أشاد مجلس الأمن الدولي مؤخرا بدور الجزائر، في دعم الأطراف المالية لتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، باعتبارها رئيسة الوساطة الدولية.
يأتي ذلك قبل 5 أشهر استلام الجزائر عضويتها ضمن هذا الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة، أين يتوقع منها مساهمة نوعية في إحلال السلم والأمن الدوليين.
سجلت الجزائر حضورا طاغيا، في المشهد الدولي، هذه الأيام، بفعل السياسة الخارجية المتنامية على أكثر من جبهة، في العمل الثنائي أو متعدد الأطراف، ولعل فوزها بعضوية مجلس الأمن للفترة ما بين 2024 و2025، وزيارة رئيس الجمهورية، إلى روسيا، شكلا حدثين بارزين جعلاها تتصدر النقاش في مختلف الفضاءات السياسية والإعلامية.
أمام الزخم، يحضر التساؤل عن رؤية الآخر للأداء الفعال للدبلوماسية الجزائرية.. ويكفي بحث بسيط لملاحظة إجماع المراقبين والمختصين، على تسجيل «عودة قوية» على الساحة الدولية، لدولة بصدد إعادة هندسة مصالحها الوطنية مع الشركاء الدوليين.
هذا التقييم الحاصل، يجعلها في موقع الدولة الأكثر تميزا، ممن تم انتخابهم في 6 جوان الماضي لشغل العضوية غير الدائمة لمجلس الأمن، بينما تزداد القناعات بتشريفها لعهدتها في الجهاز الرئيسي للأمم المتحدة، اعتبارا لرصيدها الحافل في خدمة السلم والأمن الدوليين.
ويمثل حفظ السلم والأمن الدوليين، الاختصاص الرسمي الأول لمجلس الأمن، ويداول بشأنهما قبل إصدار قرارات ولوائح تنفيذية، حتى لما يتعلق الأمر باستخدام القوة أحيانا، لكن المقاربة المدمجة هي الأساس الذي ينبني عليه دور منظمة الأمم ككل.
والمقصود من هذه المقاربة، تجميع مختلف الأدوات والآليات لإحقاق السلم والأمن، ولا توجد آلية معينة. ومن هذا المنطلق تملك الجزائر تجربة حافلة، أكدت مرارا استعدادها لمقاسمتها مع الشركاء الدوليين وبالأخص الدول التي تقع ضمن فضاء الانتماء الجغرافي، كإفريقيا، العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط.
وعرف عن الدبلوماسية، تمرسها في إنجاز الوساطات النجاحة منذ سبعينيات القرن الماضي، بين العراق وإيران، وإطلاق سراح الرعايا الأمريكيين في الثمانينات، ثم توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وارتيريا مطلع الألفية وصولا إلى رعاية اتفاق السلم والمصالحة بمالي المنبثق عن مسار الجزائر.
وفي مالي وحدها، أشرفت الجزائر على جميع عمليات الوساطة لإنهاء الأزمات التي عرفها هذا البلد منذ 1965، فدائما ما كانت المكان المفضل لإنهاء الاختلافات بين الأطراف المالية.
مكافحة الإرهاب
من بين الأوليات الأربعة التي حددتها الجزائر، لتشريف عهدتها في مجلس الأمن «إضفاء زخم أكبر على الحرب الدولية ضد الإرهاب». ويعترف العالم بفضلها في مكافحة آفة العصر الحديث، إذ كانت سباقة للتحذير من هذا الخطر المدمر الذي لا يعرف حدودا ولا دينا ولا لغة.
وفي كلمته، في النقاش رفيع المستوى بمجلس الأمن حول مكافحة الإرهاب، أبرز رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، كيف تمكن الجزائر « في تسعينيات القرن الـماضي من مواجهة ودحر شرور الإرهاب وسط غياب شبه كلي للدعم الـمادي والـمعنوي الـمنتظر من الـمجتمع الدولي».
ومع ذلك، أكد الرئيس تبون، بصفته منسق الإتحاد الإفريقي، لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والوقاية منهما، «مواصلة، وبنفس الروح، جهودنا الرامية لـمساندة أشقائها في جوارنا الـمباشر على الصعيد القاري في حربهم ضد الإرهاب والتطرف العنيف، مسترشدة في ذلك بتجربتـها الـمريرة والناجحة في ذات الوقت».
وقدمت الجزائر، الكثير من الإسهامات النوعية، في محاربة الظاهرة، على مستوى المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب حينما تولت رئاسته المشتركة مع كندا لسنوات عديدة.
استجابة عميقة للأزمات
على صعيد آخر، تأخذ الجزائر دائما بالأسباب العميقة للأزمات المستعصية أو المستدامة، بالنسبة لها لا يمكن الحديث عن السلم والأمن في الساحل الإفريقي، دون تنمية أو دون توفير بواعث الأمل لشعوب المنطقة وخاصة شبابها.
والانطلاق من تطلعات الشعوب ومشاكلها الحقيقية، دائما ما يجعلها تقف على المسافة ذاتها مع جميع الأطراف المتصارعة، ما اكسبها مع الوقت، صفتي النزاهة والمصداقية، الأمر الذي يؤهلها إلى النجاح في كل وساطة تجريها.
وغالبا ما يطوف أطرف الأزمات في معظم العواصم دون جدوى، لكن محطة الجزائر، تكون حاسمة جدا، نظرا للهوية السياسية الخارجية للجزائر، والتي صقلتها منذ بداية الدبلوماسية الجزائر، كدبلوماسية ثورة، فدبلوماسية تحرر ثم دبلوماسية السلم وتصدير الاستقرار.
كل هذا الرصيد يضع الجزائر في طليعة الدول المدافعة عن السلم والأمن الدوليين، برؤية تعلي الحلول السلمية، وتعتقد بضرورة إبعاد التدخلات الخارجية، وجعل دور المجتمع الدولي يقتصر على الدعم والمرافقة.
وأثبتت الأيام والتاريخ، سلامة المواقف التي تتخذها الجزائر وتدافع عنها، وما استعادة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية مؤخرا، إلا دليل قريب وحي، على قدرتها لاستقرار مسارات الأزمات.
والجزائر لا تشتم المستقبل، إذ تفكر بمنطق أن كل ما يحدث في العلاقات الدولية أمور طارئة على مصالح الدول والشعوب ولابد أن تنتهي يوما إلى البحث عن السلم والتعايش.
كل هذه القيم التي تحملها في رصيدها، تجعلها في موقع ملائم للغاية لخدمة السلم والأمن الدوليين من منبر هام للغاية مثل مجلس الأمن، خاصة وأنها ستتبع صيغة عمل تشاركية، قائمة على التنسيق والحوار الدائم مع كل الدول الصديقة.