لم يتفاجأ مراقبون بالسيطرة السريعة لحركة طالبان على السلطة في أفغانستان، بقدر تفاجئهم بالانهيار الذي أصاب القوات الأفغانية رغم الانفاق الأمريكي الضخم على تدريبها وتجهيزها.
أجمعت معظم التقارير الإخبارية القادمة من أفغانستان على أن القوات الأفغانية (الجيش والشرطة) لم تقاوم مقاتلي طالبان في الولايات التي دخلوها، بل أنها تركت مواقعها وسلمت أسلحتها دون قتال.
بدون مقاومة
وفي غضون عشرة أيام، تمكنت طالبان من السيطرة على كامل المناطق الأفغانية تقريبا، بعد أن باشرت هجومها في ماي الماضي، مع بدء الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية وخاصة الأمريكية من أفغانستان.
واستولى مقاتلو طالبان على المناطق والولايات والمدن الرئيسية تباعا، دون أن يواجهوا مقاومة كبيرة، وحتى القادة العسكريين الذين استعان بهم الرئيس، أشرف غني لمواجهة زحف طالبان فروا من المعارك، وكان أبرزهم الجنرال المعروف، عبد الرشيد دوستم.
ونقلت مواقع التواصل الاجتماعي والمحطات التلفزيونية صور وفيديوهات لوحدات من الجيش الأفغاني وهي تفر من أرض المعارك دون قتال، رغم أن تعداد الجيش الأفغاني يبلغ 300 ألف جندي، بينما قوات طالبان تعدادها 70 ألف.
وأنفق الأمريكيون 83 مليار دولار لإنشاء جيش يحمي مصالحهم في هذا البلد الذي قاموا بغزوه بهد هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.
وتمتع الجيش الأفغاني منذ عشرين عاما بدعم القوات الأمريكية و الأجنبية الموجودة في البلاد، وجهزته واشنطن بأحدث المعدات، مثل الطائرات والمروحيات والطائرات بدون طيار والمدرعات ونظارات الرؤية الليلية، وحتى طائرات الهليكوبتر من طراز بلاك هوك.
وأكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن السبت الماضي أن بلاده استثمرت نحو تريليون دولار، ودربت أكثر من 300 ألف جندي وشرطي أفغاني، وزودتهم بأحدث المعدات العسكرية، وحافظت على قواتهم الجوية في إطار أطول حرب في التاريخ الأميركي..
ورغم الدعم المادي واللوجيستيكي الذي حظيت به القوات الأفغانية، إلا أنها وجدت نفسها عاجزة بعد تخلي الحلفاء عنها، إثر قرارهم الانسحاب من أفغانستان.
و أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في أفريل الماضي أن القوات الأمريكية ستنسحب من البلاد بحلول نهاية الصيف، ويرافقه انسحاب حلفاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذين يمثلون ما مجموعه حوالي عشرة آلاف جندي.
أسباب الانهيار
وتباينت تحليلات المعلقين والخبراء بشأن الانهيار الذي أصاب الجيش الأفغاني، بين من يرجعه إلى غياب العقيدة القتالية لديه، وبين من يربطه بالفساد المستشري داخل المؤسسسات الرسمية الأفغانية.
ويشير مقال تحليلي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية بعنوان: “حكاية جيشين: لماذا أثبتت القوات الأفغانية أنها لا تضاهي طالبان؟”، أن الجيش الأفغاني يتمتع بتجهيز جيد من الناحية الشكلية، ولكنه يعتمد على دعم الناتو، في حين أن جيش طالبان ضعيف التجهيز ولكن لديه دوافع إيديولوجية عالية..
ويشير المقال إلى أن القوات الأمريكية، أنفقت 88.3 مليار دولار أمريكي على جهود إعادة الإعمار ذات صلة بالأمن في أفغانستان حتى مارس 2021.
ويرجع مراقبون ما حدث في افغانستان، إلى المال الأمريكي الذي تسبب في فساد كبير داخل المؤسستين السياسية والعسكرية.
ويقول الخبير الأمني الأفغاني، رائيفي جقلان لموقع “سكاي نيوز” الإماراتي إن الفساد كان ضاربا في مؤسسات الدولة الأفغانية، وعلى رأسها مؤسسة الجيش، ويشير إلى إن آلاف الضباط والجنود المتطوعين داخله خلال السنوات الماضية كانوا يعتبرونه مجرد مؤسسة ذات مداخيل ثابتة فقط.
ويضيف “لذلك ينهار الجيش أمام مقاتلي طالبان الذين قاتلون عن عقيدة، فيخوضون حروب الأحياء والأزقة بكل عزيمة..”
وكانت رواتب الجيش الأفغاني تدفع لسنوات من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، وبعد إعلان الجيش الأمريكي انسحابه في منتصف أفريل، تدفقت الأموال على الحكومة في كابول.
وتشير مصادر إلى أن أفراد الشرطة الأفغانية لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور من وزارة الداخلية.
ويذكر أن الرئيس الأفغاني أشرف غني فر من العاصمة كابول أمس، بسيارات مليئة بالمال، وما لم يتمكن من حمله معه بقي على مدرج الإقلاع بالمطار، بحسب ما ذكرت مصادر إخباربة.
وكان أشرف غني، أكاديمي وخبير اقتصادي، انتخب رئيسا لأفغانستان في العام 2014، إثر حملة تعهد فيها بإصلاح الأوضاع في البلاد ووضع حد للفساد، لكنه في نهاية المطاف تخلى عن السلطة بعدما حاصرت حركة طالبان العاصمة كابول.