذه القضية، قبل انعقاد قمة الجامعة العربية في الجزائر، وبعد ذلك وحتى أثناء انعقاد القمة، فالموقف الجزائري حسبه، “كان واضحا ورافضا لإقصاء أي بلد عربي خاصة وأن سوريا تحمل رمزيات عديدة، رمزية سياسية كونها عضو مؤسس في الجامعة العربية، وديمغرافية كون المجتمع السوري جزء من العالم العربي، رمزية عربية كون سوريا أيضا هي البوابة الشمالية للدول العربية وهذه الرقعة الجغرافية، إلى جانب عوامل أخرى منها الجانب التاريخي فدمشق هي عاصمة الأمويين ولها مكانتها وعلاقاتها في الحضيرة العربية والاسلامية”.
أما على المستوى الدبلوماسي، فأوضح الدكتور عطية أن الجزائر كان لها الفضل في التحرك على عدة مستويات في المدارات الجيوستراتيجية باسم المجموعة العربية، مادام أن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أرسل العديد من الرسائل بخصوص الوضع في السودان، وأكد ضرورة المسارعة في حل الصراع في ليبيا، وأيضا اليمن وبالتالي كل هذه النشاطات الدبلوماسية سمحت للجزائر، أن تقرّب وجهات النظر بين الأشقاء العرب، ناهيك عن التصور الجزائري الذي نجح في تقريب وجهات النظر بين العديد من الدول العربية وسوريا على مستوى التطبيع معها.
أما على المستوى الاقتصادي، فالجزائر طرحت فكرة إنشاء تكتل عربي وهذا تحضيرا للتحولات الجيواستراتجية الدولية الراهنة، خاصة وأن العالم يتوجه إلى هندسة العلاقات الدولية وهناك نظام عالمي جديد، والتكتل الاقتصادي حسب الدكتور عطية “هو مؤشر مهم لتطوير المجموعة العربية والبحث عن استقلالية النظام الإقليمي العربي، بعيدا عن الهيمنة الغربية، أو على الرهانات الإستراتيجية.
فاليوم الجامعة العربية هي أمام هامش كبير، من المناورة للتفاعل مع الدول الأقطاب على مستوى العالم على غرار الصين، روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، أو أيضا القوى الأوروبية”.
وتميزت القمة العربية بالجزائر حسب عطية، بقرارات نوعية، وتعتبر كذلك خارطة طريق للمجموعة العربية ـ العربية من أجل تجسيد التكامل والتعاون، خاصة وأنها ركزت على ملفات تقنية وموضوعاتية بذاتها، مثل الأمن الصحي والغذائي، وغيرها من الرهانات العربية، وأدرجت العوامل الحقيقية للتكامل والاندماج بين المجموعة العربية، بعيدا عن الشعارات الجوفاء، فكانت ناجحة قولا وفعلا وعملا، ناهيك عن الحضور النوعي والمتميز، بحيث حققت الجزائر نجاحا دبلوماسيا كبيرا في جمع القادة العرب، بمستوى وبطريقة غير مسبوقة في القمم العربية السابقة، وذلك بشهادة الجميع.
أرضية خصبة لتوحيد الصف العربي وإيجاد حلول للأزمات
من جهته، وصف المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الدكتور رضوان بوهيدل في حديثه لـ«الشعب”، قمة الجامعة العربية المنعقدة في الجزائر، غرة نوفمبر بـ “التاريخية” بكل المقاييس من حيث الحضور والمخرجات، من حيث ما جرى في الجلسات سواء الجلسات الأولية التمهيدية للمندوبين، أو جلسات وزراء الخارجية وصولا إلى الجلسات الخاصة بالقادة العرب.
وقال بوهيدل “الجميع اعترف باستثنائية هذه القمة المرتبطة باسم الجزائر ومخرجاتها الرامية إلى توحيد الصف ولمّ الشمل العربي”، معتبرا إياها “مكسبا يجب تعزيزه خلال القمم القادمة بناء على مخرجات قمة الجزائر”.
فقمة القمم بالجزائر، تعتبر حسب الأستاذ بوهيدل “أرضية خصبة لمواصلة العمل العربي- العربي، لتوحيد الصف وايجاد حلول للازمات العربية سواء في ليبيا أو السودان أو اليمن وسوريا، وخاصة توحيد الصف الفلسطيني”، وهي سابقة تاريخية مثلما ذكر “تمكن من خلالها رئيس الجمهورية لمّ شمل الفصائل ثم مباشرة إقناع الدول العربية بإعادة القضية الأم وهي القضية الفلسطينية إلى أولى أولويات أجندة الجامعة العربية وهذا إنجاز لا يمكن تجاوزه”.
وأوضح بوهيدل، أن قيادات الدول مضطرة لوضع اليد في اليد حتى تخرج الدول العربية المتأزمة مما أسماه المستنقعات المفبركة في الكثير من الأحيان أو المتعمدة والتي فيها خلق نوع من الفوضى حتى تبقى الدول العربية بعيدا عن المجتمع الدولي تعيش في صراعات داخلية فقط.
وذكر بوهيدل أن الجامعة العربية عندما تأسست في منتصف الاربعينيات في القرن الماضي، كانت بهدف دعم القضية الفلسطينية، ومع مرور الوقت كادت القضية الفلسطينية أن تختفي لولا قمة الجزائر الأخيرة التي أعادت لها بريقها واهتمام العرب بهذه القضية المهمة، وهي القضية الأم بالنسبة للدول العربية.
لذلك يقول بوهيدل، يجب أن تؤدي الجامعة العربية اليوم دورها الحقيقي حتى تثبت للعالم توحد العرب، وعليه ينبغي اليوم أن تكون مخرجات القمم العربية واقعية، ومواصلة لما أنجزته القمة النوفمبرية بالجزائر، بما يمكن تنفيذها على أرض الواقع دون أي خلافات، ويجب أن تبرز الجامعة العربية أنها هيئة قادرة على تمثيل كل العرب كمؤسسة، وهذا أهم شيء، حتى نمنع أي تغلغل خارجي داخل الدول العربية التي تحاول في كثير من الأحيان تنفيذ أجندات من خلال توجيه الرأي العام وتوجيه الأنظمة في الدولة العربية لتنفيذ أجندة لا تخدم الشعوب العربية ولكن تخدم القوى الكبرى.
وأكد بوهيدل أن الأمل يبقى قائما بعودة سوريا الشقيقة، وأنه ستكون هناك انعكاسات كبيرة على بقية العلاقات، والتوافق سيكون حسبه حول ايجاد حلول للأزمة السودانية والليبية ودعم الانتخابات الليبية حتى تعطي الشرعية والوحدة لتواجد ليبيا في الجامعة العربية والمجتمع الدولي.
/////////////