يعيش لبنان، للسنة الرابعة على التوالي، أزمة اقتصادية ومالية وسياسية، تنذر بمستقبل قريب مجهول. في وقت يرى مراقبون أن الأزمة قد تفضي إلى نزاع مسلح.
دفعت الأزمة الاقتصادية في لبنان الحكومة إلى منع المواطنين من التصرف في أموالهم المودعة في البنوك. وتسبب هذا في دفع الكثير منهم إلى اقتحام المصارف قصد استرجاع ودائعهم. وتحدثت وسائل إعلام عن إمكانية أن تغلق البنوك اللبنانية أبوابها لثلاثة أيام مخافة انتشار الظاهرة.
أقدم سبعة مواطنين لبنانيين على اقتحام بنوك في مناطق مختلفة من لبنان، الجمعة الماضي. وكان الدافع وراء ذلك هو سحب أموالهم التي منعوا من التصرف فيها بسبب الأزمة الاقتصادية، التي يتخبط فيها لبنان. فما هي الأسباب التي حولت “سويسرا الشرق الأوسط” إلى بلد غارق في الديون والفقر.
أسباب سوسيواقتصادية
يعيش لبنان على وقع أزمة اقتصادية هي الأشد بين ثلاث أزمات في العام منذ خمسينات القرن الماضي. وذلك حسب تقرير البنك الدولي حول الوضع الاقتصادي في لبنان لعام 2022.
وأشار المرصد الاقتصادي للبنان، إلى أن الناتج المحلي الخام الحقيقي قد تراجع بنسبة 20.3 العام 2020، بسبب الانكماش الاقتصادي للعام 2019 الذي قدر بـ6.7 بالمائة. وأثر ذلك على ارتفاع معدلات الفقر وزيادة عدد السكان غير القادرين على تحمل تكاليف استبدال خدمات القطاع العام بالقطاع الخاص.
وأشار التقرير المذكور إلى أن الأزمة المالية والاقتصادية تسبب في دفع ثلاثة أرباع اللبنانيين إلى الفقر. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بـ350 بالمائة، حسب تقرير منظمة الغذاء العالمية الصادر شهر جانفي 2022.
وعلاوة على ذلك يعيش لبنان أزمة دين خارجي خانقة، دفعت بالسلطات إلى إعلان عدم تسديد ديونها. إذ قدرت قيمة الدين الخارجي العام 2019 بـ150 بالمائة من مجموع الناتج المحلي الخام. ليقفز إلى 495 بالمائة بحلول عام 2021، حسب تقديرات أخرى.
ويشير اقتصاديون إلى أن السبب وراء الأزمة، هو السياسة التي انتهجها القادة في لبنان، بالاعتماد على الاقتراض لتسديد الديون.
إلى جانب انتهاج اللبنايين سياسة الإنفاق، بسبب تسقيف سعر الليرة أمام الدولار في حدود 1500 ليرة مقابل دولار واحد. حيث يمكن التعامل بالعملتين معا في لبنان، حتى إن المواطن يمكنه تصريف العملات عند قابض المتاجر الكبرى.
دوافع سياسية
وتشير دراسات إلى أن الخلافات السياسية أثرت على عائدات لبنان من التحويلات المالية في الخارج. بسبب الخلاف الطائفي. ثم موجة ما عرف بـ”الربيع العربي” الذي قلب النظام الإقليمي العربي رأسا على عقب، بسبب التدخلات الأجنبية ومحاولة تقسيم دوله. ضف إلى ذلك تراجع تأييد دول الخليج السنية للبنان بسبب تقارب حزب الله مع إيران. هذه الأخيرة تعتبر الخصم الأول لدول الخليج في المنطقة. وعليه رفعت دول الخليج يدها عن دعم احتياطات البنك المركزي اللبناني. هذا من جهة.
من جهة أخرى كانت التحويلات المالية أحد أكثر مصادر الدولارات موثوقية، من ملايين اللبنانيين المغتربين بحثا عن عمل. وبلغت هذه التحويلات -حسب إحصائيات البنك الدولي- شهر ماي 2022، 7.3 مليار دولار العام 2019، و6.6 مليار دولار سنة 2021. .
في حين قدرت 1,6 مليار دولار عام 2009. و1,4 مليار دولارعام 2008، مقابل 1,1 مليار عام2007. مع الأخذ بعين الاعتبار فارق القدرة الشرائية لليرة اللبنانية، التي رغم تسقيف قيمتها امام الدولار في حدود 1500 ليرة منذ العام 1993، لكن قدرتها الشرائية الحقيقة في تدهور ملحوظ.
وفوق كل هذا لم يتمكن رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي المكلف بتشكيل حكومة جديدة، إتمام المهمة الموكلة إليه، وذلك منذ آخر انتخابات تشريعية لبنانية شهر ماي 2022.
ماذا حدث في 2019؟
ورغم إصلاحات أراد بنك لبنان تطبيقها، من خلال تسقيف سعر الصرف، الذي كان سيمكنه من الخروج من أزمته، لكن ممارسات سياسية حالت دون ذلك. فبدل ترشيد الإنفاق تم رفع أجور القطاع في 2018، وهي السنة التي سبقت انفجار الأزمة المالية.
وتسبب فشل الإصلاحات في تراجع المانحين الأجانب عن تقديم المساعدات المالية لبنان. فاضطر الساسة الى فرض ضرائب على بعض الخدمات. وكانت الضرائب القطرة التي أفاضت الكأس وانتفض الشارع اللبناني في أكتوبر 2019، رفضا لتلك التدابير.
في هذه الظروف نزفت البنوك اللبنانية وهاجرت الدولارات، وجمدت السلطات حق التصرف في الودائع التي تراجعن قيمتها مع تراجع قيمة الليرة إلى سعر ثابت 23 ألف ليرة مقابل الدولار، بعد أن وصلت 34 ألفا.
وما زاد الطين بلة هو انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب هو الأخر في خسائر كبيرة، وخلافات سياسية بسبب تحقيقات حول أسباب التفجير وتبادل الاتهامات داخليا. ضف إلى ذلك فيروس كورونا الذي أضر بأعتى إقتصادات العالم.
حلول
ومن اجل الخروج من أزمته المالية يحتاج لبنان، حسب المرصد الاقتصادي للبنان، إستراتيجية تستند إلى:
- برنامج إعادة هيكلة الديون الذي سيحقق حيز مالي قصير الأجل وقدرة على تحمل الديون متوسطة الأجل.
2. إعادة الهيكلة الشاملة للقطاع المالي من أجل استعادة الملاءة المالية للقطاع المصرفي.
3. اعتماد إطار جديد للسياسة النقدية يستعيد الثقة والاستقرار في سعر الصرف .
4. تعديل مالي مرحلي يهدف إلى استعادة الثقة في السياسة المالية .
5. الإصلاحات المعززة للنمو.
6. تعزيز الحماية الاجتماعية.