لم تهنأ حركة طالبان بعودتها إلى السلطة في أفغانستان، إذ سرعان ما انفجرت بؤرة مقاومة مسلحة ضدها في منطقة “وادي بنجشير” التي تبعد حوالي 150 كيلومترا عن شمال شرقي العاصمة كابول.
تتكون الحركة المناهضة لطالبان من مقاتلين ومن فلول الجيش النظامي الأفغاني ووحدات من القوات الخاصة، إلى جانب مليشيات محلية.
يقود الحركة المعارضة أحمد مسعود، نجل القائد الأفغاني الطاجيكي، أحمد شاه مسعود الذي قتله تنظيم القاعدة في 9 سبتمبر 2001 في أفغانستان.
و إلى جانب مسعود الذي أسس “جبهة المقاومة الوطنية”، يقاتل ضد حركة طالبان في منطقة بنجشير، أمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، و الجنرال بسم الله محمدي، ووزير الدفاع في حكومة غني، وقياديون آخرون.
وكانت المنطقة معقلا للتحالف الشمالي تحت قيادة الراحل أحمد شاه مسعود.
اشتباكات
بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول في 15 أوث الجاري، حذرها القائد الشاب (مولود عام 1989) من دخول إقليم بنجشير، وأكد في تصريح صحفي سابق له أنه “يحظى بدعم قوات من الحكومة السابقة والأهالي.”
وتشير مصادر إخبارية إلى أن عدد قوات مسعود تزيد عن ستة آلاف مقاتل، تجمعوا فيوادي بنجشير ، ومعهم بعض طائرات الهليكوبتر والمركبات العسكرية، وبعض المركبات المدرعة التي خلفها السوفييت.
وجرت اشتباكات بين مقاتلي أحمد مسعود ومقاتلي حركة طالبان في إقليم بغلان، على بعد نحو 100 كيلومتر شمال العاصمة كابول.
و أعلنت حركة طالبان في 22 من الشهر الجاري توجه مئات من مقاتليها إلى منطقة بنجشير للسيطرة عليها، وفي اليوم التالي أعلنت على لسان المتحدث باسمها، ذبيح الله مجاهد أن مسلحي الحركة سيطروا على كل المديريات التي كانت بيد المعارضة في إقليم بغلان، ويضيقون الخناق على بنجشير.
وأكد أن الحركة استعادت السيطرة على ثلاث مناطق في شمال أفغانستان كانت قد سقطت في أيدي ميليشيات محلية، الأسبوع الماضي..
طلب الدعم
وكانت حركة طالبان منحت مسعود، مهلة للاستسلام، لكنه رفض، وقال في مقابلة صحفية “طالما أنني على قيد الحياة وطالما بقيت أسير على قدمي، فإن وادي بنجشير لن يسلم على الإطلاق لحركة طالبان، لا يمكن لنا أن نستسلم نريد أن نعمل ونتصالح ونخدم بلادنا..”
غير أن وكالة رويترز للأنباء نقلت عنه قوله إنه يريد أن يجعل طالبان تدرك أن السبيل الوحيد للمضي قدما هو من خلال التفاوض والحديث، وإنه لا يريد اندلاع الحرب.
وكان مسعود طلب دعم الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي بالسلاح لإيقاف تمدد حلاكة طالبان في أفغانستان.
كما انتقد الولايات المتحدة لما وصفه “باتفاق سلام سيء للغاية ومثير للاشمئزاز” مع طالبان. وقال إن الممثل الخاص للولايات المتحدة زلماي خليل زاد بمفرده أوجد هذه الفوضى..
وشكك مراقبون غربيون في قدرة مسعود وجماعته على شن مقاومة فعالة على حركة طالبان، في ظل الافتقار إلى الدعم الخارجي والحاجة إلى إصلاح الأسلحة وصيانتها.
كما يشير محللون إلى أن حركة طالبان بإمكانها الحد من نفوذ جماعة أحمد مسعود في حال سارعت إلى تشكيل حكومة تجمع كافة الأطياف الأفغانية.
ومن جهتها، أعلنت باكستان على لسان وزير خارجيتها، شاه محمود فريشي، الاثنين، أن الصدام المعلن من قبل الحركة المعارضة في منطقة بنجشير الأفغانية، لا يجدي نفعا، وإنما الحل يتمثل بالانخراط في المشاورات.
ودعا الوزير فريشي في مؤتمر صحفي الحركة المعارضة في وادي بنجشير أن تتفهم الأمر وتنخرط في العملية التشاورية الأفغانية.
خصوصية
بقول الأفغان إن منطقة بنجشير المحاطة بالجبال الشاهقة تتميز بخصوصيتها عن باقي مناطق أفغانستان، إذ تشتهر بعنادها وبصدها للهجمات، بما في ذلك هجمات القوات السوفيتية خلال الحرب السوفيتية الأفغانية في الفترة من 1979 إلى 1989، وهجمات حركة طالبان في تسعينيات القرن الماضي.
ولم تسيطر حركة طالبان على المنطقة خلال فترة حكمها السابقة للبلاد بين عامي 1996 و2001.
وفي فترة تواجد قوات حلف شمال الأطلسي والحكومة المدعومة من الغرب (2001 – 2021) كانت منطقة وادي بنجشير الأكثر أمنا في أفغانستان، وكانت تتمتع بالكثير من الاستقلالية عن الحكومة المركزية في كابول.
وأغلبية سكان المنطقة البالغ عددهم 150 ألفا، هم من الطاجيك، في حين أن أغلبية عناصر حركة طالبان من البشتون.
وتتميز بموقع جغرافي يعزلها عن باقي أفغانستان، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر ضيق شقه نهر بانشير.
وتعني كلمة “بنجشير” خمسة أسود باللغة الفارسية. و حسب رواية الأفغان، فإن الاسم يرتبط بقصة تعود إلى القرن العاشر، إذ تمكن خمسة إخوة من وضع سد أمام مياه الفيضانات المتدفقة إلى الوادي في عهد السلطان محمود غزنة، فأطلق على الإخوة الخمسة لقب “الأسود الخمسة”.